استشارات قانونيه مصريه , زواج وطلاق الاجانب, تأسيس الشركات في اسرع وقت واقل تكلفه , القضايا التجاريه ,كتابة توثيق عقود زواج عرفي شرعي , قضايا محكمة الاسره , تأسيس الشركات , تقنين اقامات الاجانب , القضاء الاداري , القضاء المدني , قضايا الجنايات والجنح

الطلاق عند الاقباط

211

الطلاق عند الاقباط

لا تجيز شريعة الأقباط “الطلاق”، ولكن هناك ما يسمى “بالتطليق”، وإن كانت الطائفة الكاثوليكية لا تعترف بالتطليق حتى لعلة الزنا، ولكن يوجد فيها ما يسمى بالانفصال الجسدى. أما فى الطائفتين الأرثوذكسية والإنجيلية، فيحدث التطليق فى حالتين لا ثالث لهما، الحالة الاولى، علة الزنا، ويأتى معها على نفس المستوى التطليق فى الشذوذ الجنسى ويأتى معها قيام أحد الطرفين بتغيير ديانته، أما الحالة الثانية، فهى أن يشوب عقد الزواج بطلان جوهرى.
ولكن الواقع يؤكد أن أكثر حالات طلب الطلاق بين الأقباط أمام المحاكم، تأتى من إساءة أحد الطرفين للطرف الآخر، وهو ما يؤدى الى استحكام النفور بينهما. وما أن دخل قانون الأحوال الشخصية الجديد حيز التنفيذ، حتى قامت مائة إمراة مسيحية بطلب الخلع من أزواجهن وأرتضين بتطبيق الشريعة الإسلامية حتى يتمكن من الخلاص من زواج يخشون على أنفسهن منه، خاصة مع التعنت الذى يوجهه الأزواج الذين استحالت العشرة معهم، ليذهبن بعد ذلك الى المجلس الاكليركى للحصول على تصريح بالزواج الثانى، وحتى فى ظل صعوبة الحصول على هذا التصريح بالزواج، فإن هذا المخرج الذى يلجأ إليه المسيحيون للحصول على حكم بالطلاق قد يغلق نهائيا إذا ظهر قانون الأحوال الشخصية الموحد للأقباط الى حيز التنفيذ. لذلك كان لابد من مقابلة القيادات الدينية للطوائف المسيحية الثلاث لمعرفة أسباب هذا العدد المتزايد أمام المجلس الأكليركى للحصول على التصريح الثانى أو أكثر للزواج، وبالتالى اعتراف الكنائس بحصول الطلاق.
وفى المجلس الأكليركى، والذى يتكون من أربعة، يرأسهم قداسة البابا شنودة أو من ينوب عنه، تقابلت مع الأنبا بولا- رئيس المجلس والنائب عن قداسة البابا شنودة، وسألته عن الأسباب والمشاكل الزوجية لدى المسيحيين والتى يمكن أن تؤدى الى رغبة أحد الطرفين أو كليهما فى الطلاق؟
فأوضح نيافته أن أسباب المشاكل الزوجية لدى المسيحيين مثلها “مثل المشاكل الموجودة عند المسلمين”. فنحن نعيش فى مجتمع واحد، وأهم هذه الأسباب هى عدم التوافق ما بين الخطيبين من البداية، ونعنى عدم التوافق فى السن، فإما أن يكون الرجل أكبر كثيرا، أو أن تكون المرأة أكبر ولو بأى قدر، وأيضا عدم التوافق فى المستوى التعليمى، كأن تكون المرأة هى الآكثر تعليما. وكذلك الفروق الكبيرة والواضحة فى المستوى الاجتماعى وفى المستوى الروحى والدينى لدى الطرفين. فهذه الفوارق! ان وجدت مجتمعة أو أحدها فى مرحلة الخطوبة، نستشعر أن هذا الزواج مهدد بين لحظة وأخرى. وهنا يقتبس الأنبا بولا قولا لقداسة البابا شنودة وهو “أن الزواج لأتفه الأسباب يؤدى الى الطلاق لأتفه الأسباب”. فالمفهوم الخاطئ للزواج، بمعنى أن لأتفه الأسباب. ما يشد طرفا للأرتباط بالطرف الآخر قد يكون هو السبب المؤدى الى طلب الطلاق.
على سبيل المثال الانشغال بالشكل دون الجوهر، وكذلك الارتباط المبكر قبل سن النضوج، كالارتباط فى فترة الدراسة، وكذلك الإقبال على الارتباط فى فترة مليئة بالقلق والتوتر وعدم الاستقرار. نقطة أخرى مهمة وهى المشاكل المالية والاقتصادية التى يمر بها المجتمع المصرى، تلك المشاكل تؤثر على الطرفين، مما يؤثر على استقرار الأسرة، يضاف إليها عدم تغير فكر الزوج المصرى بما يتناسب مع متغيرات العصر فى نظرته للزوجه حيث ينظر إليها والده وحده، حيث يرى فى الزوجه الخاضعة كل الخضوع والمهتمة بكل مايتعلق بأمور الأسرة والملبية لكل الطلبات مهما كانت، بغض النظرعن كونها تعمل مثله أم لا، كل هذه الامور يمكن أن تفجر المشاكل الزوجية بين الطرفين.
لا طلاق إلا لعلة
وهنا يوضح الأنبا بولا أن التطليق عادة ما يتم فى ساحات القضاء أما التصريح بالزواج فيمنح من الكنيسة، وما يتم فى القضاه وهو الجهة الوحيدة المخول إليها التطليق- شى وما يتم فى الكنيسة- وهى الجهات الوحيدة المخول إليها منح تصاريح الزواج- شئ اخر. فالقاعدة العامة فى المسيحية فى ما يخص الأحوال الشخصية، أفي لا طلاق إلا لعلة الزنا، ويأتى معها على نفس المقياس الشذوذ الجنسى، بما يعنى استخدام الطرف الاخر على خلاف الطبيعة، وهذين الأمرين واضحان فى الكتاب المقدس. يضاف إليهما بند ثالث، وهو فى حالة تغيير الديانة، ومن هنا يحق للطرف المتمسك بمسيحيته أن يطلب التطليق من الطرف الذى غيرديانته إلى دين آخر. فالمبدأ أنه لا يجوز التفريق بين أى زوجين صارا شخصا واحدا بعد زواجهما، فالزواج سر من أسرار الكنيسة السبعة، لا يفسده إلا وجود جسد ثالث، والمقصود هنا الزنا، ونحن نسميها فى أغلب الأحيان زنا حكمى، أى أن الحالة فى حكم الزنا وليس بالزنا الفعلى، ففى المسيحية ليس بالضرورة أن يكون هناك إثبات لواقعة الزنا وقت وقوعها، فهذا أمر شبه مستحيل، ولكننا نأخذ بالأدلة، كأن تحتوى بعض الخطابات على عبارات تعبر عن وجود علاقة، او إن وجد حجزفى أحد الفنادق وثبت وجود الشخصين فيه، أو إن وجدت تسجيلات صوتية، سواء مسجلة بطريق قانونى أو غير قانونى، فهذا غير ضرورى، ولكن بعد أن نتاعد تماما من صاحب الصوت.
هذا بخلاف مواجهتنا للطرف المذنب بالأدلة والقرائن، وهنا ليس بالضرورة إقرار المخطئ بخطئه، فنحن هنا كالقضاء نحكم بما يرتاح إليه ضمير صاحب القرار.
أما بالنسبة للشذوذ الجنسى، فيمكن إثباته بالفحص الطبى للزوجة أو نتيجة للموانجهة بين الطرفين، أو حتى إن وجد شهود، بمعنى وجود شكوى من أحد الطرفين لأشخاص موثوق فيها فى مرحلة من مراحل الحياة الزوجية وقبل وصولهما إلى مرحلة التطليق، وطلب تصريح بالزواج الثانى. وأن هذه الأطراف حاولت إصلاح الأمر بينهما وهو عادة ما يكون لكاهن فى الكنيسة، فإذا أقر هذا الكاهن بأن هذه الشكوى موجودة وأن الطرف الآخر لم يذكرها وقتها وحاولنا الإصلاح بينهما، فهنا يؤخذ برأى هذا الشاهد.
ولكن يوجد فى المسيحية ما يوجب بطلان الزواج، اى ما يجعل هذا الزواج فى حكم الباطل، وهو ما يحدث عادة بعد بداية الزواج وليس بعد فترة طويلة، مثل عدم قدرة الزوج على معاشرة زوجته وقد يكون ذلك بسبب عنة عضوية أو عنة نفسية.
فالعنة العضوية يمكن إثباتها بالفحص الطبى، أما العنة النفسية فلا تنتج بالضرورة عن وجود مرض نفسى، ولكنها تعبر عن وجود خلل عضوى يبرر هذه الحالة، والفحص الطبى للزوجة هو الذى يقر بوجود تلك العنة، فقد تكون مشاكل ما قبل الزواج أو أن تكون شخصية الزوجة المسيطرة هى التى أدت إلى العنة النفسية للرجل أو حتى وجود تخوف من مثل تلك الأمور أدى إلى الاخفاق، والاخفاق لمرة قد يؤدى إلى الإخفاق كل مرة، فمع نوع من المشجعات النفسية يمكن أن يكون هذا الرجل الطبيعى جدا مع زوجة أخرى، ولكن مع تلك المرأة يوجد حاجز نفسى يمنع قداسة البابا شنودة معاشرته لها، وهنا يمكن أن تعطى الكنيسة تصريحا بالزواج للطرفين.
ونفى الأنبا بولا ما تردد من بلوغ عدد طالبى تصاريح الزواج التانى عشرات الالاف، وقال أنه يأسف للضجة الإعلامية ومحاولات تضخيم رقم طالبى الزواج الثانى، إذ اين لهم بهذه المعلومات؟ فالجهة الوحيدة القادرة على قول الرقم الصحيح هى الكنيسة.
كما أن الاعلام قد اعتاد تقريب الأرقام المئوية والألفية إلى المئات أو الآلاف كنوع من التضخيم، وهذا أسلوب إعلامى. النقطة الثانية أنه ربما إذا صحت هذه الأرقام، فأنهم يتحدثون عن قضايا الأحوال الشخصية وليس عن قضايا الطلاق والفرق بينهما كبير جدا، فقضايا الطلاق هى أحد أنواع قضايا الأحوال الشخصية. وعموما فقد تقدم فى العام الماضى 2002 للمجلس الالكيركى 801 حالة من مصر وخارجها، وقد أعطينا بالفعل تصاريح لـ 386 شخصا من بينهم 60 حالة بطلان زواج، أخذ فيها الطرفان تصاريح بالزواج، وهو ما يعنى أن 226 أسرة أخذ أحد الطرفين تصريحا بالزواج الثانى.
13 مانعا
أما بالنسبة للطائفة الكاثوليكية، فيؤكد الأب أيوب زكى أن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بأى طلاق مدنى، إذا كان الطرفان كاثوليكى المذهب ومرتبطين برباط الزوجية أمام سلطة الكنيسة، فلا تعترف أى كنيسة كاثوليكية فى أى مكان فى العالم بالتطليق ولا تعطى تصريحا بزواج ثان، ولكن الكنيسة تعترف فقط ببطلان الزواج الذى تحكم به الكنيسة حسب القانين الخاص بها، ويعتبر الزواج باطلا أو لاغيا لسبب من الأسباب الأتية، أولها الموانع الزوجية (13 مانعا) منها عدم بلوغ السن القانونية أو العجز الجنسى أو الارتباط بزواج سابق أو الخطف أو قتل الزوج والقرابة الدموية حتى الدرجة الرابعة والمصاهرة والرهبة والكهنوت والتبنى والقرابة الروحية (العماد). ثانيها العيب فى الرضا، وثالثها عدم القيام بالمراسم الدينية فى الكنيسة امام الكاهن المختص والشهود وصلاة الإكليل. فنحن فى الكنيسة الكاثوليكية لا نقر بالطلاق لعلة الزنا، فالترجمة السليمة لكلام الإنجيل ليس المقصود بها الزنا الذى يقيم فيه أحد الزوجين علاقة مع شخص ثالث، وإنما المقصود من النص الإنجيلى هو “الفحشاء” ، حيث ينص الإنجيل المقدس على أن “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان”.
ففى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية حادثة مشهورة، عندما طلب الملك هنرى الثامن من البابا تطليق زوجته لرغبته فى الزواج بأخرى فرفض البابا، وانشقت كنيسة انجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية وسميت بالكنيسة “الانجليكانية”، والتي ترأسها ملكة انجلترا، وبالتالى فإن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بأى سبب يفرق بين الزوجين اللذين تزوجا زواجا صحيحا إلا بالموت الجسدى.
أما فى الطائفة الأخيرة، وهي الطائفة الانجيلية، فيوضح الدكتور القس صفوت البياضى- رئيس الطائفة- أن التطليق لديهم يتم لسببين، هما زنا أى من الزوجين، أو خروج أحد الزوجين عن الديانة المسيحية.
وفى ذلك قدر من توافق مع الشريعة الإسلامية ومساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات. ولا تعطى الكنيسة الإنجيلية تصريحا بالزواج الثانى للمطلق، إلا إذا كان هو الطرف البرئ، فلا يجب أن يستفيد المخطئ من خطأ أرتكبه، وفى ذلك حماية من وقوع ضحية أخرى يمكن أن تتعرض لنفس الظروف. وهنا يؤكد الدكتور البياضى أن عدم التوسع فى أسباب الطلاق يأتى حماية للأسرة ورعاية الأطفال الأبرياء وتقديسآ للعلاقة الزوجية التي قصد بها فى الأصل أن تكون ابدية. ومع ذلك يمكن أن توجد أسباب تؤدى إلى بطلان العقد، وهى أسباب موضوعية مثل عدم اكتمال أركان الزواج، ووجود أسباب شكلية تشوب العقد بالبطلان، منها أن يكون لدى أى من الزوجين عيب خلقى يمنع اكتمال الحياة الزوجية، أو تخلف ركن الرضا أو القبول، أو عدم إتمام المراسم الدينية أو الغش من جانب أحد طرفى العقد، وكلها أسباب تجيز بطلان العقد وفسخ وانهاء العلاقة الزوجية ويسمح للطرف البرئ بالزواج الثانى.
التطليق للضرر
ولكن واقع الحال يؤكد أن أكثر حالات طلب الطلاق بين الأقباط أمام المحاكم، تأتى من إساءة أحد الطرفين للآخر، مما يؤدى إلي استحكام النفور بينهما. وقد اشترطت المحاكم لحدوث الطلاق أن يكون هناك انفصال قد حدث بالفعل بينهما لمدة ثلاث سنوات متتالية قبل طلب الطلاق من المحكمة، هذا إذا كان الطرفان من نفس الطائفة، ولكن إذا غير أحد الطرفين طائفته كأن يتحول من أرثوذكسى إلي بروتستانتى، أو أن يغير أحد الطرفين ملته داخل طائفته من أرثوذكسى إلى روم أرثوذكس مثلا، ففى هذه الحالة يتم تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية، إذ ينص القانون على أنه إذا اختلف الطرفان فى الطائفة أو الملة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية. وهنا يوضح المستشار عبدالرحمن محمد عبدالرحمن رئيس محكمة. وأحد الأعضاء المشاركين فى إعداد القانون رقم 1 لسنة 2000.
أن المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية تنص على أن للزوجين أن يتراضيا فى ما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا وأقامت الزوجة دعواها وأفتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية، وردت عليه المهر الذى دفعه لها، حكمت المحكمة بتطليقها للخلع بعد انتداب حكمين للصلح من أهله وأهلها مرة ومرتين إذا كان بينهما أولاد. وبالتالى فإن من حق الزوجة المسيحية أن تطلب التطليق للضرر، حيث ترفع دعوى بذلك، واذا غيرت الزوجة طائفتها أو ملتها فإنه يحق لها أن تخالع زوجها باعتبار أنه سبب من أسباب الطلاق، حيث أنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية وأنها تخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا الزواج. فى هذه الحالة تصبح المحكمة ملزمة بإحالة الدعوى للتحكيم على أن تقوم الزوجة برد المهر الذى دفعه لها الزوج، كما تتنازل عن حقوقها الشرعية المالية. ويحق للمحكمة أن تنتدب حكمين إذا لم يقم الزوجان باختيار حكمين من أهلهما لمحاولة الاصلاح بينهما، وقد حدد القانون مهمة الحكمين فى محاولة الاصلاح فقط، وليس معرفة الأسباب (أسباب الشقاق) وتكون مهمتهما أمام المحكمة الشهادة فقط والمحكمة ليست ملزمة بأخذ ما أنتهيا إليه. وتنص المادة 19 من القانون على أنه إذا تقاعس أحد الطرفين عن اختيار الحكم من أهله، فإن المحكمة تعين له حكما، ونظرا لأن الشريعة المسيحية ليس بها من القواعد ما ينظم مسألة الشهادة أو التحكيم، فإنه تطبق الشريعة الإسلامية فى مسألة اختيار الحكمين، وتختار المحكمة الحكمين عادة من دار الوعظ والارشاد أو من الاخصائيين الاجتماعيين.
وفيما لا يرى قداسة البابا شنودة غضاضة فى إعال مبدأ حق المرأة المسلمة فى خلع زوجها على المرأة المسيحية تطبيقا لمبدأ المساواة، إلا أن الأنبا بولا علق على الامر بأن البابا شنودة ارتضى المساواة نظرا للظلم الواقع على المرأة، بمعنى لماذا يحق للرجل أن يطلق زوجته ويقر القانون هذا وتفتقر المرأة إلى هذا الحق، وعلى الرغم من جهة الموضوع، فنحن نرفض هذا وذاك، نرفض الأسانيد التى يحكم بها فى القضاء بتطليق المسيحى والمسيحية، ونرفض الثغرة التى يدخلون منها وهى تغيير الملة لتطبيق الشريعة الإسلامية، سواء على المرأة أو الرجل المسيحى، وعموما نحن نرحب بالمساواة إلى أن يحكم بالقوانين التى تتفق مع شرائعنا ومع الكتاب المقدس.
أزمة التطليق
غير أن سؤالا مهما حول هذا الموضوع يطرح نفسه هو لماذا تفاقمت أزمة التطليق والتصريح بالزواج الثانى بعد عام 1971؟ أى بعد جلوس قداسة البابا شنودة الثالث على كرس البطريركية، حيث يري الحاصلون على حكم قضائى بالتطليق قداسة البابا اعطى تعليمات برفض تصاريح الزواج الثانى للمطلقين إلا لعلة الزنا- المنصوص عليها صراحة في الكتاب المقدس.
ومنذ ذلك التاريخ تزايدت أعداد ملفات الراغبين فى الاعتراف بتطليقهـم والحصول على تصريح بالزواج الثانى، ويتساءل هؤلاء: لماذا تصر الكنيسة على إلغاء اللائحة المنظمة للأحوال الشخصية التى وضعت فى عام 1938 فى عهد البابا يوأنس التاسع عشر ” البطريرك” 113 فى باباوات الكنيسة المصرية، والمشهود له بالإسراف فى الرهبنة، حيث تتضمن تلك اللائحة تسعة أسباب للحكم بالتطليق والتفريق بين الزوجين فى المواد أرقام 55، 56، 57 إلى جانب علة الزنا المنصوص عليها فى الانجيل وهى اعتناق أحد الزوجين ديانة غير الديانة المسيحية، وغياب أحد الزوجين لمدة خمس سنوات متتالية، وصدور حكم بإثبات غيابه والحكم على أحد الزوجين بالأشغال الشاقة أو بالسجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات، واذا أصيب أحد الزوجين بالجنون أو بمرض معدى واصابة الزوج بالعنة، واعتداء أحد الزوجين على الآخر اعداء جسيمآ يعرضه للخطر، واذ ساء سلوك أحد الزوجين وانزلق فى حياة الرذيلة، وأخيرا إذا ترهبن احد الزوجين. وقد استمر العمل بتطبيق تلك اللائحة لمدة ستة عشر عاما، ولكن بعد عام 1971 عرف الأقباط الذين استحالت العشرة بينهم طريقهم إلى المحاكم والانتظار لمدة ثلاث سنوات إذا أصر أحد الطرفين على الاحتفاظ بطائفته.
ولكن الأنبا بسنتى- اسقف حلوان والمعصرة- يرى أن ما نسميه “تضييقا” والذى تطبقه الكنيسة الأرثوذكسية ما هو إلا التزام بتعاليم الأنجيل، ويجب ألا ننسى أن “الرهبنة” نشأت فى مصر، وأن الإنجيل تكلم عن عدم الزواج، وقال “من لم يستطع فليفعل”.
فالأحرى بالمتزوجين المحافظة على حياتهم الزوجية وأطالب من يواجهون المشاكل الزوجية بالتسامى عليها وعلى رغباتهم.
فقداسة البابا لم يضيق على أقباط مصر، ولكنه يطبق تعاليم المسيح، والتي تنص على أنه لا طلاق إلا لعلة الزنا، وبقية المشاكل والعقبات يمكن التغلب عليها للحفاظ على كيان الاسرة وترابطها.
بين النص والعاطفة وهنا يؤكد الأنبا بولا أن البابا السابق كيرلتس السادس لم يسمح أيضا بالتطليق، فهو أول من تصدى بقوة للقوانين المعمول بها فى المحاكم والتي تتعارض تماما مع قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين المنبثقة عن الكتاب المقدس، وقد كون فى عهده لجنة لصياغة مشروع قانون تم تقديمه- فى ذلك الوقت- لوزارة العدل، وكان يرأس هذه اللجنة التى شكلها البابا كيرلس السادس الأنبا شنودة أسقف التعليم حينها.
وهنا يؤكد الأنبا بولا- رئيس المجلس الأكليركى- أنه لو حكمنا العاطفة، لفعلنا ما لا يرضى ضمائرنا، أما إذا طبقنا النص فلن نقع فى الخطأ. ويرى أن الثغرة الموجودة فى التشريع المصرى للأحوال الشخصية هى سبب آلام الأقباط حاليا، فليس كل قبطى يعرف قوانين الأحوال الشخصية المطبقة، وعندما يذهب إلى أحد المحامين يوضح له إمكانية تطليقه عن طريق ثغرة فى قانون الأحوال الشخصية، وهى “تغيير” الملة أو الطائفة، فيدخل ساحة القضاء بحثا عن الطلاق، ويفاجأ بعد ما يحصل على “الطلاق” أن القوانين المعمول بها فى المحاكم غير القوانين المعمول بها فى الكنيسة ويعيش فى معاناة، فقد طلق وليس أمامه فرصة لزواج آخر. ولكن لو علم هذا الشخص من البداية بمجرد دخوله ساحة القضاء أنه لن يأخذ حكمآ “بالتطليق”، هنا سيعيد حساباته ألف مرة، وهنا تكون مساعى الصبح أسهل وأيسر بكثير جدا، فنحن في المجلس الإكليركى لا تقتصر رسالتنا على التصريح بالزواج، وانما نتعامل كقضاء نحكم بنعم أو لا، كما نضطلع برسالتنا بالنسبة للشخص الذى لم يصرح له بالزواج الثانى، وهى السعي لعمل المصالحة.
ولكنى أرى أن الجهد المبذول فى عمل الصلح بعد التطليق فى المحاكم يحتاج لجهد مضاعف عن نظيره المبذول قبل القيام باتخاذ أية إجراءات فى المحاكم من جانب أى من الطرفين. فبعد بذل الوقت والجهد والمال والمشاعر فى ساحة القضاء، واعتقاد المرء أنه بلغ نهاية الطريق، يفاجأ بأن عليه البدء من جديد فى الكنيسة.
المساواة فى الظلم وبسؤال الأنبا بولا عن سبب موافقة البابا شنودة على إستفادة المسيحيات من قانون الخلع تماما كالمسلمات ما دام الأمر في النهاية سيقف على أعتاب الكنيسة ثانية؟ أوضح نيافته أن البابا ينظر إلى هذا الأمر على أنه مساواة فى الظلم، بمعني لماذا يحكم لصالح الرجل بقانون تفتقر المرأة إليه، وعلى الرغم من جهة الموضوع فنحن نرفض هذا وذاك، نرفض الأسانيد التى يحكم بها فى القضاء بتطليق المسيحى والمسيحية، ونرفض الثغرة التى يدخلون منها وهى تغيير الملة لتطبيق الشريعة الاسلامية، سواء على الرجل أو المرأة المسيحية، ولكن نظرة قداسة البابا فى الأمرهى أننا نفتح الباب للرجل على مصراعيه، نمنحه الحرية المطلقة يفعل ما يشاء، وعندما تتساوى المرأة مع الرجل حتى فى هذه النقطة – التى نرفضها كجوهر للموضوع- فإننا نرحب بالمساواة إلى أن يحكم بالقوانين التى تتفق مع شرائعنا ومع الكتاب المقدس، فالقانون الموحد- والمعروض مشروعه حاليا فى وزارة العدل- للأحوال الشخصية للأقباط، والذى وضعت بنوده بعد جلوس جميع القيادات الدينية مع بعضلها لجلسات مطولة ومستفيضة، وهذا القانون له مداخل فيما يخص الأخوة الكاثوليك، وفيما يخص البروتستانت، بحيث تجد كل طائفة فى هذا القانون العام ما يتماشى مع فكرها الخاص، فهذا القانون يغلق ثغرة تغيير الملة، فالعقد شريعة المتعاقدين، وعندما يتزوج رجل وإمراة اتفقا على أن يتزوجا على الشريعة القبطية الأرثوذكسية، فهنا لابد أن يقبلا أن تكون النهاية من نفس مدخل البداية وأن يكون التطليق على الشريعة القبطية الأرثوذكسية.
فمثلا إذا تزوج اثنان- مسلمان كانا أو مسيحيان- وفقا للقانون المصرى للأحوال الشخصية، ثم هاجر الزوج وطلقها فى أمريكا وفقا للقانون الأمريكى، فإن من حق الزوجة المصرية المتمسكة بمصريتها أن ترفض حكيم هذه المحكمة، وتصر على أن تطلق وفقا للقانون المصرى الذى تزوجت به. فقد وضعنا نصوصا تحكم هذه الثغرة الخاصة بتغيير الملة.
وبسؤاله نيافته عن مدى تعارض هذا القانون مع حرية الشخص في اختيار الملة أو الطائفة التى يريد أن ينتمى إليها؟ أوضح الأنبا بولا أنه للأسف الشديد أن الشخص الذى يغير ملته أو طائفته لا يتقابل إطلاقا مع مسئولى هذه الطائفة، ولكنه ينتمى لها فقط لكى يحقق مآربه، ويرى أن هذا “شغل محامين”، وكله على الورق فقط، مشيرا إلى أن ذلك لا يمثل كل الحالات، وانما الغالبية العظمى فيها من خلال استغلال موطف ما لثغرة ما عن طريق المحامين.
التلاعب بالعقائد وفى تلك النقطة من القانون الموحد للأحوال الشخصية للأقباط يرى الدكتور القس صفوت البياضى، أنه لابد من مواجهة من يتلاعب بالعقائد الروحية حتى لا تصبح العقائد وسيلة لتحقيق الغايات والتى أقل ما يقال عنها اتها غيرمسيحية، فنحن لا نلغى حرية الإنسان كامل العقل فيما يتبع من ملل أو طوائف، ولكن إذا كان تغيير الملة أو الطائفة بغرض التحايل والتدليس والحصول على حكم بالطلاق من المحكمة، فلابد من وقفة. ولذلك وافقنا على المشروع الذى اقترحه قداسة البابا شنودة الخاص بعمل مشروع موحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين لإيقاف هذا التلاعب، والذى يطبق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، حيث تظل بنود عقد الزواج الذي تمت على أساسه الزيجات هو السارى المفعول والواجب التطبيق عند التطليق. فهذا المشروع المعروض على وزارة العدل يحقق رغبة جميع رؤساء الطوائف المسيحية فى حل مشكلة الطلاق الذى يحصل عليه المسيحيون والمسيحيات بالتحايل.
ويرى الأنبا بولا أن أى شخص مسيحى أخذ حكما بالتطليق فأمامه احتمالان، الاول وهو فى حالة ارتباطة بكنيسته وعقائدها، فإنه إما أن يأخذ تصريحا بالزواج الثانى إذا كان الطرف البرئ، وإما لا إذا كان غير ذلك.
وفى هذه الحالة فأمامه طريقان، الأول أن يخضح لمحاولات الكنيسة لإعادة الصلح، وما أكثر حالات الصلح التي تمت عن طريق الكنيسة بعد التطليق مدنيا، وذلك عندما لا يجد أطراف المشكلة أمامهم إلا الصلح، والطريق الثانى أن يفكر هذا الشخص فى الزواج من طائفة أخري يرى أن بابها أوسع وطريقها أرحب فى مثل هذه الأمور. ولكن بمجرد انضمام الشخص لطائفة أخرى- ونحن لا نجبر أحدا- ينبغى أن يخضع الإنسان للقوانين لا أن تخضع القوانين للإنسان، فالإنسان ينبغي أن يخضع للوصية لا أن تفسر الوصية تبعآ لرغبات كل إنسان وتبعا لظروف كل جيل.
ولكن واقع الحال يؤكد أن من حصل على حكم تطليق من المحكمة ولم تعترف الكنيسة بهذا الحكم ولم تمنحه تصريحا بالزواج الثانى فإنه إما أن يلجأ إلى تغيير ملته فعلا للزواج بناء على طقوس كنيسة للطائفة الجديدة التى أنضم إليها، هـاما أنه يلجأ إلى الزواج المدنى، حيث يوثق الزوجان عقدهما فى الشهر العقارى، وهو زواج لا تعترف به الكنيسة لأنه تم بدون طقوس كنسية ويلجأ بعضهم إلي زيجات غير رسمية أو ما يسمى بالزواج العرفى. ويرى الراغبون فى الحصول على حكم قضائى بالطلاق أن موافقة وزارة العدل وخروج مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لأقباط مصر لمجلس الشعب يمثل كارثة عليهم، لأن مشروع هذا القانون يسد جميع الطرق فى وجههم ويؤكد استحالة حصول اى معذب أو معذبة مسيحية على حكم قضائى بالتطليق.

هذا المقال منقول عن حنان البيلى من احوال مصريه والعهده على الراوى

الطلاق عند الأقباط المصدر: أحوال مصرية بقلم: حنان البيلى