هل يقع الطلاق بـ”الثلاثة” فى مجلس واحد؟
المُقنن اتفق مع الشرع الحنيف فى اعتبار الطلاق المقترن بالعدد لفظاَ أو إشارة بمجلس واحد لا يقع به إلا طلقة رجعية واحدة.. والنقض تتصدى للأزمة
الواقع والحقيقة يؤكدان أن الدين الإسلامي حرص على المحافظة على بقاء الأُسرة وتماسُكها؛ لما في ذلك من حفظ للأبناء، واستقرار للمجتمع، ودرء لباب الرذيلة، ومنع لتشرُّد الأبناء، لكن للأسف في بعض الأحيان تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدودٍ يعجز كُلٌّ منهما في الاستمرار في الحياة الزوجية، ومن هنا جاءت مشروعية الطَّلاق، حيث سُميت إحدى سور القرآن الكريم بهذا الاسم، وفيها جاء تفصيل وذكر أحوال الطلاق وهيئاته؛ حيثُ يدلُّ ذلك على أنَّ الإسلام لمْ يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلا بيّنَها.
معنى الطّلاق
ومن تلك المسائل التي تناولها الشرع الحنيف هو الطلاق، فلم يتركه تبعاَ للهوى والرغبات، بل حدّد الطلاق بضوابط وأحكام تضمن حقوق الزّوج والزوجة، وتضمن دوام العشرة بالمباح، أو التفريق بين الزوجين إن أصبحت الحياة مستحيلة والاستمرار بها يؤدّي إلى نتائج عكسية، الطَّلاق في اللُّغة: من الفِعل أطلَق أي ترك وتخلّى عن الشيء مؤقتًا أو إلى الأبد، وهو يعني التسريح.
هل يقع الطلاق بـ”الثلاثة” في جلسة واحدة؟
في التقرير التالي، نلقي الضوء على إشكالية في منتهى الأهمية تهم ملايين الأسر تتعلق بالطلاق المقترن بالعدد لفظاً أو إشارة والطلاق المتتابع فى مجلس واحد هل يقع به طلقة رجعية، حيث اعتبر الطلاق من الأمور المباحة شرعاً في حالاتٍ معينة، فيجوز للرجل أن يوقعه على زوجته لكن ضمن شروط وأحكام وقواعد، وقد يقع الطلاق في بعض الحالات صحيحاً، وربما يكون وقوعه غير صحيح؛ فلا يترتّب عليه حكم ولا يُحسب طلاقاً، وربما يحتاج الطلاق في بعض الحالات إلى سؤال المُطلِّق عن نيته ومراده، هل قصد الطلاق بكلامه أم قصد غير ذلك؟ وقوع الطلاق بحسب ألفاظه ينقسم الطلاق باعتبار اللفظ الصادر عن المُطلِّق إلى صريح وكنائي –
الطلاق المقترن بالعدد لفظاَ أو إشارة في مجلس واحد لا يقع به إلا طلقة رجعية واحدة
في البداية – الطلاق المقترن بالعدد لفظاً أو إشارة والطلاق المتتابع فى مجلس واحد لا يقع به إلا طلقة رجعية واحدة، كما أن اسناد الزوج وقوع الطلاق إلى زمن ماض، يعتبر إنشاء للطلاق وليس اخباراَ عنه حيث أن المقرر في فقه الحنفية أن إسناد الطلاق في زمن ماض يقع من الزوج إذا كان أهلاَ لإيقاعه وقت إنشائه متى كانت المرأة محلاَ له في ذلك الوقت الذى أضيف إليه، ويعتبر إنشاءا للطلاق وليس أخبارَ عنه لأن الزوج إذ لا يمكنه إنشاء الطلاق في الماضى فقد أمكن اعتباره تجيزاَ في الحال –
وإذ كان المقرر في قضاء محكمة النقض أن عبارة الطلاق المقترن بالعدد لفظاَ أو إشارة بالتطبيق للمادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 يشتمل الطلاق الممتابع في مجلس واحد لأنه مقترن بالعدد في المعنى وإن لم يوصف لفظ الطلاق بالعدد، والفتوى أن الأصل في الطلاق المضاف إلى الماضى أن يكون من وقت الإقرار به من الزوج مطلقاَ وسواء أصدقته الزوجة فيه أو كذبته إذا أدعت جهلها به نفياَ لتهمة المواضعة مخافة أن يكون اتفقا على الطلاق،
تصدى محكمة النقض للأزمة
وفى هذا الشأن – سبق لمحكمة النقض التصدي مثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 29 لسنة 45 قضائية – أحوال شخصية، تحصلت وقائع الدعوى أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 123 لسنة 1972 – أحوال شخصية نفس – أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد الطاعن طالبة الحكم بإثبات طلاقه لها الحاصل في 4 نوفمبر 1971، وقالت بياناَ لدعواها أنه تزوجها بصحيح العقد الشرعى في 17 أكتوبر 1967 وبعد أن دخل بها نشب خلاف بينهما اجتمع على آثره يوم 4 نوفمبر 1971 بعض أفراد اسرتيهما لمصالحتهما غير أنه أوقع عليها في هذا المجلس أمام حاضريه يمين الطلاق بقوله: “أنت طالق”، وكرر مقالته هذه عدة مرات.
وإذ أقام عليها بعد انقضاء عدتها دعوى يطالبها بالدخول في طاعته بزعم أنها لا تزال في عصمته، فقد أقامت هذه الدعوى – وبتاريخ 29 مايو 1972 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أن زوجها الطاعن طلقها في 4 نوفمبر 1971 بعد الدخول، وبعد أن سمعت شهود الطرفين عادت وحكمت بتاريخ 29 يناير 1973 برفض الدعوى، استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئناف رقم 5 لسنة 1973 – أحوال شخصية نفس – الإسكندرية طالبة إلغاؤه والقضاء بطلباتها، وبتاريخ 8 مايو 1975 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإثبات طلاق الطاعن المطعون عليها طلقة رجعية اعتباراَ من 6 أبريل 1975 – ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أيدت فيها الرأي بنقض الحكم.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن الطعن بنى على سبب واحد ينعى الطاعن بالوجهين الأول والثانى منه على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفى بيان ذلك يقول إن الحكم بنى قضاءه بثبوت الطلاق اعتباراَ من 6 أبريل 1975 على سند من القول بأن الزوج إذا أخبر زوجته بطلاق من زمان مضى وصدقته الزوجية في الاسناد، فإن ذلك يعنى أن تكون ابتداء عدتها من وقت الإخبار لا من الوقت الذى أسند إليه الطلاق، أنه لما كان الثابت أن المطعون عليها ذهبت في دعواها إلى أن الطاعن طلقها طلاقاَ بائناَ في 4 نوفمبر 1971 أمام شهود، وصادقها هو على ذلك أمام محكمة الاستئناف بجلسة 6 أبريل 1975، فإنه يتعين إثبات الطلاق مستنداَ إلى تاريخ إقرارها بوقوعه، وهو المتفق عليه بإجماع حال المصادقة أخذا بقبول الزوجين معاَ، مما يجيب الحكم بمخالفة القانون.
وإذ كان المقرر في قضاء محكمة النقض أن عبارة الطلاق المقترن بالعدد لفظاَ أو إشارة بالتطبيق للمادة الثالثة من المرسون بقانون رقم 25 لسنة 1929 يشتمل الطلاق الممتابع في مجلس واحد لأنه مقترن بالعدد في المعنى وإن لم يوصف لفظ الطلاق بالعدد، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن إقرار الطاعن لطلاق المطعون عليها كان مجرد عد العدد لفظاَ أو إشارة ولم يكن طلاقاَ على مال وليس مكملاَ للثلاث وحصل بعد الدخول، فإنه لا يقع به إلا واحدة ويكون طلاقاَ رجعياَ، ولا عبرة بوصف الطلاق الذي يرد على لسان أحد الزوجين.
عدة المطلقة من وقت إخبار الزوج أو اقراره بالطلاق لا من وقت الاسناد
وإذ كانت عدة المطلقة من وقت إخبار الزوج أو اقراره بالطلاق لا من وقت الاسناد، وكان تعديل جعل المدة من وقت الإقرار هو خشية تهمة المواضعة، فإنه ينبغي أن يتحرى عليها ويرجع إلى الناس الذين هم مظانها، فإن كان واقع الحال يتجافى عن مظنة هذه التهمة أو قامت على صحة تاريخ الطلاق ببينة شرعية وليس الإقرار إسناده، فإنه ينبغي الاعتداد بتاريخ الاسناد واتخاذه بدءا للطلاق، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه على أن بينة شرعية لم تقم على إيقاع الزوج الطلاق في الزمان الماضى الذى أمده إليه مما مفاده قيام مظنة تهمة المواضعة، وكان واقع الحال في الدعوى لا ينفيها فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
والفتوى أن الأصل في الطلاق المضاف إلى الماضى أن يكون من وقت الإقرار به من الزوج مطلقاَ وسواء أصدقته الزوجة فيه أو كذبته إذا أدعت جهلها به نفياَ لتهمة المواضعة مخافة أن يكون اتفقا على الطلاق، وانقضاء المدة توصلا إلى تصحيح إقرار الزوج المريض لها بالدين أو ليحل له الزواج بأختها أو أربع سواها، ولا تعدو مصادقة الزوجة زوجها المقر في إسناد طلاقها إلى تاريخ سابق إلا إسقاطاَ لحقها هي في النفقة وما إليها، دون أن يعمل بهذه المصادقة فيما هو من حقوق الله تعالى.