الاستيقاف فى ضوء احكام محكمة النقض
بقلم / عبد المجيد جابر المحامي 00201111295644
الاستيقاف هو إجراء يقوم به مأمور الضبط القضائي فى سبيل التحري عن الجرائم، وكشف مرتكبيها، ويسوغه اشتباه تبرره الظروف وهو أمر مباح لمأمور الضبط إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية واختيارا فى موضع الريب والظن ، على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص في فقرتها الثانية على أنه “ويجب أن تثبت جميع الإجراءات التي يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت اتخاذ الإجراءات ومكان حصولها ….”.
مما يستفاد منه أن القانون وإن كان يوجب أن يحرر مأمور الضبط القضائي محضراً بكل ما يجريه في الدعوى من إجراءات إلا أن ما نص عليه القانون فيما تقدم لم يرد إلا على سبيل التنظيم والإرشاد ولم يرتب على مخالفته البطلان، ومن ثم فإن خلو محضر جمع الاستدلالات من توقيع محرره – من قبيل السهو – ليس من شأنه إهدار قيمته كعنصر من عناصر الإثبات – اذا لم ينازع الطاعن في تحرير ضابط المباحث لما أثبت فيه – وإنما يخضع كل ما يعتريه من نقص، أو عيب لتقدير محكمة الموضوع ذلك أن صفة المحرر تختلف عن حجيته في الإثبات
(الطعن 6395 لسنة 69 ق جلسة 14 / 4 / 1999 ).
والتساؤل هنا هو ما الذي يبرر الاستيقاف أو لماذا يستوجب على مأمور الضبط القضائى أن يستوقف شخص معين دون غيره؟
الاستيقاف يبرره أن الشخص وضع نفسه بفعله و سلوكه موضع الشك و الريبة و أثار ظنون مأمور الضبط القضائى وأن هذا الفعل أو السلوك غير مألوف و غير طبيعى أو غير معتاد وينبئ عن ضرورة تدخل رجل السلطة العامة للكشف عن حقيقة الامر في سبيل أدائه لواجبه في الكشف عن الجرائم و معرفة مرتكبيها، وعليه يتضح أن فعل الشخص أو سلوكه الشاذ الغير مألوف هو الذي يبرر الاستيقاف و على ذلك يتبين أن للاستيقاف ثلاث عناصر لابد من تحققها للحكم على صحته و ما ترتب عليه من إجراءات.
1- الاستيقاف كرد فعل لتصرف غير مألوف يتنافى مع طبائع الأمور.
أن حق مأمور الضبط القضائى في استيقاف شخص هو من قبيل رد الفعل للتصرف غير المألوف الذي صدر عن الشخص وهو ما يعنى أن الاستيقاف هو اجراء لاحق على حصول ذلك التصرف أو السلوك الغير طبيعى ومعاصرا له زمنياً ووسيلة أدراك التصرف الشاذ هنا هي حاسة الابصار يعنى أن يشاهد رجل السلطة العامة بعينه تصرف غير طبيعى صدر من شخص مما يستوجب تدخله واستيقافه لسؤاله عن اسمه و هويته ووجهته.
2- الاستيقاف كوسيلة للمعرفة و الوقوف على الحقيقة.
إن غاية الاستيقاف هو إزالة ما علق بنفس رجل السلطة العامة من ريبة وظنون وشكوك مصدرها السلوك أو الفعل الشاذ الغير طبيعى الذي صدر من شخص المُستوقف وبالتالي فمن حق رجل السلطة العامة التدخل بالاستيقاف ليسأل الشخص عن اسمه ووجهته وكذلك تبريره لهذا السلوك الغير طبيعى الذي صدر منه.
3- الاستيقاف و حدود الحرية الشخصية.
إذا كان السلوك الشاذ أو التصرف الغير طبيعى الذي صدر من الشخص المُستوقف هو الذى يبرر الاستيقاف للشخص و سؤاله إلا أنه لا يبرر ما يتعدى ذلك من إجراءات والا وقعت جميعها تحت سيف البطلان ، فلا يجوز اطلاقا بناء على الشكوك والظنون القبض على الشخص المُستوقف أو تفتيشه وفى هذا تقول محكمة النقض ” الاستيقاف لا يعد و أن يكون مجرد إيقاف إنسان وضع نفسه موضع الريبة في سبيل التعرف على شخصيته، وهو مشروط بألا تتضمن اجراءاته تعرضاً مادياً للمتحرى عنه يكون فيه مساس بالحرية الشخصية أو الاعتداء عليها ”
(طعن رقم 1294 لسنة 68 ق جلسة 23/2/1999)
وأيضا قررت محكمة النقض ” متى كان المخبر قد اشتبه في أمر المتهم لمجرد تلفته وهو سائر بالطريق وهو عمل لا يتنافى مع طبائع الأمور ولا يؤدى الى ما يتطلبه الاستيقاف ، فإن الاستيقاف على هذه الصورة هو القبض الذى لا يستند الى أساس في القانون ”
(24/4/1970 احكام النقض س 79 ق38 ص159).
الاستيقاف كمدخل لإدراك حالة التلبس.
الاستيقاف على النحو السابق بيانه قد يكون مدخلا طبيعيا لادراك حاله تلبس قائمه وصحيحه قانون مادام رجل السلطة العامة لم يتجاوز حدود الاستيقاف القانونية فلم يتعرض للشخص المستوقف في حريته ولم يقم بإجراء القبض أو التفتيش إلى أن تظهر الجريمة او تُدرك في احد حالات التلبس بها، ويعني ذلك ان الاستيقاف تم اولا ثم تلاه ادراك رجل السلطة العامة لحاله التلبس بما يعني ان دور الدفاع يرتكز اساسا على نفي مبررات الاستيقاف وصولا لبطلان القبض على النحو التالي:-
أولا: ان تتوفر مبررات الاستيقاف وهي في موجزها سلوك او فعل غير مألوف صدر عن الشخص المُستوقف استوجب تدخل رجل السلطة لاستطلاع الامر فيلزم اذن التوقف عند الفعل او السلوك الغير مألوف الذي اثبته المحضر، وبيان إذا كان الفعل او السلوك مألوف أو غير مألوف انما يكون وفقا للظروف التي ادعى حصوله خلالها و غير مجرد أو منفصل عنها لأن ذات الفعل أو السلوك الشاذ ذاته قد يكون طبيعياً و مألوفا في ظروف معينة أخرى و هذه التقديرات كلها تخضع في الحكم على صحتها أو بطلانها لتقدير محكمة الموضوع.
ثانيا: ان يدرك مامور الضبط القضائي حاله التلبس باحد وسائل وحواس الادراك البشري وهى حاسة البصر أو السمع أو اللمس أو الشم أو التذوق فيلزم للدفاع هنا التوقف عند ما تم اثباته بالمحضر من شواهد و مظاهر دعت مأمور الضبط القضائي للقول بتوفر حالة من حالات التلبس ، ودور الدفاع يبدأ ببيان مدى اعتبار الفعل او السلوك الذي صدر عن الشخص المستوقف مألوفا و اعتياديا ومتى اعتبر هذا السلوك مألوفاً تنتفى مبررات الاستيقاف ويبطل أي اجراء لاحق له ومرتبط به ونقصد هنا القبض و التفتيش.
(قانون الإجراءات الجنائية – محمود نجيب حسنى ط 2019 )
” قضت محكمة النقض ببطلان نتيجة التحليل الذى تقوم به الشرطة فى الطرق العامة لمخالفه هذا الاجراء لنص الماده ٤١ من الدستور التى تكفل حريه التنقل واضافت المحكمة ان التحفظ علي الطاعن بعد استيقافه بالطريق العام والقبض عليه وتفتيشه واخذ عينه منه لتحليلها يقع باطلا لعدم توافر حالة من حالات التلبس المنصوص عليها حصرا فى القانون سببا اخر لبطلان هذا الاجراء يضاف الى مخالفته نص صريح فى الدستور” .
( طعن رقم 4527 لسنة 87 ق جلسة 10/3/2019 )
الارتباك الناتج عن مشاهدة المتهم لمأمور الضبط القضائي كمبرر للاستيقاف.
ارتباك المتهم لدي رؤيته لمأمور الضبط القضائي ثم تخليه عما في حيازته وإنكاره صلته به يخول لرجل السلطة العامة الذي يقع بصره عليه أن يستوقف المتهم ويلقط ما تخلي عنه فالارتباك فى ذاته ليس فعلا أو سلوكا . لذا لا يجوز استيقاف شخص لمجرد قلقه وتوتره من رؤية مأمور الضبط القضائي أو أحد رجال السلطة العامة فان اقتران الارتباك ، بسلوك أخر قد يجعل منه مبررا للاستيقاف ، فالارتباك الذي يعقبه فرار الشخص مبرر للاستيقاف ، والارتباك الذي يعقبه تخلي يبرر الاستيقاف. ومن قضاء محكمة النقض ” الاستيقاف إجراء لا يمكن اتخاذه دون توافر شروطه ، وهو أن يضع الشخص نفسه طواعية واختيارا في موضع الشبهة أو الريبة بما يستلزم تدخل السلطة للكشف عن حقيقة أمره ، أما وأن المتهم ارتبك لدي رؤيته لمأمور الضبط وظهرت عليه علامات القلق والخوف فان ذلك لا يبرر استيقافه لانعدام المظاهر الدالة على ضرورة التدخل” .
(20/4/1975 أحكام النقض 11س 51ق ص96 ).