من مرافعة مكرم عبيد باشا عن/ عباس العقاد
============ من مرافعات الزمن الجميل ============
إن القضية المعروضة عليكم ياحضرات المستشارين هي مأساة أمة تمثلت في مأساة فرد, ولكن النيابة رأت أن تتملص من الجوهر إلي المظهر, فرسمت لنا من تهمة باطلة صورة هي أشبه الصور بالحق, وإن لم تكن من الحق في شيء,
لذلك أري من واجبي أن أعرض للمحكمة الصورة الحقيقية لهذه القضية, والواقع أن هذه القضية التي تبدو في الظاهر بين النيابة والأستاذ العقاد هي في الحقيقة بين الرجعية والدستور, أو هي بالأحري بين مبدأ التأخر ومبدأ التقدم, أيا كانت الأزمنة والظروف, وما العقاد إلا خصم للرجعية عنيد, انهال عليها بضربات قتالة, رأت ألا قبل لها به فاعتزمت أن تنكل به قبل أن ينكل بها.
ياحضرات المستشارين
——————–
لو أن هذه القضية, أي قضية الصراع بين الرجعية والتقدم هي الوحيدة من نوعها لجاز أن يكون تصويرنا لها وتعليلنا لأسبابها محل ريبة وتشكك, ولكن الدليل لا يعوزنا علي أن الرجعية في صراعها الدائم مع خصومها طالما لجأت إلي مثل هذا السلاح المعيب وهو التحكك بالعرش وشخص الجالس عليه.
منذ أمد بعيد يزيد علي الألف وتسعمائة سنة, ظهر بين الناس رجل من رجال الله الأطهار, هو كلمة الله وروح منه, ولكنه كان بين الخلق متواضعا فقيرا, لايجد لجسمه غطاء ولا مثوي, حتي أنه كان يقول عن نفسه: إن لطيور السماء أوكارها وليس لابن الإنسان مأوي, وكانت رسالته إلي الناس أن اعبدوا الله عبادة الروح والحق, وانبذوا من الدين تقاليد الرجعيين من رجاله, إذ هي ليست من الدين في شيء. خصومة دينية كما ترون,
ولكن الرجعيين من رجال الدين لم يجدوا سبيلا للانتقام من خصمهم إلا أن ينصبوا له شراكا ليتهموه بعدم الولاء لقيصر صاحب العرش, ورغم قوله صراحة أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله فإنهم شكوه إلي الحاكم الروماني مدعين أنه طعن علي قيصر, ولو أن خصومه لهم لسان النيابة المصرية لقالوا بالأمس ماتقوله هي اليوم من أن المسيح عليه السلام قد عاب في الذات الملكية. ألا ترون ـ ياحضرات المستشارين ـ كيف تلجأ الرجعية, حتي في المسائل الدينية البحتة التي لا شأن لها بالملك ولا بالملوك إلي الانتقام باسم الملكية, وهل لا ترون بأن الرجعية هي اليوم والأمس وإلي الأبد واحدة في تفكيرها وتدبيرها.
موسسة حورس للمحاماه 01129230200
———-—