مقال قانوني حول زواج العمانيين من أجانب
مقال قانوني حول زواج العمانيين من أجانب
الدين الإسلامي حفظ كرامة المرأة وشرع مجموعة من الأنظمة التي تحقق العدالة الاجتماعية، كما اهتمت الدول بتشريع القوانين التي تحفظ حقوق الرجل والمرأة ضمن منظومة اجتماعية تحقق مبدأ المساواة والعدالة بين الجميع، وصدر المرسوم السلطاني المتعلق بأحكام تنظيم زواج العمانيين من أجانب رقم 58/93 والذي نظم عملية الزواج من الأجانب وفقاً لمجموعة من الاشتراطات والتي أتاحت للبعض الاستفادة من هذه لأحكام، وفقاً لظروفه الاجتماعية والصحية، ويعتبر الزواج الرابط الاجتماعي الأساسي في المجتمع، لأنه يعتبر الأساس الأول في بناء الأسرة التي تُعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وعليها تقع المسؤولية في التنشئة الاجتماعية للأفراد القادرين على القيام بأدوارهم بما يُسهم في تطور المجتمع ونموه.
وانطلاقا من هذه الأهمية التي تقع على الأسرة، فالأمر لا يعتبر عملية ارتباط بين الرجل والمرأة وإنما هو عقد اجتماعي قائم على مجموعة من الأطر التي تتحكم في أنظمته وتشريعاته، وهذا العقد الذي استخلص تلك التشريعات من الدين الإسلامي، وأعراف المُجتمع والقوانين التي تنظمها المؤسسات الاجتماعية، وذلك لما لهذه العلاقة من تبعات كثيرة متعلقة بعميلة استمرارها أو انفصالها، فموضوع العيش بين طرفين مختلفين في العديد من الصفات والخصائص قد تكون حياة ناجحة وأحيانًا قد تكون عكس ذلك، لذا شرعت القوانين لهذه العلاقة الاجتماعية.
وبالرغم من أن التركيبة السكانية تتيح المجال للزواج من غير الأجانب خاصة مع اقتراب النسبة بين الرجال والنساء في التعداد السكاني، إلا أنَّ ظاهرة الزواج من الأجانب في ارتفاع وبصورة مستمرة، مما يضع المجتمع أمام تحديات جديدة متعلقة بضرورة مراجعة تلك الأحكام وكيفية تطبيقها، خاصة عندما يتعلق الأمر بزواج المرأة العُمانية من الأجانب، فهذه الظاهرة بالرغم من أنَّها تأتي ضمن الحريات الشخصية، إلا أنه يجب مُراعاة المجتمع ومصلحة الوطن، ومصلحة المرأة أيضًا، حيث تُظهر الإحصائيات المسجلة الصادرة من المركز الوطني للإحصاء أنّ هناك ارتفاعاً ملحوظا في الزواج من غير العُماني، حيث بلغ عدد حالات الزواج العُمانية من الخليجي (216) حالة في عام 2014، وبلغ عدد الزواج العُمانية من الأجانب (70) حالة، وهي أرقام كبيرة على المستوى السنوي في مجتمع صغير الحجم، وهذا النوع من الارتباط الأسري له العديد من التأثيرات المستقبلية حيث يؤثر بدرجة كبيرة على مدى مقدرة الأجنبي على تربية الأبناء في ضوء الهوية الوطنية العُمانية، وغرس كل القيم الدينية والاجتماعية والسياسية والوطنية والثقافية فيهم، ولكن قبل الحديث عن دوره في تربية الأبناء، ما هو الدين الذي يؤمن به هذا الزوج؟ وفي حالة حدوث الطلاق ماهي التبعات الناتجة عن هذا النوع من الزواج؟
هناك العديد من القصص في المُجتمع العُماني عن علاقات زواج حدثت إثرها الكثير من المآسي، خاصة وأن هذه الزواج يأتي في إطار رفض عائلة الفتاة رفضًا نهائياً له، مما يدفع بعضهن للزواج وإنهاء علاقتها بأسرتها الأساسية دون إدراك لأن هذا الانفصال الأسري لها مشكلات مستقبلية، وهذا ما حدث بالضبط لبعض الفتيات اللاتي تعرضن للطلاق من الأجانب لاحقاً فلم تجد أحداً يتقبلها بعد ذلك، فأعراف المجتمع العُماني مازالت تتحكم في العديد من الجوانب الاجتماعية والتي يراها البعض لا تتوافق مع حريته الشخصية.
حيث إن هناك ارتفاعا كبيرا في حالات الطلاق بعد هذا النوع من الزواج، حيث بلغ عدد حالات الطلاق الخليجي من عُمانية في عام 2014 (39) حالة أي ما نسبته 18% وهي نسبة مرتفعة، وبلغت في عام 2015 م (26) حالة، أما حالات الطلاق الأجانب من العُمانية (10) حالات أي ما نسبته 14%، وبلغت في عام 2015م (22) حالة.
وارتفاع حالات الطلاق من الأجانب يعني أن هناك العديد من التبعات والتداعيات، والكثير منها يصعب معالجتها، خاصة إذا كان هذا الارتباط نتج عنه عائلة مكونة من عدة أطفال، فالوضع القانوني يصبح صعبًا، ويدخل في دائرة خلاف كبيرة متعلقة بحضانة هؤلاء الأطفال، وما هي الجنسية التي سيحصلون عليها، خاصة وأن قانون الجنسية العُماني لا يمنح أولاد العُمانيات من آباء غير عمانيين الجنسية، وهذا وضع طبيعي كون الابن يتبع جنسية أبيه، أضف إلى ذلك أن هناك آثار اقتصادية متعلقة بالإنفاق على الأبناء، وأيضا المطلقة مما يعود الأمر إلى الضمان الاجتماعي، والدخول في انخفاض مستوى الإنفاق، أما واقع الحضانة فيكون بين الحضانة المشتركة أو الحضانة لصالح الأم، وأثبتت بعض الدراسات التي أجريت على المجتمع العُماني أن هناك آثاراً اقتصادية واجتماعية تنتج عن حالات الطلاق مثل: مشاعر لوم الذات، والانطواء الاجتماعي، والتشاؤم، والفشل، والشعور بانخفاض مفهوم الذات، هذا فضلا عن مضايقات الأهل، ومشكلات تربية الأبناء، وإجراءات التقاضي، وحضانة الأبناء.
كما يتأثر الأبناء إلى حد كبير بالطلاق، وتتباين مشكلات تربية الأبناء بين الجنسين، ففي حين نجد تأثر الأبناء بسلوكيات سلبية من الوسط الاجتماعي المحيط لدى عينة الذكور، نجد مدى مُعاناة المرأة من عدم قدرتها على توجيه وإرشاد الأبناء، وكثرة المشكلات التي يقع فيها الأبناء، وتعلق الأبناء بأحد الأبوين، وإدمان الأبناء للمخدرات، وصعوبة تولي الأم بمفردها مسؤولية تربية الأبناء، ومن المشكلات التي تتعلق بتربية الأبناء لدى الجنسين الصعوبات الدراسية، المشكلات النفسية، والمشكلات الأخلاقية.
إنَّ الزواج من الأجانب يأتي ضمن ما يراه البعض حريته شخصية في اختيار شريك حياته، إلا أن التفكير فيما قد يحدث لاحقاً يجب قراءته بدقة، فالعلاقة الزواجية ليست علاقة عابرة فهي تحتاج إلى تحكيم العقل من أجل بناء مستقبل مناسب لحياتنا، فليس من السهل الارتباط بشخص قد يختلف معنا في العديد من القيم والعادات والتقاليد والدين أيضًا، فالهدف الأساسي من الزواج هو بناء أسرة تمثل اللبنة الأولى التي يقوم عليها المجتمع، والمشرع الذي وضع القوانين والأحكام مدرك لجحم التبعات التي قد ترافق هذا النوع من الزواج، فالمصلحة الوطنية يجب أن تكون من أولويات بناء الأسرة العُمانية الناجحة.