استشارات قانونيه مصريه , زواج وطلاق الاجانب, تأسيس الشركات في اسرع وقت واقل تكلفه , القضايا التجاريه ,كتابة توثيق عقود زواج عرفي شرعي , قضايا محكمة الاسره , تأسيس الشركات , تقنين اقامات الاجانب , القضاء الاداري , القضاء المدني , قضايا الجنايات والجنح

أحكــــــــام الالتــــــــزام في القانون bdf

أحكــــــــام الالتــــــــزام في القانون bdf

0 103

أحكــــــــام الالتــــــــزام في القانون bdf

 

مؤسسة حورس للمحاماه 01129230200

المبحث الأول التنفيذ العيني

 

أولاً : القاعدة : الأصل أن ينفذ المدين التزامه عيناً .

الأصل في تنفيذ الالتزامات هو التنفيذ العيني. أي وفاء المدين بعين ما التزم به. فالتنفيذ العيني هو حق للدائن فلا يستطيع المدين أن يعدل عنه إذا كان ممكناً وينفذ التزامه بطريق التعويض. كما أنه حق للمدين فليس للدائن أن يرفض التنفيذ العيني ويطالب المدين بالتنفيذ بمقابل (التعويض). إلا أنه وإذا كان التنفيذ العيني هو الأصل. فإن للدائن أن يلجأ إلى التنفيذ بمقابل كطريق احتياطي للتنفيذ. وذلك في الحالات التي لا تتوفر فيها شروط التنفيذ العيني الآتي ذكرها.

 

ثانياً: شروط التنفيذ العيني ( م 203 مدني ) :

                           1 –  أن يكون التنفيذ العيني ممكناً.

                           2 – ألا يكون التنفيذ العيني مرهقاً للمدين .

                          3 – إعذار المدين  .

 

الشرط الأول : أن يكون التنفيذ العيني ممكناً :

 

يجب لإمكان إجبار المدين على التنفيذ العيني للالتزام أن يكون هذا التنفيذ ممكناً. فإذا كان تنفيذ الالتزام مستحيلاً فلا يمكن جبر المدين على القيام به. إذ لا جدوى من المطالبة بالمستحيل. فإذا كانت استحالة التنفيذ ناجمة عن سبب أجنبي عن المدين فإن الالتزام ينقضي ولا يلتزم المدين حتى بالتعويض. أما إذا كانت الاستحالة ناجمة عن فعل المدين وخطئه فإنه يكون مسئولاً عن تعويض الدائن. على أنه يجب أن نلاحظ أن الالتزام بدفع مبلغ نقدي حتى وإن تعذر تنفيذه في حالة إفلاس أو إعسار المدين فإنه لا يعتبر مستحيلاً. ودليل ذلك أنه إذا أعقب الإفلاس يسار يسمح بالتنفيذ في أي وقت. فإن التنفيذ يتم عيناً مع حفظ حق الدائن في المطالبة بالتعويض عن التأخير. ويعتبر من قبيل الاستحالة التي تمنع من تنفيذ الالتزام عيناً تلك الحالات التي يرتبط فيها تنفيذ الالتزام بشخص المدين الممتنع عن التنفيذ. فمثلاً. إذا كان الملتزم طبيباً شهيراً لا يقوم غيره بإجراء نوع معين من العمليات الجراحية أو كان وحده محل ثقة المريض ثم امتنع عن إجرائها. فإن الامتناع يعد من قبيل الاستحالة التي تحرم الدائن من التمسك بالتنفيذ العيني لما في التنفيذ من مساس بشخص المدين وما يؤدي إليه من مصادرة لحرية المدين. لكن يمكن إجبار المدين الممتنع في هذا الفرض بطرق أخرى مثل الغرامة التهديدية. فإن لم يفلح هذا الطريق فليس أمام الدائن سوى الاكتفاء بالتعويض.

 

الشرط الثاني : ألا يكون التنفيذ العيني مرهقاً للمدين :

 

أجاز المشرع للقاضي بناءً على طلب المدين أن يرفض التنفيذ العيني إذا كان مرهقاً للمدين. لكن المشرع ألزم القاضي في هذه الحالة أن يتوثق من أن ذلك لا يسبب ضرر جسيم للدائن.

 

والمقصود بالتنفيذ العيني المرهق تلك الفروض التي يكون فيها تنفيذ الالتزام ممكناً في حد ذاته ولكنه يلحق بالمدين ضرراً جسيماً يتعلق تقدير خطورته بما لقاضي الموضوع من سلطة وقدرة على التحق من الضرر ومدى جسامته في كل حالة على حدة. ونحن نعتقد أن المشرع كان يهدف من وراء هذا المبدأ الالتزام بحسن النية في تنفيذ الالتزامات والمطالبة بها؛ ذلك أن إصرار الدائن على التنفيذ العيني بالرغم من كونه مصدر جسيم للمدين يعتبر تعسفاً في استعمال حقه مما يتعارض مع مبدأ حسن النية الذي يحكم تنفيذ الالتزامات.

 

واستكمالاً لهذا المنطق فإن المشرع اشترط للعدول عن التنفيذ العيني إلى التنفيذ بمقابل ألا يترتب على هذا العدول إلحاق ضرر جسيم بالدائن؛ ذلك أن الدائن لا يمكن أن يوصف بالتعسف في هذا الفرض لأن مصلحته في هذه الحال هي الأولى بالرعاية لأنه يطالب بالأصل في تنفيذ الالتزامات.

 

الشرط الثالث : إعذار المدين :

 

إعذار المدين شرط ضروري لإجبار المدين على تنفيذ التزامه إذا امتنع عن التنفيذ اختياراً. ويعتقد البعض أن الإعذار ليس شرطاً للتنفيذ العيني. ويدلل أصحاب هذا الرأي على صحة ما يقولونه بأن التنفيذ العيني يتم باختيار المدين بالإضافة إلى أن التنفيذ العيني قد يقع بقوة القانون كما هو الحال في نقل الحقوق العينية الواردة على منقولات معينة بالذات. وفي كلتا الحالتين فلا حاجة للإعذار. ونحن نعتقد ـ على خلاف الرأي السابق ـ بصحة شرط الإعذار؛ ذلك أن الإعذار أمر ضروري ومقدمة لازمة قبل اللجوء إلى إجباره على التنفيذ لسببين:

 

فمن ناحية أولى. لا يتصور أن يقضي القاضي بالتنفيذ العيني إلا بعد مطالبة الدائن للمدين بتنفيذ التزامه عيناً. ويعتبر الإعذار شكلاً رسمياً لهذه المطالبة. ومن ناحية ثانية. فإن النص التشريعي واضح في اعتبار الإعذار شرطاً لازماً لإمكان إجبار المدين على التنفيذ العيني.

 

أما عن إجراءات الإعذار فإن المشرع بين هذه الإجراءات ونص في المادة 219 مدني على أن إعذار المدين يكون بإنذاره أو بما يقوم مقام الإنذار. ويجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في قانون المرافعات. كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل ودون حاجة إلى أي إجراء آخر. والإنذار المقصود هنا هو الذي يتم على يد محضر أو الذي يقوم الدائن بتسليمه للمدين مباشرةً مادام أنه تضمن البيانات التي يجب أن يتضمنها الإنذار. أما ما يقوم مقام الإنذار هو أي ورقة رسمية يوجهها الدائن إلى المدين يطالبه فيها بتنفيذ التزامه مثل إعلان السند التنفيذي أو صحيفة التكليف بالحضور. أما الأوراق غير الرسمية فإنها لا تقوم مقام الإعذار.

 

على أن يلاحظ أن القاعدة السابقة المتعلقة بوجوب الإعذار لا تتعلق بالنظام العام. أي يجوز للمتعاقدين الاتفاق على أن يكون الإعذار بأي طريق من الطرق حتى وإن كان ذلك باعتبار المدين معذراً لمجرد حلول أجل الوفاء. كذلك يجوز الاتفاق ـ ومن باب أولى ـ أن يتم الإعذار ولو بورقة غير رسمية أو حتى بالإخطار الشفوي. على أنه يصعب على الدائن في الحالة السابقة إثبات إتمام الإعذار.

 

وإذا كان جائزاً للمتعاقدين الاتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار كما سبق وذكرنا. فإن المشرع نفسه قد أورد أربعة حالات استثنائية لم يتطلب فيها إعذاراً ( م 220 مدني ) وهي :

 

إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين.

 

إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب عن عمل غير مشروع.

 

إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق أو شيء تسلمه دون وجه حق وهو عالم بذلك.

إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه.

 

المبحث الثاني

الغرامة التهديدية

 

أولاً: تعريف الغرامة التهديدية وأصلها القانوني :

الغرامة التهديدية أو التهديد المالي هو وسيلة لجبر المدين على تنفيذ التزامه بعمل إذا كان هذا التنفيذ يستلزم تدخله الشخصي. وذلك عن طريق صدور حكم قضائي بإلزام المدين بالتنفيذ مع حكم آخر تهديدي بإلزامه بمبلغ من النقود يتزايد مع استمرار إصراره على الامتناع عن تنفيذ التزامه ( م 213 مدني ).

 

وهذا النظام نظام مستحدث في القانون المصري وليس له نظير في القانون المدني الفرنسي. وإنما أخذه المشرع المصري مما كان القضاء يسير عليه في مصر وفرنسا.

 

 

ثانياً: شروط الحكم بالغرامة التهديدية : 

                             1 – أن يكون تنفيذ الالتزام ممكناً .

                             2 – أن يكون التنفيذ غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به

                                   المدين بنفسه.                    

                             3 – طبيعة الحكم بالغرامة التهديدية.

                             4 – أثر الحكم بالغرامة التهديدية وفيها حالتين

                                       1/ إذا نفذ المدين التزامه.

                                       2 / إذا  لم ينفذ المدين التزامه.

 

الشرط الأول : أن يكون تنفيذ الالتزام ممكناً :

لأن الغرامة التهديدية تهدف إلى حمل المدين على تنفيذ التزامه فيجب أن يكون هذا التنفيذ ممكناً. فإذا أصبح التنفيذ مستحيلاً فلا جدوى من الحكم بالغرامة التهديدية.

 

الشرط الثاني : أن يكون التنفيذ غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين بنفسه :

مجال الغرامة التهديدية هو مجال التزام المدين بعمل. فيجب أن يكون التنفيذ غير ممكن إلا إذا قام به المدين بنفسه. ومثاله إذا التزم مهندس بالقيام بعمل فني معين لا يتقنه غيره أو لا يمكن الوثوق في إتمامه على النحو الأمثل إلا بقيامه به شخصياً.

 

كما يجوز الحكم بالغرامة التهديدية حينما يكون محل الالتزام هو الامتناع عن عمل. وفي هذا الفرض يمكن الحكم على المدين بمبلغ من المال عن كل مرة يقوم فيها بالعمل الذي التزم بالامتناع عنه.

 

ثالثاً: طبيعة الحكم بالغرامة التهديدية :

الحكم بالغرامة هو حكم تهديدي وقتي ولا يحوز حجية الأمر المقضي به فهو ليس حكماً قطعياً. لذلك لا يراعى في تقدير الغرامة أن تكون متناسبة مع مقدار الضرر لأنها ليست تعويضاً عن عدم التنفيذ. ولكن يغلب أن يكون مقدار الغرامة مبالغاً فيه حتى يتحقق الغرض منه في حمل المدين على الوفاء بالتزامه.

 

وتقدر الغرامة عن كل فترة زمنية يتأخر فيها المدين عن التنفيذ كأسبوع أو شهر. ويجوز للقاضي أن يعدل عن الحكم بالغرامة أو يقلل من مقدارها أو يزيد فيه إذا رأي ضرورة لذلك.

 

وإذا نفذ المدين التزامه فإنه سيطلب من القاضي أن يخفض مقدار الغرامة ولا يحكم عليه إلا بتعويض عن التأخير في تنفيذ التزامه.

 

 

رابعاً: أثر الحكم بالغرامة التهديدية :

بما أن الحكم بالغرامة حكم وقتي. فإن مصيره إلى إعادة النظر فيه ولا يكون واجب النفاذ. كما أن المبلغ المحكوم به لا يعتبر دينا محققا في ذمة المدين وبالتالي فلا يجوز للدائن أن ينفذ به على أموال المدين. بل يجب عليه أن ينتظر حتى يعاد النظر في قيمة الغرامة ويحكم له بالتعويض النهائي.

 

وعلى ذلك فأثر الحكم بالغرامة يجب أن نميز فيه بين حالتين :

الحالة الأولى :

إذا نفذ المدين التزامه. فإنه يعاد في هذه الحال النظر في مقدار الغرامة ويحكم عليه بتعويض عن التأخير في تنفيذ التزامه.

 

الحالة الثانية :

 

إذا استمر المدين في عناده ولم ينفذ التزامه. فإنه لا جدوى من الاستمرار في الحكم بالغرامة عليه لأن تهديده بها أصبح عديم القيمة. وفي هذا الفرض يلتفت القاضي عن قيمة الغرامة عند تقدير التعويض النهائي الذي يطلب الدائن الحكم به عن عدم التنفيذ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثانية

المبحث الأول

التعويض الاتفاقي

 

 

(الشرط الجزائي) :

 

أولاً: التعريف بالشرط الجزائي وخصائصه

تمييز الشرط الجزائي عما يختلط به :

 

التمييز بين الشرط الجزائي والصلح :

 

الصلح : هو اتفاق لاحق على إخلال أي من المتعاقدين بتنفيذ التزامه بغرض حسم النزاع بينهما.

 

الشرط الجزائي : هو اتفاق مسبق على وقوع الضرر بين المتعاقدين بهدف تقدير التعويض المستحق عن وقوع هذا الضرر.

 

التمييز بين الشرط الجزائي والعربون :

 

العربون : هو الذي يقصد به إعطاء الحق لأطراف العقد في العدول عن تنفيذه. فإذا عدل من دفع العربون خسره. وإذا عدل من قبض العربون رد مثله إلى المتعاقد الآخر.

 

وأحكام العربون تطبق سواء لحق الطرف الأخر ضرر من العدول عن تنفيذ العقد أم لم يلحقه ضرر.

 

الشرط الجزائي : هو تعويض اتفاقي فلا يستحق إلا بإثبات خطأ المدين والضرر الذي أصاب الدائن وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر.

 

خصائص الشرط الجزائي :

 

 1  / الشرط الجزائي اتفاق مسبق على تقدير التعويض. لذلك يجب أن تتوفر فيه أركان وجود الاتفاق وهي الرضاء الصحيح والمحل والسبب.

 

 2 /  وبما أن الشرط الجزائي هو اتفاق أيضاً فإنه يجب أن تتوفر في المتعاقدين الأهلية اللازمة وقت إبرام الاتفاق أو العقد.

 

 3 /  الشرط الجزائي هو التزام تابع لالتزام أصلي وليس التزاماً مستقلاً. لذلك يجب أن يدور وجوداً وعدماً مع الالتزام الأصلي التابع له. فإن بطل الالتزام الأصلي لأي سبب من الأسباب يبطل الشرط الجزائي معه.

 

 4 /  الشرط الجزائي التزام احتياطي. وبالتالي فلا يمكن اللجوء إليه إلا إذا كان تنفيذ الالتزام العيني للالتزام الأصلي مستحيلاً. إما إذا كان التنفيذ العيني للالتزام ممكناً فلا يمكن اللجوء إلى الشرط الجزائي لأن الأصل هو التنفيذ العيني للالتزام.

 

 5 /  وأخيراً فإن الشرط الجزائي هو أحد طرق تقدير التعويض. وبالتالي ينطبق عليه ذات الأحكام التي تنطبق على التعويض. فلا يستطيع الدائن المطالبة بالتعويض المتفق عليه إلا إذا توافرت أركان المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مع ضرورة إعذار المدين قبل المطالبة به قضاءً.

ملاحظة هامة : ميزة الشرط الجزائي بالنسبة للمضرور :

 

يعطي وجود الشرط الجزائي في العقد للمضرور ميزة هامة. وهي رفع عبء إثبات حدوث الضرر من على عاتقه. حيث يفترض إن إخلال المدين في تنفيذ التزامه قد ألحق الدائن ضرر. وفي هذه الحالة ينتقل عبء الإثبات إلى المدين إذا شاء أن يتخلص من قيمة التعويض فعليه أن يثبت عدم حدوث ضرر للدائن من جراء إخلاله بتنفيذ التزامه.

 

ثانياً : سلطة القاضي إزاء الشرط الجزائي

لما كان الشرط الجزائي اتفاق على تقدير قيمة التعويض المستحق عند حدوث الضرر. ولما كان الأصل في الاتفاق هو سيادة مبدأ سلطان الإرادة. فإن المنطق كان يقتضي عدم تمكين القاضي من تعديل قيمة التعويض المتفق عليه بين المتعاقدين.

 

غير أن مبدأ سلطان الإرادة يتعارض في حالة الشرط الجزائي مع الأحكام العامة في التعويض؛ ذلك أن التعويض لا يستحق إلا في حالة حدوث ضرر للدائن نتيجة إخلال المدين بالتزامه. كما أن الهدف من التعويض هو جبر الضرر. والأصل أنه لا يجوز تقدير التعويض بما يقل عن قيمة الضرر أو بما يزيد عليه.

 

لذلك كله تدخل المشرع بنص المادة 224 من القانون المدني وأعطى للقاضي سلطة إنقاص مقدار التعويض في حال ما إذا وجده مغالى فيه وغير متناسب مع ما أصاب الدائن من ضرر. كما أن للقاضي سلطة زيادة مقدار التعويض في حالة ما إذا كان المدين قد ارتكب غشاً أو خطئاً جسيماً.

 

وبالإضافة إلى الحالة التي يمكن للقاضي فيها استخدام سلطته في إنقاص قيمة الشرط الجزائي المتفق عليه. فإن المشرع نص على حالتين يجوز للقاضي فيهما استعمال سلطته في إنقاص قيمة التعويض المتفق عليه وهما:

 

حالة ما إذا أثبت المدين أن الالتزام قد نفذ في جزء منه.

 

حالة ما إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض كان مبالغاً فيه لدرجة كبيرة.

 

وأخيراً. يجب أن نلاحظ أن المشرع وإن أعطى للقاضي سلطة التدخل بزيادة أو إنقاص قيمة الشرط الجزائي كما سبق وأن بينا. إلا أنه قيّد سلطته هذه بشرط وجود طلب من أحد المتعاقدين بزيادة أو إنقاص قيمة الشرط الجزائي. فلا يستطيع القاضي أن يقضي من تلقاء نفسه بالزيادة أو الإنقاص.

 

كما يجب أن نلاحظ أيضاً أن للقاضي سلطة جعل مبلغ التعويض متناسباً مع مقدار الضرر وليس مساوياً له. سواءً عن طريق زيادة قيمة التعويض المتفق عليه أم بإنقاصه. كما أن هذه السلطة متعلقة بالنظام العام. فلا يجوز للمتعاقدين الاتفاق على استبعاد سلطة القاضي في التدخل بتعديل قيمة الشرط الجزائي. وإن اتفق على خلاف ذلك يعد اتفاق المتعاقدين باطلاً بطلاناً مطلقاً.

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

التعويض القانوني

(الفوائد التأخيرية)

 

 

أولاً: تعريف التعويض القانوني وأنواعه

تعريف التعويض القانوني :

 

هو التعويض المستحق عن تأخر المدين في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود.

 

أنواع الفوائد التأخيرية :

 

 1 – فوائد اتفاقية : وهي التي يتفق المتعاقدان عليها سلفاً.

 

 2 –  فوائد قانونية : وهي التي يحددها القانون إذا لم يتفق المتعاقدان على مقدارها.

 

 

ثانياً: شروط استحقاق الفوائد التأخيرية

حددت المادة 226 مدني شروط استحقاق الفوائد التأخيرية بنوعيها في شرطين أساسين هما:

 

الشرط الأول : أن يكون محل الالتزام مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت المطالبة

فلا تستحق الفوائد إذا كان ما يطالب به الدائن غير معلوم المقدار مثل المطالبة بتعويض عن ضرر ناجم عن عمل غير مشروع مادام أن للمحكمة سلطة واسعة في تقدير هذا الضرر.

 

الشرط الثاني : المطالبة القضائية بالفوائد التأخيرية.

يجب أن يطلب الدائن الفوائد بالإضافة إلى أصل الدين. فإن لم يطلب الفوائد وطلب أصل الدين فقط فلا يجوز للقاضي أن يحكم له بالفوائد من تلقاء نفسه. وعلى ذلك فلا تستحق الفوائد التأخيرية إلا من وقت المطالبة القضائية بها. وعلة هذه القاعدة هي توجه المشرع إلى تقييد الربا.

 

غير أن هذه القاعدة السابقة لا تتعلق بالنظام العام. أي يجوز أن يتحدد تاريخ أخر لسريان الفوائد التأخيرية يحدده الاتفاق بين المتعاقدين أو يحدده العرف التجاري (م 226 مدني)

 

ولا يشترط القانون لاستحقاق فوائد التأخير أن يثبت الدائن ضرر لحقه من جراء هذا التأخير. فالضرر هنا مفترض افتراض لا يقبل إثبات العكس. وذلك استثناء من المبادئ العامة في التعويض التي تقضي بوجوب إثبات الدائن للضرر الذي لحقه ويطالب بالتعويض عنه. وعلة هذا الاستثناء هي أن تأخر المدين في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود يفترض دائماً أنه قد لحق الدائن ضرر من جرائه وذلك لأن النقود بطبيعتها قابلة للاستثمار عن طريق إقراضها أو توظيفها. وتأخر المدين في الوفاء بالنقود يحرم الدائن من هذه الميزة.

 

ثالثاً: سعر الفائدة

 

(أ) سعر الفائدة القانونية:

 

حددت المادة 226 مدني سعر الفائدة القانونية بأربعة في المائة في المواد المدنية وخمسة في المائة في المواد التجارية. وهذه الفائدة تحتسب في حال ما إذا سكت المتعاقدان عن الاتفاق على تحديد سعر للفائدة.

 

والعبرة في هذه التفرقة بين المسائل المدنية والتجارية هي بصفة المدين. فإذا كان المدين غير تاجر فإن الفوائد تحتسب على أساس 4٪. وإن كان المدين تاجراً فإن الفوائد تحتسب على أساس 5٪.

 

وبهذا التحديد الجزافي يكون المشرع قد خرج على المبادئ العامة في التعويض التي تقضي بوجوب أن يكون التعويض مساوياً للضرر.

(ب) سعر الفائدة الاتفاقية:

 

اشترطت المادة 227 مدني ألا تزيد سعر الفائدة الاتفاقية على 7٪ سواءً كان في المسائل المدنية أو المسائل التجارية. فإذا اتفقا المتعاقدان على فوائد تزيد على هذا السعر. وجب تخفيضها إلى 7٪ وتعين رد ما دفع زائداً على هذا السعر.

 

كما حرم المشرع على الدائن تقاضي فوائد مستترة تزيد على هذا السعر تحت أي مسمى أخر. فلا يجوز له الحصول على أي عمولة أو منفعة أيا كان نوعها إذا زادت هي والفائدة الاتفاقية على الحد الأقصى المتقدم ذكره.

 

والهدف من تحديد سعر الفائدة بهذا السعر الجزافي بالطبع هو محاربة المشرع للربا الفاحش. ولهذا الهدف أيضاً قيد المشرع الفائدة الاتفاقية بقيدين إضافيين هما:

 

القيد الأول: تحريم الفوائد المركبة فلا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد.

 

القيد الثاني: عدم جواز زيادة مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن على رأس المال.

 

مع أنه يجوز في المعاملات التجارية تقاضي فوائد على متجمد الفوائد استثناءً من أصل المعاملات المدنية.

 

رابعاً: تخطي حدود الفوائد

أجاز المشرع تقاضي فوائد تزيد أو تقل عن حدود الفائدة المقررة قانوناً في حالتين:

 

الحالة الأولى: التعويض التكميلي في حالة سوء نية المدين

أجاز المشرع للدائن أن يطالب بتعويض تكميلي يضاف إلى الفوائد إذا أثبت أن الضرر الذي يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بسوء نية (م 231 مدني).

 

وعلة هذا الاستثناء أن حرمان الدائن من المطالبة بالتعويض التكميلي في هذه الحالة هو إعفاء جزئي من المسئولية وهو لا يجوز قانوناً (م 217 مدني).

 

الحالة الثانية: تخفيض الفائدة أو إسقاطها في حالة سوء نية الدائن

كذلك يجوز للقاضي أن يخفض قيمة الفائدة أو يسقطها عن المدين في حالة ما إذا تسبب الدائن بسوء نية وهو يطالب بحقه في إطالة أمد النزاع (م 229 مدني).

 

ويقوم هذا الاستثناء على فكرة الخطأ المشترك. حيث قد اشترك الدائن مع المدين في إحداث الضرر أو زاد فيه بإطالة أمد النزاع أمام المحكمة (م 216 مدني).

 

الحالة الثالثة: العرف التجاري في حالة الحساب الجاري

لا تنطبق القواعد السابقة في تحديد سعر الفائدة على الحساب الجاري حيث ينطبق عليه ما يقضي به العرف التجاري.

 

فلا يشترط إذن في الحساب الجاري أن يطالب الدائن به قضائياً. كما لا يتقيد سعر الفائدة فيه بالسعر القانوني إذا لم يحدده الاتفاق بين الطرفين. كذلك فلا ينطبق عليه قاعدة عدم جواز تقاضي على متجمد الفوائد كما سبق وأن ذكرنا.

 

المحاضـــــــرة الثالثـــــــــــــة

وسائل المحافظة على الضمان العام

تمهـــــــــــيد:

 

للدائن على جميع أموال مدينه ضمان عام وفقاً لنص المادة 233 مدني. وهذه القاعدة تعني:

(1) أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه.

(2) جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان إلا ما كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون.

 

وعلى ذلك فإذا تصرف المدين في أمواله سواءً كانت عقارات أو منقولات فإنه سوف يؤثر بالطبع في ذمته المالية ويخرج من ثم المال المتصرف فيه من الضمان العام. كذلك فإنه إذا ما أعسر المدين نتيجة لزيادة ديونه على أمواله فإن الدائن صاحب الضمان العام سوف يتعرض لمخاطر هذا الإعسار كاقتسام الأموال المتبقية في ذمة مدينه بينه وبين غيره من الدائنين قسمة الغرماء أي كل بنسبة حصته.

 

لذلك فإن المشرع قرر حماية الدائن بتقرير بعض الإجراءات التحفظية التي يستطيع من خلالها المحافظة على أموال الضمان العام. ومن بين هذه الوسائل الدعوى غير المباشرة . ودعوى عدم نفاذ التصرف (الدعوى البولصية). ودعوى الصورية. والحق في الحبس. وشهر إعسار المدين.

 

المبحث الأول

الدعوى غير المباشرة

 

أولاً: تعريف الدعوى غير المباشرة وصورها :

هي وسيلة يستخدم فيها الدائن سلطة مدينه في المطالبة بحقوقه ضد مدين المدين. وذلك باسم مدينه ونيابة عنه.

 

وتختلف صورة هذه الدعوى باختلاف الوسائل أو الأهداف التي يستطيع الدائن اتخاذها أو تحقيقها من وراء هذه الدعوى. فقد يكون الهدف من الدعوى قطع تقادم يسري في حق مدينه. أو قد يكون الهدف منها تسجيل عقد قام المدين بموجبه بشراء عقار. أو بإعلان خصوم المدين بالحكم الذي صدر لمصلحة مدينه. أو بقيد رهن تم لمصلحة المدين … إلخ.

 

ثانياً: تمييز الدعوى غير المباشرة عن الدعوى المباشرة :

الدعوى المباشرة: هي وسيلة أكثر فعالية من الدعوى غير المباشرة. حيث لا يستعمل الدائن حقوق المدين باسمه ونيابة عنه كما هو الحال في الدعوى غير المباشرة. وإنما يباشر الدائن هذه الدعوى ويطالب بحقوق مدينه من مدين مدينه باسمه الشخصي. وعندما يفي مدين المدين بما عليه فإن الدائن رافع الدعوى المباشرة يستفيد من هذا الوفاء وحده دون مزاحمة باقي الدائنين له في هذا الوفاء.

 

وعلى هذا فإن الدعوى المباشرة تعد من قبيل الضمان الخاص الذي يتيحه المشرع لصاحب الحق. لذلك فهي لا تتقرر لأي دائن إلا بنص قانوني خاص.

 

ومن هذه النصوص الخاصة التي تقرر الدعوى المباشرة للدائن. النص الذي يتيح للمؤجر الأصلي مطالبة المستأجر من الباطن بما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلي (م 569 مدني).

 

ونص المادة 662 مدني الذي يعطي المقاول من الباطن والعمال الذين يشتغلون لحسابه الحق في مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذي يكون مديناً به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى.

 

كذلك يعطي نص المادة 708 مدني الحق لنائب الوكيل في المطالبة بحقوقه قبل الموكل مباشرة. كما يجوز للأخير أن يطالب نائب الوكيل بتنفيذ العمل الموكل به مباشرة.

 

ثالثاُ: شروط الدعوى غير المباشرة

نظراً لأن الدعوى غير المباشرة تمثل تدخلاً في شئون المدين. فإن المشرع قد وضع لها شروطاً تقيد الدائن في استخدامها بنص المادة 235 مدني.

 

الشروط التي ترجع إلى الدائن :

أن يكون حق الدائن موجوداً ( أي محققاً ) ومؤكداً:

 

فإن كان حق الدائن احتمالي. كحق الوارث في تركة مورثه قبل وفاته. فلا يمكن للدائن أن يستعمل الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه.

 

أما إذا كان الحق معلق على شرط فاسخ فإن ذلك لا يتعارض مع تحقق وجود حق الدائن. لأن الحق المعلق على شرط فاسخ هو حق موجود بالفعل وإن تهدد بالزوال في المستقبل في حالة تحقق الشرط الفاسخ.

 

أما إذا كان الحق معلقاً على شرط واقف. فإن الدائن لا يستطيع أن يستعمل الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه في هذه الحالة. وذلك لأن الحق المعلق على شرط واقف غير موجود بالفعل. وإنما وجود الحق معلق على تحقق الشرط الواقف.

 

لكن لا يشترط من ناحية أخرى أن يكون حق الدائن مستحق الأداء. فالدائن صاحب الحق المضاف إلى أجل واقف يستطيع أن يستعمل الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه.

 

كذلك لا يشترط حصول الدائن على إذن مسبق من القضاء لرفع الدعوى غير المباشرة نيابةً عن مدينه. كما يمكن للدائن صاحب التأمين العيني أن يرفع الدعوى غير المباشرة مثله في ذلك مثل الدائن العادي. لأن الدائن صاحب التأمين العيني هو في ذات الوقت دائن عادي يتمتع بالضمان العام على أموال مدينه.

 

الشروط التي ترجع إلى المدين :

 

1- تقصير المدين في استعمال حقه بنفسه :

لا يجوز للدائن أن يرفع الدعوى غير المباشرة باسم مدينه ونيابة عنه إلا إذا كان هذا المدين مهملاً أو مقصراً في المطالبة بحقوقه أو المحافظة عليها.

 

وعلى ذلك. إذا رفع الدائن الدعوى غير المباشرة نيابة عن مدينه لإهماله في المطالبة بحقوقه ثم نشط هذا المدين وأراد أن يقوم بنفسه بمباشرة الدعوى. فإن على الدائن الامتناع عن مباشرة السير في الدعوى. وكل ما له من حق في هذه الحالة هو أن يتدخل في الدعوى بوصفه خصماً ثالثاً حتى يراقب المدين في المطالبة بحقوقه ويحترز لأي تواطؤ يمكن أن يقع بين المدين ومدين المدين ( المدعى عليه في الدعوى ).

2- أن يؤدي تقصير المدين إلى إعساره أو الزيادة في إعساره :

فإذا كان تقصير المدين في المطالبة بحقوقه بنفسه لا يترتب عليه أي تهديد بالضمان العام للدائن. فلا يتسبب عنه إعسار المدين أو زيادة إعساره. فلا يوجد مصلحة للدائن في رفع الدعوى غير المباشرة في هذه الحال.

 

ويقصد بالإعسار في هذه الحالة الإعسار الفعلي. وهو الإعسار الذي يتحقق عندما تزيد ديون المدين الحال منها والآجل على حقوقه أو أمواله. وليس المشترط في هذه الحال هو الإعسار القانوني الذي يترتب عنه أن تزيد ديون المدين الحالة فقط على أمواله. فهذا الإعسار يتطلب حكماً من القضاء يقضي بشهر إعسار المدين.

 

ويلاحظ أن عبء إثبات إعسار المدين إعساراً فعلياً يقع على الدائن. ويكفيه في هذا الشأن أن يثبت مقدار ما في ذمة المدين من ديون. في حين يقع على المدين ـ إذا ما أراد أن يمنع رفع الدعوى غير المباشرة نيابة عنه ـ أن يثبت أن في ذمته من الأموال ما يكفي لسداد ديونه.

3- إدخال المدين خصماً في الدعوى :

يجب على الدائن أن يقوم بإدخال المدين خصماً في الدعوى التي يرفعها نيابة عنه. فإذا لم يقم الدائن بإدخال مدينه خصماً في الدعوى كان للمدعى عليه أن يدفع بعدم قبول الدعوى.

 

ويترتب على دخول المدين خصماً في الدعوى إتاحة الفرصة له لتنحية الدائن ومباشرة الدعوى بنفسه. كما أن من شأن هذا الإدخال أن يجعل من الأحكام الصادرة في الدعوى حجة عليه.

 

هذا ولا يشترط أن يقوم الدائن بإدخال غيره من الدائنين معه في الدعوى. لكن يحق لأي من الدائنين أن ينضم إلى الدعوى لمراقبة سيرها أو لمساعدة الدائن رافع الدعوى في مواجهة الغير.

 

الشروط التي ترجع إلى الحق الذي يستعمله الدائن باسم مدينه :

يستطيع الدائن كقاعدة عامة أن يستعمل جميع حقوق مدينه نيابةً عنه باستثناء ما كان منها متصلاً بشخصه أو إذا ما كانت الحقوق غير قابلة للحجز عليها (م 235 مدني).

4- الحقوق غير القابلة للحجز عليها :

يقصد بهذه الحقوق تلك الحقوق التي تخرج من الضمان العام للدائنين ولا تعد عنصراً من عناصره. ومن هذه الحقوق على سبيل المثال: حق النفقة وحق السكنى وحق الاستعمال.

 

وعلة هذا الاستثناء تتمثل في أن الحقوق التي لا يجوز الحجز عليها لا يستطيع الدائنون بيعها واستيفاء حقوقهم من ثمن بيعها. لذلك تنعدم مصلحتهم في المطالبة بها نيابة عن مدينهم.

5- الحقوق المتصلة بشخص المدين :

يقصد بهذه الحقوق تلك الحقوق التي تتصل باعتبارات شخصية يقدرها المدين وحده. ومن أمثلة هذه الحقوق حق المدين في قبول الهبة. وحقه في الرجوع عن قبولها. وحقه في تطليق زوجته.

 

وعلة هذا الاستثناء هي المحافظة على كرامة المدين وتقييد تدخل الدائنين في حريته في إدارة شئونه الشخصية.

 

رابعاً: آثار الدعوى غير المباشرة

آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة للمدين

يتضح من النصوص القانونية المنظمة لهذه الدعوى أن الدائن ينوب عن مدينه نيابة قانونية في استعمال حقوقه.

 

وعلى ذلك فإن التصالح في الحق المطالب به بالدعوى غير المباشرة ينعقد للمدين وحده ولا يجوز للدائن أن يتصالح فيه. كما يجوز للمدين أن يتصرف في الحق محل المطالبة ببيعه أو بمقايضته أو بأي نوع من التصرفات القانونية أو المادية. وليس للدائن إذا ما تصرف المدين في أمواله على هذا النحو إلا أن يطعن في تصرفه بالدعوى البولصية.

 

 

آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة للخصم :

 

لما كان الدائن رافع الدعوى غير المباشرة نائباً نيابة قانونية عن مدينه. لذلك فإن آثار هذه الدعوى تنصرف في العلاقة بين المدين الذي ترفع الدعوى باسمه وبين الخصم المدعى عليه في الدعوى غير المباشرة.

 

وعلى ذلك فإن الخصم يستطيع أن يدفع في مواجهة الدائن بكل الدفوع التي يحق له أن يدفع بها في مواجهة المدين. فيستطيع الخصم مثلاً أن يدفع في مواجهة الدائن بالتقادم والمقاصة وبطلان التصرف لأي سبب من أسباب البطلان كالإكراه أو الغلط أو الغش ونحو ذلك.

 

كما أنه ـ ومن ناحية ثانية ـ ليس للدائن رافع الدعوى غير المباشرة أن يتمتع بحقوق أكثر من حقوق مدينه. فليس له مثلاً أن يسلك طريق من طرق الإثبات لا يستطيع المدين أن يسلكه. كما أنه إذا تصالح المدين مع الخصم بنيه إنهاء النزاع القائم بينهما فإن للخصم أن يتمسك بهذا الصلح في مواجهة الدائن رافع الدعوى غير المباشرة.

 

لكن يلاحظ أن الخصم لا يستطيع أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع الخاصة بينه وبين هذا الدائن. فلا يستطيع مثلاً أن يتمسك بالمقاصة بين دين له في ذمة الدائن رافع الدعوى غير المباشرة وبين ما في ذمته للمدين.

 

آثار الدعوى غير المباشرة بالنسبة للدائن وغيره من الدائنين

يحق للدائن رافع الدعوى غير المباشرة المطالبة بكل ما للمدين من حقوق اتجاه مدين المدين. كما أن له أن يدفع أثناء نظر الدعوى بكافة الدفوع التي كان باستطاعة المدين أن يدفع بها.

 

لكن حصيلة الدعوى لا تعود في النهاية إلى ذمة الدائن رافع الدعوى غير المباشرة وإنما تعود إلى ذمة المدين لتدخل في الضمان العام لجميع الدائنين. فرافع الدعوى لا يكون له أية أفضلية على غيره من الدائنين.

 

المبحث الثاني

دعوى عدم نفاذ التصرف

(الدعوى البولصية)

 

 

أولاً: تعريف دعوى عدم نفاذ التصرف والهدف منها

هي إحدى الوسائل التي وضعها المشرع تحت تصرف الدائنين بقصد حمايتهم من التصرفات التي يبرمها المدين بسوء نية إضراراً بهم.

 

وهذه الدعوى لا تهدف في الحقيقة إلى إبطال تصرفات المدين. ولكن الهدف منها عدم الاحتجاج بالتصرف الصادر من المدين على الدائن رافع الدعوى.

 

ثانياُ: شروط دعوى عدم نفاذ التصرف

الشروط التي ترجع إلى الدائن

 

1- أن يكون حق الدائن محقق الوجود ( موجود ) وخالياً من النزاع

فالدائن صاحب المصلحة الحقيقية في رفع هذه الدعوى هو الذي تأكد حقه. أما الدائن صاحب الحق الاحتمالي ( المعلق على شرط واقف مثلاً ) فلا يحق له رفع هذه الدعوى.

2- أن يكون حق الدائن مستحق الأداء وسابقاً في نشوئه على التصرف المطعون فيه

إذا كان التصرف الصادر من المدين إلى الغير من قبيل المعاوضات ( أي تصرف بمقابل كالبيع مثلاً ) فإن المشرع تتطلب في هذه الحالة أن يكون حق الدائن الذي يجوز له رفع هذه الدعوى مستحق الأداء وقت قيام المدين بإبرام التصرف. والحكمة التي تتطلب المشرع هذا الشرط من أجلها هي أن مصلحة المتصرف إليه. إذا كان التصرف معاوضةً. تتساوى مع مصطلحة الدائنين السابقين للمتصرف. فلا يحق لأي دائن أن يطعن على هذا التصرف إلا إذا كان حقه مستحق الأداء وقت إبرام المدين لهذا التصرف.

 

أما إذا كان التصرف الصادر من المدين إلى الغير من قبيل التبرعات ( كالهبة مثلاً ). فإن المشرع أعطى الحق لجميع الدائنين أصحاب الحقوق الموجودة وقت إبرام التصرف بالطعن على هذا التصرف بعدم النفاذ في مواجهتهم.

 

وعلة هذه التفرقة بين ما إذا كان تصرف المدين بمقابل ( معاوضة ) وتصرفه تبرعاً أن تصرف المدين المعسر إذا كان تبرعاً يفترض فيه أنه وقع إضراراً بالدائنين. فالتبرع يعني خروج أموال من ذمة المدين بدون مقابل. وهذا في حد ذاته يعد مفسدة. ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع. لذلك قد أعطى المشرع أي دائن الحق في الطعن على هذا التصرف بعدم النفاذ حتى ولو لم يكن حقه مستحق الأداء. فحق الدائنين يعد أجدر بالرعاية في هذه الحالة من مصلحة المتبرع إليه. وذلك كله بعكس ما إذا كان التصرف بمقابل. ذلك أن التصرف بمقابل لا يجوز فيه افتراض سوء نية المدين إضراراً بالدائنين. فقد يكون تصرف المدين بمقابل تم بهدف سداد ديونه مثلاً.

 

كذلك يجب أن يكون حق الدائن سابقاً في نشوئه على التصرف المطعون فيه. فإذا نشأ حق الدائن بعد إبرام المدين للتصرف سواءً كان معاوضةً أو تبرعاً. فلا يحق للدائن أن يطعن على هذا التصرف السابق على نشوء حقه بالدعوى البولصية لأن حقه وقت إبرام التصرف لم يكن له وجود.

 

الشروط التي ترجع إلى المدين

 

3- الإعسار

يشترط المشرع لممارسة دعوى عدم نفاذ التصرف أن يكون تصرف المدين مؤدياً إلى إعساره. أي إلى زيادة ديونه على أمواله. وأن يبقى الإعسار حتى وقت رفع الدعوى.

 

والمقصود بالإعسار هنا هو الإعسار الفعلي. حيث يؤدي التصرف الذي أبرمه المدين إلى زيادة ديونه ـ الحال منها والآجل ـ على حقوقه أو أمواله. وهو ذات الإعسار المتطلب في الدعوى غير المباشرة.

 

والإعسار متصور حتى في الفرض الذي يتصرف فيه المدين معاوضةً. ذلك أنه قد يبيع أمواله بثمن بخس. أو قد يبيع في وقت تتسم فيه الأثمان بالاتجاه إلى الانخفاض. كذلك قد يشتري المدين شيئاً بثمن مغالى فيه أو في وقت تتسم فيه الأثمان بالاتجاه إلى الارتفاع.

 

ويقع عبء إثبات إعسار المدين على الدائن رافع الدعوى. على أنه يكفي هذا الأخير أن يثبت ما في ذمة المدين من ديون. فينتقل عبء الإثبات إلى المدين ليثبت أن له من الأموال ما يكفي لسداد ديونه أو ما يزيد عليها.

4- الغش أو التواطؤ

يجب أن يكون تصرف المدين منطوياً على غش أو تواطؤ. وأن يتصل هذا الغش بعلم المتصرف إليه حتى يمكن الطعن على التصرف بعدم النفاذ.

 

ولكن يجب أن نفرق هنا بين حالتين:

 

الحالة الأولى : إذا كان تصرف المدين بعوض كالبيع مثلاً

فيشترط لإمكان الطعن على هذا التصرف أن يكون منطوياً على غش من المدين وأن يكون من صدر له التصرف على علم به.

 

ويقصد بالغش أن يكون المدين قاصداً من وراء التصرف الإضرار بالدائن.

 

ونظراً لأن إثبات الغش أمر صعب على الدائن رافع الدعوى. فإن المشرع قد يسر له هذا الإثبات فقرر أن الدائن عليه فقط لإثبات الغش أن يثبت أن المدين قد تصرف وهو معسر. ويعتبر من صدر له التصرف عالماً بهذا الغش إذا أثبت الدائن أن المتصرف إليه كان يعلم بإعسار المدين وقت التصرف.

 

وعلى ذلك فإن المتصرف إليه يمكن له التخلص من الطعن على التصرف بعدم النفاذ إذا أثبت أنه كان حسن النية ولا يعلم بإعسار المدين وقت التصرف.

 

ومع ذلك يستطيع المتصرف إليه أن يثبت حسن نيته حتى ولو قام الدائن بإثبات علمه بإعسار المدين. وذلك حين يثبت أنه بالرغم من علمه بإعسار المدين. فإنه كان يجهل أن التصرف قد تم إضراراً بالدائن.

 

الحالة الثانية: إذا كان تصرف المدين تبرعاً كالهبة مثلاً

فإن هذا التصرف لا ينفذ في حق الدائن حتى ولو كان المتصرف إليه حسن النية. وحتى ولو لم يثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشاً. وعلة ذلك هو كما سبق وأن ذكرنا أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع. فالمتصرف إليه تبرعاً ينتظر الحصول على منفعة بحتة دون مقابل. أما الدائن فإن التصرف قد أصابه ضرر لأنه بدون مقابل. فمصلحة الأخير تقدم على مصلحة المتبرع إليه لدرء المفسدة عنه.

 

الشروط التي ترجع إلى التصرف المطعون فيه :

صدور تصرف قانوني من المدين

فإن ما يصدر من المدين من أعمال مادية ولو كانت أعمال ضارة ( كحوادث السيارات التي يتسبب فيها المدين ) لا يمكن الاحتجاج بعدم نفاذها في مواجهة الدائنين وإن ترتب عليها تحميل المدين بالتزامات. وذلك لأن القول بعدم الاحتجاج بهذه الأعمال في مواجهة الدائنين معناه عدم حصول المضرور على التعويض عما أصابه من حوادث وهو ما لا يجوز.

أن يكون تصرف المدين ضاراً بالدائنين

ويعد التصرف القانوني الصادر من المدين ضاراً بالدائنين إذا كان تصرفاً مفقراً للمدين. وهو لا يكون كذلك إلا إذا أدى إلى الانتقاص من حقوق المدين ( كإخراج مال من ذمته تبرعاً أو بمقابل بثمن بخس ). أو أدى إلى زيادة التزاماته (كأن اقترض المدين بعقد قرض بفوائد).

 

أما إذا كان التصرف لا ينقص من حقوق المدين أو يزيد من التزاماته ( كعدم قبول المدين الهبة مثلاً ) فلا يجوز للدائنين الاحتجاج على هذا التصرف بعدم النفاذ. لأن قبول الهبة من عدمه يقوم على اعتبارات شخصية وأدبية لا يستطيع تقديرها إلا المدين.

 

أن يكون تصرف المدين تالياً في النشوء حق الدائن

فلا يتصور بالطبع أن يصيب الدائن ضرراً من جراء تصرف المدين إذا كان تصرف المدين قد تم قبل نشوء حق الدائن.

 

ومع ذلك فإنه إذا أبرم المدين تصرفاً يريد به الإضرار بدائن مستقبل. فإن أي دائن يستطيع أن يحتج على هذا التصرف بالدعوى البولصية. ومن أمثلة هذه الحالة أن يبيع المدين عقاراته كلها قبل أن يبرم عقد القرض. ففي هذه الحالة فإن الغش يؤدي إلى استبعاد هذا الشرط.

 

ويقع على الدائن عبء إثبات أن تاريخ التصرف المطعون عليه لاحق على حقه.

 

ثالثاً: آثار دعوى عدم نفاذ التصرف

يجب أن نلاحظ أولاً أن هذه الدعوى لا تهدف إلى إبطال تصرفات المدين. ذلك أن البطلان هو وصف يلحق التصرفات القانونية التي لم تستكمل الأركان والشروط التي يتطلبها القانون فيها عند نشوئها. لكن هذه الدعوى تهدف إلى حماية الدائنين من التصرفات الصحيحة التي يبرمها المدين ويترتب عليها إضراراً بهم.

 

آثار الدعوى بالنسبة للدائنين :

متى تقرر عدم نفاذ التصرف يستفيد منه جميع الدائنين الذين صدر التصرف إضراراً بهم. وعلى ذلك فإن الدائن رافع الدعوى وغيره من الدائنين لا يمكن الاحتجاج بالتصرف في مواجهتهم. فيستطيع أي دائن منهم اتخاذ كافة إجراءات التنفيذ على المال محل التصرف كما لو كان باقياً في ذمة المدين.

 

آثار الدعوى على العلاقة بين المتصرف والمتصرف إليه :

إن دعوى عدم نفاذ التصرف لا تمس وجود التصرف المبرم بين المدين ( المتصرف ) والمتصرف إليه. فإن هذا التصرف يبقى صحيحاً منتجاً لجميع آثاره.

 

وعلى ذلك فإن للمتصرف إليه أن يرجع على المدين المتصرف بكل الدفوع التي تنشأ من التصرف. فله أن يطالبه بضمان الاستحقاق أو التنفيذ بمقابل. أو بالفسخ والتعويض.

 

 

المحاضــــــــرة الرابعــــــة

أوصاف الالتزام التي ترد على عنصر الرابطة القانونية

 

المبحث الأول

الشـــــرط

 

أولاً: تعريف الشرط وأنواعه

هو أمر عارض أو خارجي مستقبل غير محقق الوقوع يترتب على تحققه وجود الالتزام أو زواله.

 

وعلى ذلك فهناك نوعان للشرط:

 

النوع الأول : الشرط الواقف

وهو الذي يترتب على تحققه وجود الالتزام. ومن أمثلته أن شركة التأمين لا تلتزم بدفع مبلغ التأمين المحدد في الوثيقة إلا عند تحقق الضرر المؤمن منه.

 

النوع الثاني : الشرط الفاسخ

وهو الذي يترتب على تحققه زوال الالتزام. ومن أمثلته تعليق الهبة على شرط يؤدي إلى إعادة المال الموهوب إذا رزق الواهب بولد خلال فترة محددة تالية على الهبة.

 

ثانياً: الشروط الواجب توافرها في الواقعة التي تصلح شرطاً

ضرورة أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً

يجب أن تكون الواقعة التي يعلق عليها الالتزام مستقبلة. أما إذا كانت الواقعة حدثت في الماضي فلا يصح أن تكون شرطاً يعلق الالتزام عليها.

 

فمثلاً إذا أبرم شخص عقداً للتأمين من حوادث الطرق. وكان الشخص قد أصيب فعلاً قبل إبرام عقد التأمين في حادثة. فإن شركة التأمين لا تلزم بتعويضه عن أضرار هذه الحادثة.

 

ضرورة أن يكون الشرط أمراً غير محقق الوقوع

لا يكفي أن تكون الواقعة التي يعلق عليها الالتزام والتي تصلح أن تكون شرطاً أمراً مستقبلاً. وإنما يجب أن تكون غير محققة الوقوع (احتمالية). لأنها إذا كانت مستقبلة ولكنها محققة الوقوع في المستقبل اعتبرت أجلاً لا شرطاً. فمثلاً إذا علق الالتزام على واقعة الوفاة فإن الالتزام يكون مضافاً إلى أجل لا معلقاً على شرط.

 

كذلك يجب ألا تكون الواقعة مستحيلة الحدوث في المستقبل. لأن استحال حدوثها يتنافى مع احتمالية تحققها في المستقبل. فمثلاً إذا تعهد الموكل بأن يعطي المحامي مبلغاً من المال نظير نجاحه في الطعن في حكم نهائي لا يجوز الطعن فيه فإن هذا الالتزام لا يقوم أبداً.

 

والمقصود بالاستحالة السابقة هي الاستحالة المطلقة لا الاستحالة النسبية. فإذا كانت الواقعة مستحيلة نسبياً فإن ذلك لا يمنع من إضفاء وصف الشرط عليها. فمثلاً إذا اتفق مدرب رياضي مع أحد الأشخاص على أن يمنحه مكافأة مالية إذا استطاع أن يحقق رقماً قياسياً في العدو. وتبين بعد الاتفاق أن المتعاقد ليس رياضياً ولا يستطيع أن يحقق ما وعد به. فإن الشرط يبقى صحيحاً في هذه الحالة لأن استحالة تحققه ليست مطلقة وإنما باستطاعة شخص أخر أن يقوم بتنفيذه.

 

ويلاحظ أن شرط عدم تحقق الوقوع يتنافى مع أن يكون الشرط مرهون بإرادة المدين. وهنا يجب التفرقة بين ثلاثة فروض :

 

الشرط الاحتمالي :

 

ويقصد به الأمر المرهون تحققه بالمصادفات وحدها دون تدخل من جانب أحد من المتعاقدين. فهو شرط احتمالي يصح تعليق الالتزام عليه. ومثاله إذا تعهدت شركة التأمين بتعويض العميل إذا تلفت بضاعته محل عقد النقل أثناء نقلها في الطريق.

 

الشرط المختلط :

 

فهو أمر لا يتحقق بناءً على رغبة أحد المتعاقدين وحدها وإنما يكون تحققه مرهوناً بمشاركة عامل خارجي. ومثاله اتفاق أحد الأشخاص مع آخر على الانضمام إليه في الشركة التجارية التي يزعم تأسيسها إذا نجح في إقناع شخص آخر بالانضمام إلى الشركة. وهذا النوع من الشروط يصح تعليق الالتزام عليه أيضاً.

 

الشرط الإرادي :

 

هو أمر تستقل إرادة أحد المتعاقدين وحدها بإمكانية تحقيقه دون تدخل من أي إرادة للغير.

 

والشرط الإرادي نوعان :

 

النوع الأول : الشرط الإرادي البسيط

وفي هذا النوع تقترن الإرادة التي يتعلق بها الالتزام بعمل معين يتوقف تحققه على الظروف والملابسات. ومثاله تعهد البنك للعميل بإقراضه إذا قام هو بشراء معدات توازي قيمة القرض. وهذا الشرط يصلح ـ سواءً أكان واقفاً أم فاسخاً ـ لتعليق الالتزام عليه.

 

النوع الثاني : الشرط الإرادي المحض

وفي هذا النوع ترتبط الواقعة المعلق عليها الالتزام بمحض إرادة أحد طرفي الالتزام.

 

فإذا كان الشرط مرهوناً تحققه بمحض إرادة الدائن كان شرطاً صحيحاً سواءً أكان واقفاً أم فاسخاً. ومثال الأول أن يتعهد البائع ببيع عقاره إذا أراد المشتري ذلك.

 

أما إذا كان الشرط مرهوناً تحققه بمحض إرادة المدين. فهنا يجب التمييز بين فرضين:

 

الفرض الأول : إذا كان الشرط فاسخاً

فهو شرط صحيح ويجوز تعليق الالتزام عليه. لأن معناه أن المدين قد التزم بالفعل لكنه يستبقي أمر إنهاء الالتزام لنفسه. ومثاله قيام المؤجر بتنفيذ عقد الإيجار لكنه وضع شرطاً في العقد بموجبه يحق له فسخ عقد الإيجار في أي وقت شاء.

 

 

 

الفرض الثاني: إذا كان الشرط واقفاً

في هذا الحالة يعد الشرط باطلاً. ذلك أن الالتزام في هذه الحالة لا ينشأ ولا يحتمل نشوئه إلا بإرادة المدين وحدها وهذا يعد عبثاً لا التزاماً. ومثاله أن يوعد شخص آخر بأن يهبه منزله إذا شاء ذلك في أي وقت.

 

ضرورة أن يكون الشرط أمراً مشروعاً

يجب أن تكون الواقعة المعلق عليها الالتزام أمراً مشروعاً وغير مخالف للنظام والآداب العامة. فإذا كان الشرط غير مخالف للنظام أو الآداب العامة فإن المشرع ميز بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ من حيث صحة الشرط قانوناً أو بطلانه:

 

إذا كان الشرط المخالف للنظام والآداب العامة شرطاً واقفاً: ففي هذه الحالة يترتب على عدم مشروعية الشرط بطلان الالتزام ذاته.

 

أما إذا كان الشرط المخالف للنظام والآداب العامة شرطاً فاسخاً: ففي هذه الحالة يترتب على عدم مشروعية الشرط أن يعتبر الشرط ذاته غير قائم ويبقى الالتزام صحيحاً ونهائياً.

 

ثالثاً: آثار الشرط

آثار الشرط في فترة التعليق (قبل تحقق الواقعة المعلق عليها الالتزام)

 

يجب أن نفرق بين ما إذا كان الشرط واقفاً أم فاسخاً

 

1- آثار الشرط الواقف في فترة التعليق

بما أن للدائن صاحب الحق المعلق على شرط واقف حق موجود بالفعل في مواجهة مدينه وليس مجرد أمل. فيترتب على ذلك عدة نتائج:

 

الوقت الذي ينظر فيه إلى أهلية أطراف العقد للقول بصحته هو وقت إبرام التصرف.

 

لصاحب الحق أن ينقله إلى الغير بمجرد إبرام التصرف. كما ينتقل إلى الخلف العام.

 

للدائن أن يتخذ من الإجراءات ما يكفله المحافظة على حقه كتسجيل العقد وقيد الرهن.

 

وبما أن حق الدائن معلق على شرط واقف. فإنه يتصف بأنه احتمالي لا يتأكد إلا بتحقيق الشرط بالفعل. ويترتب على ذلك عدة نتائج:

 

إذا أوفى المدين التزامه فإنه يحق له أن يطالب باسترداده.

 

مدة تقادم الحق غير المؤكد لا تبدأ في السريان إلا إذا تأكد الحق بتحقق الشرط.

 

إذا كان حق الدائن حقاً عينياً. فإنه يظل في ذمة المتصرف طوال مدة التعليق ولا يستطيع المتصرف إليه أن يرفع ضده دعاوى المحافظة على الضمان العام.

2- آثار الشرط الفاسخ في فترة التعليق

بما أن حق الدائن المعلق على شرط فاسخ موجود ونافذ ومستحق الأداء. فإنه يترتب على ذلك عدة نتائج :

 

يتمتع الدائن بإمكانية المطالبة بحقه وإمكانية إجبار المدين على تنفيذه جبرياً.

 

يصح الوفاء بهذا الحق من قبل المدين وليس له حق استرداد ما أوفاه.

 

يستطيع الدائن أن يرفع دعاوى المحافظة على الضمان العام لمطالبة المدين بالوفاء.

 

وبما أن حق الدائن المعلق على شرط فاسخ مهدد بالزوال في المستقبل في حالة تحقق الشرط. فإنه يترتب على ذلك عدة نتائج:

 

التصرفات التي يجريها الدائن مستنداً إلى هذا الحق تقع مرهونة بمصيره.

 

يستطيع الدائن أن يتمسك بالمقاصة القانونية بين حقه المعلق على شرط فاسخ وبين ما هو ملتزم به نحق المدين على أن مصير المقاصة القانونية ترتبط في هذه الحالة بمصير الحق نفسه. فإن تحقق الشرط وفسخ العقد فإن المقاصة القانونية تزول هي الأخرى والعكس.

 

آثار الشرط بعد تبين مصيره

يتبين مصير الشرط إما بتحققه وإما بتخلفه. ويجب في هذين الفرضين أن نميز بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ:

3- آثار الشرط الواقف بعد تبين مصيره

حالة تحقق الشرط الواقف

إذا تحقق الشرط الواقف تنتهي فترة التعليق ونفذ التصرف بصفة نهائية ويتأكد وجود الالتزام وتصبح حقوق الدائن صالحة لترتيب كافة الآثار القانونية التي تترتب على هذا النوع من الحقوق من وقت ثبوت الشرط.

 

حالة تخلف الشرط الواقف

إذا تخلف الشرط الواقف الذي يتم تعليق الالتزام عليه فإن ذلك يعني انعدام احتمال تحقق الالتزام أصلاً فيزول من الوجود ويعتبر كأن لم يكن. كما تزول كافة الإجراءات والتصرفات التي يكون الدائن قد باشرها على الحق أثناء فترة التعليق.

4- آثار الشرط الفاسخ بعد تبين مصيره

حالة تحقق الشرط الفاسخ

إذا تحقق الشرط الفاسخ يزول الالتزام الذي كان أمره محققاً أثناء فترة التعليق ويعتبر كأن لم يكن منذ البداية. ويترتب على ذلك زوال كافة الإجراءات والتصرفات التي يكون قد باشرها الدائن على الحق أثناء فترة التعليق. كما أن للمدين حق استرداد ما أوفاه بناءً على هذا الالتزام. فإذا تعذر الرد كان الدائن ملزماً بالتعويض.

 

لكن استثناءً من القاعدة السابقة فإن أعمال الإدارة التي باشرها الدائن على الحق أثناء فترة التعليق تظل مع ذلك صحيحة وقائمة رغم تحقق الشرط.

 

حالة تخلف الشرط الفاسخ

إذا تخلف الشرط الفاسخ فإن ذلك يعني أن يصبح الحق نهائيا وغير مهدد بالزوال. ويترتب على ذلك أن تتأيد جميع التصرفات التي باشرها الدائن على الحق أثناء فترة التعليق. كما يحق للدائن أن يباشر على حقه هذا كافة أنواع التصرفات التي يباشرها أصحاب الحقوق الثابتة على حقوقهم.

المبحث الثـــاني

الأجــــــــــــــــــــــــل

 

أولاً: تعريف الأجل وخصائصه

الأجل أمر مستقبل محقق الوقوع يترتب على حلوله نفاذ الالتزام أو انقضائه. فإذا كان يترتب على حلوله نفاذ الالتزام سمي أجلاً واقفاً. وإذا كان يترتب على حلوله انقضاء الالتزام سمي أجلاً فاسخاً.

 

ويتمتع الأجل بالخصائص الآتية :

1- الأجل أمر مستقبل

وهو قد يكون تاريخاً محدداً. كأن يبدأ تنفيذ عقد توريد اعتباراً من أول الشهر التالي. كما قد يكون الأمر المستقبل واقعة معينة لا يعرف تاريخ حدوثها على وجه التحديد. كأن يحدد بدء تنفيذ العقد بأول شهر رمضان مثلاً.

2- الأجل أمر محقق الوقوع

وتعد الواقعة كذلك حتى ولو لم يعرف تاريخ حدوثها على وجه التحديد كما هو الحال بالنسبة للوفاة. وهذه الخاصية هي ما تميز الأجل عن الشرط كما سبق وأن ذكرنا.

 

ثانياً: أنواع الأجل

الأجل الفاسخ

هو الذي يترتب على حلوله انقضاء الالتزام أو سقوطه. ويرد الأجل الفاسخ على العقود المستمرة أو دورية التنفيذ (الزمنية) ويترتب على حلوله انقضاء الالتزام. ومثاله تحديد مدة عقد الإيجار بسنة ميلادية.

 

والالتزام المقترن بأجل فاسخ هو التزام موجود ونافذ ولكنه مؤقت. ويعني التأقيت أن مصير الالتزام هو الانقضاء الحتمي. غير أن زوال الالتزام بحلول الأجل لا يمس ما سبق ورتبه الالتزام من آثار في فترة الإضافة إلى الأجل.

 

الأجل الواقف

هو الأجل الذي يترتب عليه إرجاء تنفيذ الالتزام إلى الوقت الذي يحل فيه الأجل.

 

صورة خاصة من الأجل الواقف ( الوفاء عند المقدرة أو الميسرة )

 

نظم المشرع الحالة التي يتفق فيها المتعاقدان على أن يتم الوفاء في الوقت الذي يصبح فيه المدين قادراً عليه. وقد أنشأ المشرع قرنية بمقتضاها يكون هذا الاتفاق مضافاً إلى أجل واقف وهو قدرة المدين على السداد. وهذه القرينة قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس بحيث يستطيع صاحب المصلحة أن يثبت عكسها وأن يوضح أن الاتفاق كان المقصود منه التعليق على شرط واقف وليس إضافته إلى أجل. وتتضح أهمية ذلك في أنه إذا كان الالتزام معلقا على شرط واقف فإن عدم تحقق واقعة يسار المدين إطلاقاً واستمرار إفلاسه حتى وفاته يؤدي إلى عدم تأكد حق الدائن وحرمانه من اقتسام أموال تركة المدين مع أصحاب الحقوق الآخرين. في حين أنه إذا اعتبرنا الالتزام هنا مضاف إلى أجل واقف فإن حق الدائن يعتبر موجوداً منذ البداية ومؤكدا. وإن كان نفاذه معلقا على قدرة المدين على الوفاء.

 

ثالثاً: انقضاء الأجل

انقضاء الأجل بحلوله:

 

ينقضي الأجل بحلول التاريخ المحدد له أو بتحقق الواقعة المضاف إليها الالتزام.

 

انقضاء الأجل بسقوطه:

 

يعني حرمان المدين من الأجل ويصبح الالتزام واجب الأداء حالاً. وأسباب سقوط الأجل هي:

  1. انقضاء الأجل بسبب شهر إفلاس المدين أو شهر إعساره:

 

يسقط الأجل إما بشهر إفلاس المدين إذا كان تاجراً. أو بشهر إعساره إذا كان غير تاجر.

  1. انقضاء الأجل بسبب نكون المدين عن تقديم ما وعد به من تأمينات:

 

إذا ما وعد المدين بتقديم تأمينات خاصة تكفل حق الدائن ولم يقدم هذه التأمينات فإن من حق الدائن أن يطالب بحقه فقط حتى ولو كان حقه مضافاً إلى أجل؛ وذلك لأن الدائن ما منح المدين أجلاً للوفاء بحقه إلا مقابل ما وعد به المدين من تقديم التأمينات الخاصة كالكفالة مثلاً.

  1. انقضاء الأجل بسبب إضعاف التأمينات الخاصة:

 

كذلك إذا انقضت التأمينات العينية (كرهن على عقار يملكه المدين) التي كانت تكفل الدين سواء بفعل المدين أو بسبب لا يد له فيه. فإن الأجل يسقط ويصبح حق الدائن مستحق الأداء. أما إذا انقضت التأمينات بفعل الدائن نفسه فإن ذلك لا يؤثر على حق الدائن ولا يسقط الأجل.

 

أما إذا انتقصت التأمينات فقط ( كانهيار جزء من عقار كان ضامناً للوفاء بالدين ) فإن المدين يستطيع أن يقدم تأميناً عينياً أخر يستكمل قيمة العقار الذي انهار جزئياً إلى القدر الذي كانت عليه وقت إنشاء التأمين.

 

انقضاء الأجل بالتنازل عنه

إذا كان الأجل قد تقرر لمصلحة أي من الطرفين. فإن لمن تقرر الأجل لمصلحته أن يتنازل عنه بإرادته المنفردة. أما إذا كان الأجل تقرر لمصلحة الطرفين معاً. فإن أياً منهما لا يستطيع أن ينفرد بالتنازل عنه. ومثال الحالة الأخيرة الوديعة بأجر. حيث يكون للمودع مصلحة في استمرار عقد الوديعة حفاظاً على الشئ المودع. ويكون للمودع لديه مصلحة في استمرار العقد ليضمن الحصول على الأجر. والأصل في الأجل أنه يتقرر لمصلحة المدين. فإذا لم يوجد نص صريح واضح في الاتفاق ولم يحدد المشرع صاحب المصلحة من الأجل المقرر. فإن الأجل يعد مقرراً لمصلحة المدين.

 

انقضاء الأجل بوفاة المدين

يحل الدين بوفاة المدين إلا إذا كان الدين مضموناً بتأمين عيني كرهن على عقار يملكه فإن الدين لا ينقضي ويستفيد ورثة المدين بالأجل الذي كان ممنوحاً لمورثهم. وعلة حلول الأجل بوفاة المدين إذا لم يكن دينه مكفولاً بتأمين عيني وعدم حلوله في فرض كفالته بتأمين عيني هو أن الدائن إذا كان حقه مكفولاً بتأمين عيني فلن يصيبه ضرر من تقسيم تركة المدين إذا ما اشترك معه في التقسيم باقي الدائنين لأن حقه مضمون بتأمين عيني.

 

رابعاً: آثار الأجل

آثار الأجل الواقف

 

1) آثار الأجل الواقف قبل انقضاء الأجل

الالتزام المضاف إلى أجل واقف لا يكون نافذاً إلا في الوقت الذي ينقضي فيه الأجل. وعليه فإن الالتزام يكون موجوداً ومؤكداً ولكنه غير نافذ ويحق للدائن أن يقوم بكافة الإجراءات التي تكفل له المحافظة عليه. وله أن يتصرف في حقه وينتقل بموته إلى ورثته.

 

ومع ذلك فإن حق الدائن قبل حلول الأجل يتصف بأنه غير محقق الأداء. وبالتالي فإن الدائن لا يستطيع أن يتخذ الإجراءات التنفيذية للمطالبة بحقه. وإذا قام المدين بالوفاء بحقه قبل حلول الأجل فإنه يحق له استرداد ما أوفاه. كما أن الدائن لا يستطيع أن يتمسك بالمقاصة بين دينه وما ينشأ في ذمته للمدين.

2) آثار الأجل الواقف بعد انقضاء الأجل

بحلول الأجل يصبح الالتزام مستحق الأداء ويجوز للدائن أن يتخذ كافة الإجراءات التنفيذية الجبرية للمطالبة بحقه. كما يستطيع الدائن أن يرفع كافة دعاوى المحافظة على الضمان العام ومن أمثلتها الدعوى البولصية.

 

آثار الأجل الفاسخ

 

3) آثار الأجل الفاسخ قبل انقضاء الأجل

هنا يكن حق الدائن مستحق الأداء بمجرد انعقاد العقد إلا أنه محقق الزوال في المستقبل بمجرد انقضاء الأجل. ويترتب على ذلك أن يكون للدائن حق التمسك بالمقاصة القانونية بين دينه وما ينشأ في ذمته للمدين. وإذا أوفى المدين بالدين لا يستطيع استرداد ما قام بوفائه. وللدائن أن يتصرف في حقه بكل أنواع التصرفات. كما يبدأ مدة سريان التقادم بمجرد التعاقد.

4) آثار الأجل الفاسخ بعد انقضاء الأجل

بانقضاء الأجل الفاسخ ينقضي الالتزام وتنقضي معه الالتزامات المترتبة عليه لكنه ينقضي فقط بالنسبة للمستقبل ولا يكون لهذا الانقضاء 

 

 

المحاضرة الخامســـــة

المبحث الأول

المقاصـــــــة

 

أولاُ: التعريف بالمقاصة ووظيفتها وتمييزها عن غيرها

المقاصة:

 

هي طريق من طرق انقضاء الالتزام حين يصبح المدين دائناً لدائنه فينقضي الدينين في نفس الوقت بمقدار الأقل منهما ويظل المدين ملزماً بالوفاء بالجزء المتبقي من الدين بالطريق العادي. ( م 362 مدني )

 

وتقوم المقاصة على ذلك بوظيفتين:

 

فهي أداة وفاء وهي في الوقت ذاته أداة ضمان. فهي أداة وفاء مزدوج لأنها تقضي على الدين الأقل كلية وتؤدي إلى الانقضاء الجزئي للدين الأكبر. كما أنها أداة ضمان لأنها تعظي للدائن الحق في أن يستأثر بالدين الذي في ذمته للطرف الأخر متميزا بذلك عن غيره من دائني المدين.

 

ويمكن تمييز المقاصة عن الحق في الحبس كما يمكن تمييزها عن الدفع بعدم التنفيذ:

 

فالمقاصة وسيلة حاسمة لانقضاء الالتزام باعتبارها أداة وفاء. أما الحق في الحبس والدفع بعدم التنفيذ ما هما إلا وسيلتين للامتناع المؤقت عن تنفيذ الالتزام ولا ينقضي الالتزام بأيهما.

 

كما تتميز المقاصة عن هذه الوسائل من حيث الأثر المترتب على الحكم بها وكذلك من حيث النطاق والشروط.

 

ويمكن أن يحكم بوقوع المقاصة إذا توفرت شروطها القانونية وطلبها من له مصلحة في التمسك بها حين تسمى بالمقاصة القانونية. كما يمكن الاتفاق على التغاضي عن بعض الشروط التي تطلبها المشرع في المقاصة لتصبح المقاصة اتفاقية. كما يمكن أن يحكم القاضي بالمقاصة حينما يتوجه صاحب المصلحة فيها إليه ويذلل له المصاعب التي تحول بينه وبين التمسك بها وتسمى بالمقاصة القضائية. وسوف نتناول بالدراسة هذه الأنواع الثلاثة بشيء من التفصيل …

 

ثانياً: أنواع المقاصة

المقاصة القانونية

أولاً: شروط المقاصة القانونية ( م 362 مدني )

 

الشرط الأول: التقابل بين الدينين

ومعناه أن يكون كلا الطرفين دائناً ومديناً للآخر في ذات الوقت وبذات الصفة. ولا يهم بعد ذلك أن تكون هناك صلة بين الدينين. والمقاصة في ذلك تتميز عن الدفع بعدم التنفيذ الذي يقتضي نشوء الالتزامين عن مصدر واحد. وعن الحق في الحبس الذي يفترض وجود ارتباط بين الالتزامين المتقابلين.

 

 

الشرط الثاني: التماثل بين الدينين في المحل

يجب أن يتماثل الدينان جنساً ووصفاً واستحقاقاً. ومعنى ذلك أن المقاصة لا تقع إلا إذا كان محلها نقوداً أو مثليات متحدة في النوع والجودة. والحكمة من هذا الشرط هي عدم إجبار الدائن على استيفاء شيء غير الشيء المستحق أصلاً. كما أن القول بعدم تماثل الدينين يهدر كل قيمة للعقود الملزمة للجانين التي يعد كل طرف فيها دائناً ومديناً في ذات الوقت للطرف الآخر لأنه في حالة عدم اشتراط التماثل يمكن لكل طرف من أطراف العقود الملزمة للجانبين التمسك بالمقاصة بمجرد إبرام العقد مما يهدر من قيمة التعاقد كلية.

 

الشرط الثالث: خلو الدينين من النزاع

مادام أن المقاصة هي أحد صور الوفاء الجبري فإنه من اللازم أن يكون كلا الدينين خالياً من النزاع محققاً في وجوده ومحدداً في مقداره. وعلى ذلك فإن المقاصة لا تقع بين دين منجز ودين معلق على شرط واقف لأن هذا الدين الأخير ليس محققاً في وجوده.

 

الشرط الرابع: أن يكون كلاً من الدينين مستحق الأداء

لا يجوز إجبار الدائن على قبول الوفاء قبل حلول الأجل كقاعدة عامة. لذلك فإنه لا يجوز إعمال المقاصة بين دين مستحق الأداء ودين آخر مضاف إلى أجل. كذلك فإنه لا يجوز المقاصة بين دين منجز ودين معلق على شرط واقف. ذلك أن هذا الدين الأخير غير محقق الوجود وغير مستحق الأداء.

 

الشرط الخامس: صلاحية كل من الدينين للمطالبة القضائية والحجز

ومعنى الصلاحية للمطالبة القضائية أن المقاصة لا تقع بين التزام واجب الأداء قضاءً والتزام طبيعي. ذلك أن الوفاء بالالتزام الطبيعي غير واجب على عاتق المدين. والمقاصة تعد نوع من أنواع الوفاء الجبري للالتزام. فإذا قلنا بجواز المقاصة في هذه الحالة فإن ذلك يعني أننا نجبر المدين في الالتزام الطبيعي بالوفاء به بطريق غير مباشر.

 

كذلك فإن الديون التي لا يمكن الحجز عليها لا يصح أن تكون محلاً للمقاصة. ومثال تلك الديون دين النفقة للزوجة والأولاد. فعدم قبول المقاصة في هذه الديون هو أمر منطقي لتلافي إهدار الاستثناء الذي يقضي بعدم خضوع هذه الديون للحجز نظراً لضرورتها لمتطلبات حياة الزوجة والأولاد.

 

الشرط السادس: عدم إلحاق إضرار بالغير

لا يجوز أن تقع المقاصة إضراراً بحقوق كسبها الغير ( م 367 مدني )

 

فإذا أوقع الغير حجزاً تحت يد المدين ثم أصبح المدين دائناً لدائنه فلا يجوز له أن يتمسك بالمقاصة إضراراً بالحاجز. ونمثل لذلك بالمثال الآتي:

 

إذا كان أحمد دائناً لمحمد بخمسة آلاف جنيه وكان مديناً في ذات الوقت لإسماعيل بخمسة آلاف جنيه. ثم أوقع إسماعيل حجزاً على مال لأحمد لدى محمد ( حجز المدين لدى الغير ) وأصبح محمد دائناً لأحمد بعد الحجز. فإن حق محمد يجب ألا يتقاص مع حق أحمد حماية لحق إسماعيل وهو من الغير.

 

ثانياً: آثار المقاصة القانونية

إذا تمسك بالمقاصة القانونية صاحب المصلحة فيها وتوافرت شروطها القانونية ترتب على ذلك انقضاء الدينين بمقدار الأقل منهما. وبناءً عليه يظل صاحب الدين الأكبر دائناً بالجزء الباقي من الدين بعد إجراء المقاصة.

 

ولما كانت المقاصة الجبرية من المسائل التي لا تتعلق بالنظام العام لذلك فإن القاضي لا يستطيع أن يقضي بها من تلقاء نفسه. لهذا يجب أن يتمسك بالمقاصة صاحب المصلحة فيها.

 

وصاحب المصلحة في التمسك بالمقاصة ليس المدين الذي أصبح دائناً لدائنه وحده. بل ممكن أن تمسك بها الكفيل الشخصي أو العيني للمدين حتى ينقضي التزامه بالكفالة.

 

ولمن له الحق في التمسك بالمقاصة أن يتنازل عنها سواء كان هذا التنازل صريحاً أو ضمنياً. غير أنه لا يجوز لصاحب الحق في التمسك بالمقاصة أن يتنازل عنها قبل ثبوت الحق فيها وتوفر شروطها القانونية. والحكمة من هذا الشرط أن جواز التنازل عن المقاصة قبل ثبوت الحق فيها يمكن أن يصبح أمراً مألوفاً في كل العقود التي يفرضها الطرف الأقوى على الطرف الأضعف فيحرمه مقدماً من حق المقاصة الذي قرره القانون.

 

كذلك فإن القاعدة تقضي بأنه لا يجوز التنازل عن المقاصة إضراراً بالغير ( م 369 مدني ). ويقصد بالغير هنا كل من كانت له مصلحة في التمسك بالمقاصة مثل كفيل المدين سواءً كانت الكفالة شخصية أم عينية. ويعتبر كذلك من الغير حائز العقار المرهون لضمان حق المدين. والدائن المرتهن المتأخر في المرتبة عن مرتبة الرهن الذي كان يكفل هذا الحق.

 

كما تجدر الإشارة إلى أن آثار المقاصة تعود إلى وقت تلاقي الدينين صالحين للمقاصة بينهما لا إلى الوقت الذي يتمسك فيه صاحب المصلحة فيها بالمقاصة.

 

كذلك فإن التمسك بالمقاصة يظل ممكناً إذا ما اكتملت شروط المقاصة القانونية الجبرية قبل اكتمال مدة تقادم الحق ( الذي هو أحد الدينين ) ولا يؤثر تأخر التمسك الفعلي بالمقاصة على تحقيق آثارها.

 

ثالثاً: نطاق المقاصة القانونية

القاعدة العامة أن المقاصة تجوز في كل الديون أياً كان مصدرها. ومع ذلك فقد استثنى المشرع بعض الحالات التي لا يجوز التمسك بالمقاصة فيها بالرغم من اكتمال شروطها. هذه الحالات نص عليها المشرع بنص المادة 364 مدني ويمكننا حصرها في:

(1) إذا كان محل أحد الدينين شيئاً نزع دون حق من يد مالكه

ويرى هذا الاستثناء سنده في مبدأ عدم جواز الاقتصاص للنفس. فلا يجوز للدائن أن يغتصب شيء مماثل من مدينه ثم يتمسك بالمقاصة حينما يطالبه المدين برد الشيء المغتصب.

(2) إذا كان أحد الدينين مودعاً أو معاراً عارية استعمال

إذا كان أحد الدينين محله شيئاً مودعاً فإن المقاصة لا تجوز ويظل المودع لديه ملتزماً برد الوديعة للمدين.

(3) إذا كان أحد الدينين حقاً غير قابل للحجز

ذلك أن إجازة المقاصة في هذا النوع من الحقوق يؤدي إلى إهدار مبدأ عدم القابلية للحجز.

 

المقاصة الاتفاقية

إذا لم تتوافر شروط المقاصة القانونية فإن للطرفين الاتفاق على إيقاع المقاصة بين ما لكل منهما من حق في مواجهة الآخر (م 362 مدني).

 

وعلى ذلك إذا تخلف مثلاً شرط تماثل الدينين أو شرط استحقاق الدينين للأداء فإنه يجوز للطرفين أن يتفقا بالرغم من ذلك على إيقاع المقاصة في هذه الحالة.

 

وتختلف المقاصة القانونية عن المقاصة الاتفاقية من حيث الوقت الذي ترتب فيه المقاصة آثارها القانونية. ففي المقاصة الاتفاقية لا تترتب آثار المقاصة إلا من تاريخ الاتفاق على إيقاعها ولا تنسحب آثارها إلى تاريخ تقابل الدينين صالحين للمقاصة بينهما. كذلك فإن المقاصة الاتفاقية يجب ألا تؤدي إلى الإضرار بالحقوق التي اكتسبها الغير في الفترة السابقة على الاتفاق.

 

المقاصة القضائية

وهي تلك المقاصة التي يجريها القاضي حين يتخلف شرط من شروط إيقاع المقاصة القانونية مادام أن القاضي يستطيع استكمال هذا الشرط. وهو لا يستطيع ذلك في الواقع إلا عندما يتخلف شرط خلو الدينين من النزاع فقط. فحينما يكون أحد الدينين متنازع فيه يمكن للقاضي بناءً على طلب أحد الأطراف أن يفصل في النزاع ويزيل العقبة التي تقف أمام المقاصة.

 

وعلى ذلك فإن المقاصة القضائية لا تقع إلا إذا طلب المدين ذلك سواءً بدعوة مبتدأه أو كان الطلب عارضاً أثناء نظر الدعوى بين الطرفين. فإذا حكم القاضي بأحقية المطالب فيما يدعيه من حيث تأكيد وجود الحق أو تحديد مقداره. كان ذلك استكمالاً لشروط المقاصة.

 

وباستكمال شروط المقاصة على هذا النحو فإن المقاصة تقع بقوة القانون من وقت صدور الحكم نظراً لزوال العقبة التي كانت تحول دون وقوعها في هذا التاريخ. وعلى ذلك فإن المقاصة القضائية هي في حقيقتها مقاصة قانونية. وما الحكم القضائي الصادر بإيقاعها إلا حكم مقرر لها وليس حكم منشئاً لها.

 

 

المبحث الثاني

التقادم المسقط

 

أولاً: الأصل هو تقادم الالتزام بمضي خمس عشرة سنة ( م 374 مدني ).

 

تنص المادة 374 من القانون المدني على أنه: ” يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات التالية …”.

 

ثانياً: المدد الخاصة لتقادم الحق

قد استثنى المشرع عدة حالات خاصة من القاعدة العامة السابقة في مدة التقادم وهذه الحالات قد عددتها المواد 375 إلى 378 مدني ويمكننا إجمالها فيما يلي:

 

التقادم الخمسي

 

1- يتقادم بخمس سنوات الحق الدوري المتجدد مثل أجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر والفوائد والإيرادات المرتبة والمهايا والأجور والمعاشات. ويقصد بالحقوق الدورية المتجددة تلك الحقوق التي لا تؤثر على أصل رأس المال ويتم قبضها بصفة دورية منتظمة.

 

وأساس التقادم في هذه الحقوق هو قرينة الوفاء. حيث يفترض المشرع أن سكوت صاحب الحق الدوري على المطالبة بحقه طيلة خمس سنوات يعني أنه قد استوفاه بالفعل.

 

لكن المشرع قد أورد استثناء على هذه الحقوق عاد به إلى القاعدة الأصلية في حساب مدة التقادم وهي خمس عشرة سنة بالنسبة للحائز سيء النية وناظر الوقف. حيث قرر المشرع أن الريع المستحق في ذمة الحائز سيء النية والريع الواجب على ناظر الوقف للمستحقين لا يسقط إلا بانقضاء خمس عشرة سنة.

2- كذلك يتقادم بمضي خمس سنوات حقوق بعض أصحاب المهن الحرة كالأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين على أن يكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل من أعمال مهنتهم وما تكبدوه من مصروفات.

 

لذلك إذا لم يطالب صاحب المهنة الحرة المذكور في النص بحقه حيال المدين عن عمل أداه له خلال خمس سنوات من تاريخ نشأة حقه. فإن حقه يسقط ولا يستطيع المطالبة به قضاءً.

 

التقادم المسقط بمضي ثلاث سنوات

 

3- يتقادم بمضي ثلاث سنوات أولاً الضرائب والرسوم المستحقة للدولة. ويبدأ سريان التقادم بالنسبة إلى هذه الضرائب والرسوم من تاريخ انتهاء السنة المالية التي تستحق عنها الضريبة أو الرسم. أما بالنسبة إلى الرسوم المستحقة عن الأوراق القضائية فمن تاريخ انتهاء المرافعة في الدعوى التي حررت بشأنها هذه الأوراق أو من تاريخ تحريرها إذا لم تحصل مرافعة قضائية.

4- كما يتقادم بمضي ثلاث سنوات أيضاً الحق في المطالبة برد الضرائب والرسوم التي دفعت بغير حق. وهذه الحالة بخلاف الحالة السابقة تفترض أن الدولة حصلت ضرائب أو رسوم من الممول بغير حق. فإذا لم يطالب الممول بهذه المستحقات بعد علمه بعدم أحقية دفعها للدولة خلال ثلاث سنوات. فإن حقه يسقط في المطالبة بها بعد هذه المدة. ويلاحظ أن حساب مدة التقادم تبدأ هنا من يوم دفع هذه الضرائب أو الرسوم.

 

وأساس التقادم الثلاثي في هذه الحقوق هو في اعتقادنا رفع العبء عن خزانة الدولة في الاحتفاظ بسجلات وبيانات تتعلق بديون لمدة تزيد على ثلاث سنوات.

 

التقادم بمضي سنة واحدة

 

5- حقوق التجار والصناع وأصحاب الفنادق والمطاعم عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء أو عن أجرة الفندق وثمن الطعام.

6- حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية

وأساس التقادم هنا هو قرينة الوفاء. لذلك يجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم في مواجهة هذه الطوائف أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً. وهذه اليمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه وتوجه إلى ورثة المدين أو أوصيائه إن كان قاصراً.

 

ويلاحظ أنه يبدأ سريان التقادم هنا من تاريخ استحقاق الأجر عن كل عملية أو توريد.

 

ثالثاً: حساب مدد التقادم المسقط

يلاحظ أولاً أن مدد التقادم تتعلق بالنظام العام. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفة هذه المدد وإلا كان اتفاقهم باطل.

 

ولحساب مدد التقادم نظام خاص نبينه فيما يلي :

 

حساب المدة :

 

تحسب مدة التقادم بالتقويم الشمسي ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. كما تحسب المدة بالأيام الكاملة فلا يدخل في حسابها أجزاء الأيام أو الساعات. كما لا يحسب اليوم الأول من استحقاق الحق بينما يتم احتساب اليوم الأخير. وإذا كان آخر يوم في حساب مدة التقادم يوم عطلة امتد الموعد إلى اليوم الذي يليه.

 

بدء سريان مدة التقادم

يبدأ سريان التقادم في الحقوق التي لا تتقادم وفقاً للقاعدة الأصلية (أي الحقوق التي تتقادم بمضي خمس وثلاث سنوات كذلك الحقوق التي تتقادم بسنة واحدة) من الوقت الذي يتم فيه الدائنون تقدماتهم أو خدماتهم ولو استمروا يؤدون تقدمات أخرى. أي تحسب مدة التقادم من يوم كل عملية أو خدمة على حدة.

 

لكن إذا ما حرر سند بأي حق من هذه الحقوق فإن المشرع قرر إخضاع هذه الحقوق لمدة التقادم الأصلية (خمس عشرة سنة). وعلة ذلك أن إقرار المدين بأي حق من هذه الحقوق ينقض قرينة الوفاء التي على أساسها استثنى المشرع هذه الحقوق من مدة التقادم الأصلية. فإذا ما أثبت المدين بإقراره أن الحق لم يؤده إلى دائنه بعد فإن هذا الإقرار يعد بمثابة دين جديد يخضع للتقادم العادي (خمس عشرة سنة).

 

 

 

رابعاً: الوقف والانقطاع.

وقف التقادم:

 

يقصد بوقف مدة التقادم عدم سريان المدة عندما يطرأ أحد الأسباب أو الموانع التي يحددها المشرع على أن تحتسب المدة السابقة على الوقف من حساب مدة التقادم إذا ما استأنفت مدة التقادم وزال السبب الواقف أو المانع.

 

وأسباب الوقف قد حددها المشرع بنص المادة 382 مدني وقسمها إلى موانع مادية وموانع أدبية وموانع قانونية. أما عن المقصود بالموانع المادية فتلك الموانع التي يتعذر معها على الدائن أن يطالب بحقه من الناحية المادية. كقيام حالة حرب تعطلت معها المحاكم عن العمل. والمقصود بالموانع الأدبية تلك الموانع التي تقوم على الاعتبار الأدبي وتحول دون مطالبة الدائن بحقه. كعلاقة الزوجية أو الأبوة أو علاقة العمل التي تربط الدائن بالمدين. أما عن الموانع القانونية فالمقصود بها تلك الموانع التي تحول نص عليها القانون لاستثناءات خاصة يقدرها المشرع. ومنها أن التقادم العادي ( خمس عشرة سنة ) لا يسري في حق فاقد الأهلية أو الغائب أو المحكوم عليه بعقوبة جناية مادام ليس هنالك نائب يمثله قانوناً.

 

انقطاع التقادم

والمقصود بانقطاع التقادم انقطاع حساب مدة التقادم لأحد الأسباب التي نص عليها المشرع مع زوال ما مضي من مدة قبل حدوث سبب الانقطاع إذا ما استأنف التقادم سريانه.

 

والأسباب التي تؤدي إلى انقطاع مدة التقادم منها ما يرجع إلى الدائن. كالمطالبة القضائية بحقه أو التنبيه على المدين بالوفاء أو الحجز أو أي عمل قضائي آخر يقصد منه مطالبة المدين بالوفاء. ومن هذه الأسباب ما يرجع إلى المدين. كإقرار المدين الصريح بأن الدين ما زال في ذمته. أو إقراره الضمني كطلب أجل للسداد أو ترك شيء مرهون تحت يد الدائن رهناً حيازياً.

 

وإذا ما زال سبب الانقطاع فإن تقادماً جديداً يسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع دون احتساب ما مضي من مدة قبل حدوث سبب الانقطاع.

 

والأصل أنه إذا ما بدأنا في حساب مدة تقادم جديدة بعد زوال سبب الانقطاع فإن المدة الجديدة تكون مثل المدة القديمة تماماً. لكن المشرع خرج على هذا الأصل ونص على استثناءين هما :

 

إذا كان الحق يتقادم بمضي سنة واحدة وانقطع التقادم بإقرار المدين الصريح أو الضمني. ففي هذه الحالة تصبح مدة التقادم الجديدة خمس عشرة سنة كما سبق وأن ذكرنا لأن التقادم في هذه الحالة كان مبني على قرينة الوفاء.

 

إذا كان الحق يتقادم بمضي خمس أو ثلاث سنوات أو حتى سنة واحدة وانقطع التقادم بمطالبة الدائن القضائية وحكم له بالدين وحاز الحكم حجية الأمر المقضي. فإن الدين هنا يتجدد ويصبح دين آخر وتبدأ مدة تقادم عادية (خمس عشر سنة).

 

 

خامساً: التمسك بالتقادم

لا يجوز للقاضي أن يحكم بالتقاضي من تلقاء نفسه. بل يجب على من له المصلحة في التمسك به أن يطلبه من القاضي.

 

وليس المدين وحده هو صاحب المصلحة في التمسك بالتقادم. بل يعد كذلك صاحب مصلحة في التمسك به كفيل المدين سواءً كانت الكفالة عينية أم شخصية (لأن تخلص المدين من مطالبة الدائن له يؤدي إلى تخلص الكفيل من هذه المطالبة بالتبعية) . والمدين المتضامن (لأن التمسك بالتقادم يسمح له أن ينقص من مقدار المديونية بمقدار حصة المدين الذي تقادم حقه). والخلف العام للمدين أو للدائن (وذلك حتى لا يشاركه في الحقوق التي في ذمة المدين الدائن الذي سقطت دعواه بالتقادم).

 

والتمسك بالتقادم لا يتصور إلا من خلال دفع يبديه صاحب المصلحة أمام القاضي في الدعوى التي يرفعها دائنه. كما يمكن إبداء هذا الدفع في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.

كما يجب أن نلاحظ أخيراً أن وقوع المقاصة يتم بأثر رجعي. أي ينقضي الدينان

 

القسم الثاني

قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية

 

المحاضرة السادسة

المبحث الأول

شروط الواقعة القانونية محل الإثبات

 

من أهم الشروط التي يشترطها المشرع في الواقعة القانونية محل الإثبات في المادة الثانية من قانون الإثبات أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزة القبول.

 

وعلى ذلك فإننا سوف نتناول هذه الشروط الثلاثة بشيء من التفصيل فيما يلي:

 

الشرط الأول

يجب أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى

 

أولاً: معنى الشرط وأهميته

هذا الشرط يعني أن تكون الواقعة المراد إثباتها ذات صلة بالحق المتنازع فيه لكي يؤثر ثبوتها في الفصل في الدعوى.

 

وتظهر أهمية هذا الشرط في الإثبات غير المباشر حيث لا ينصب الإثبات على الواقعة مصدر الحق المتنازع فيه. وإنما على واقعة على صلة بالحق نفسه ويؤدي إثباتها إلى جعل الواقعة مصدر الحق محتملة الوجود.

 

ولنضرب مثلاً للإثبات المباشر الذي ينصب على الواقعة مصدر الحق مباشرة كقيام المؤجر بإثبات عقد الإيجار لكي يطالب المستأجر بالأجرة.

 

أما بالنسبة للإثبات غير المباشر فمثاله الحالة التي يطالب فيها المستأجر بإثبات الوفاء بأجرة شهر معين. فإنه يستطيع إثبات أنه أوفى بأجرة هذا الشهر بإثبات وفائه لأجرة شهور لاحقة.

 

ثانياً: مدى رقابة محكمة النقض على تحقق هذا الشرط:

 

قضت محكمة النقض بأنه “إذا رأت المحكمة أن الوقائع المطلوب إثباتها غير متعلقة بالدعوى وجب عليها أن تقضي برفض طلب التحقيق ولو من تلقاء نفسها. فذلك أمر متروك لمطلق تقدير المحكمة”.

 

ويرى غالبية الفقه أن تقدير مدى تعلق الواقعة بالدعوى من المسائل التي تترك تقديرها لقاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض.

 

ونحن نعتقد على خلاف ذلك أنه يجب أن نفرق في هذا الشأن بين حالتين:

 

الحالة الأولى :

 

التي يرد فيها الإثبات على الواقعة التي تعد بذاتها مصدراً مباشراً للحق. يجب على القاضي في هذه الحال أن يقدر ما إذا كانت تلك الواقعة من شأنها أن تبرر طلب المدعى وإعطائها الوصف أو التكييف القانوني اللازم وينظر في مدى تعلق الواقعة بالدعوى. ومثل هذا النظر يعد من المسائل القانونية التي يخضع فيها القاضي لرقابة من محكمة النقض.

 

الحالة الثانية :

 

وهي التي يرد فيها الإثبات على واقعة أخرى متصلة بالواقعة مصدر الحق المتنازع فيه. فإن تقرير اتصال هذه الواقعة بالدعوى هو من إطلاقات قاضي الموضوع التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض مادام حكمه كان مبنياً على أسباب قانونية سائغة.

 

أما من ناحية تسبيب حكم القاضي في مدى اتصال الواقعة بموضوع الدعوى ومدى خضوعه لرقابة محكمة النقض فيجب أيضاً أن نميز بين فرضين أيضاً:

 

الفرض الأول :

 

إذا ما قبلت محكمة الموضوع إثبات الواقعة. فمعنى ذلك أن المحكمة قدرت اتصالها بالدعوى. فلا يجوز الطعن في حكمها هذا بالنقض مادام أن الأخذ بهذه الواقعة مقيد بقيد آخر هو كونها منتجة في الدعوى.

 

الفرض الثاني :

 

أن ترفض المحكمة إثبات الواقعة بحجة عدم اتصالها بالدعوى. ففي هذه الحالة ينبغي أن يكون رفضها مبني على أسباب سائغة ومقبولة. ويكون حكم المحكمة قابل للطعن عليه أمام محكمة النقض التي إن رأت أن أسباب الرفض غير سائغة عقلاً أو تنطوي على مسخ أو تشويه للواقعة يجوز لها نقض الحكم للقصور في التسبيب.

 

ويلاحظ أخيراً أن للمحكمة أن ترفض اعتبار الواقعة متعلقة بالدعوى حتى ولو اتفق الطرفان على خلاف ذلك. أما العكس غير صحيح. فلو أن الطرفان قد استبعدا الواقعة ولم يتعرضا لها في الإثبات. فلا تملك المحكمة قبول إثبات الواقعة وذلك تطبيقاً لمبدأ حياد القاضي.

 

 

الشرط الثاني

أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى

 

 

أولاً: المقصود بالشرط واستبعاد عدة معاني له

ومعنى هذا الشرط أن تكون الواقعة حاسمة في إسناد الحق إلى المدعي أو عدم إسناده إليه. أي يكون من شأنها لو ثبتت تغيير وجه الحكم في الدعوى.

 

وعلى هذا تكون الواقعة غير منتجة في الدعوى إذا كان يستوي في نظر القانون ثبوتها أو عدم ثبوتها حتى ولو كانت الواقعة متصلة بالدعوى كما سبق وأن بينا في الشرط السابق.

 

ومثال ذلك أن يدعي شخص أنه قد تملك عقاراً بالتقادم القصير على أساس أنه قد وضع يده عليه مدة عامين أو ثلاثة أعوام. فلا شك أن المحكمة إذا ما رفضت دعواه دون أن تمكنه من إثبات هذه واقعة وضع يده على الأرض فإن حكمها يكون متفقاً مع نصوص القانون؛ وذلك لأن واقعة وضع اليد على الأرض ـ بفرض ثبوتها ـ غير منتجة في إسناد حق الملكية للمدعي لأن التملك بالتقادم القصير يجب أن يكون بمضي خمس سنوات على الأقل.

 

 

وليس المقصود بهذا الشرط عدة معاني منها :

أولاً :

ليس المقصود بهذا الشرط أن تؤدي الواقعة الواحدة إلى إثبات ادعاء من يطلب إقامة الدليل (المدعي). بل يكفي أن تكون هذه الواقعة حلقة في سلسلة وقائع أخرى تؤدي إلى ثبوت الحق المدعى به. ولهذا فإن كل واقعة منتجة في الدعوى تكون متعلقة بها بينما العكس غير صحيح. فليست كل واقعة متعلقة بالدعوى منتجة فيها.

 

ثانياً :

ولا يفهم من ذلك لكي تكون الواقعة منتجة أنه يلزم بالضرورة أن يترتب عليها بذاتها أثر قانوني. فقد تكون الواقعة منتجة بهذا المعنى أي يترتب عليها بذاتها أثر قانوني. وقد تكون منتجة بمعنى آخر وهو أن يؤدي ثبوتها إلى ثبوت واقعة أخرى يترتب عليها الأثر القانوني. ومثال ذلك أن يطلب شخص آخر عقار جاره بالشفعة. ويريد لإثبات حقه في الشفعة أن يثبت أنه يملك ساقية وأن لجاره عليها حق ارتفاق. ففي هذا المثال يتقدم المدعي بطلب إثبات وجود الساقية التي تروي أرض الجار وله عليها حق ارتفاق أولاً (وهي واقعة ثابتة) ليتوصل إلى إثبات تملكه للأرض التي تقع فيها الساقية. وأن هذه الأرض هي ملك له. وأن عقار جاره الذي بيع والمراد أخذه بالشفعة يروى منها. فكل واقعة من هذه الوقائع السابقة تعد منتجة في الدعوى. فلو لم يثبت المدعى وجود الساقية أصلاً أو ثبت أنها ليست واقعة في الأرض التي يملكها أو أن عقار جاره لا يروى من الساقية لأدى ذلك إلى تغيير وجه الحكم في الدعوى. ومع ذلك فإن كل واقعة من هذه الوقائع على حدة لا تكفي وحدها لترتيب الأثر القانوني (الأخذ بالشفعة).

 

ثانياً: مدى رقابة محكمة النقض على تحقق هذا الشرط:

 

أما عن رقابة محكمة النقض في خصوص كون الواقعة منتجة أو غير منتجة في الدعوى فنرى أنه يجب التمييز بين حالتين:

 

إذا ما كانت الواقعة منتجة قانوناً في الدعوى فهذا يخضع لرقابة محكمة النقض. وهو ما يعني أن القاضي إذا ما أغفل بحث طلب أو دفاع جوهري أبداه الخصم ويترتب على الفصل فيه أن يؤثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم يعتبر حكمه باطلاً لقصوره في التسبيب.

 

أما إذا ما كانت الواقعة منتجة في إثبات واقعة أخرى يترتب عليها بدورها أثر قانوني. فهنا تكون الرقابة على التسبيب فقط إذا ما رفض القاضي اعتبار الواقعة داخلة في وعاء الإثبات بزعم أنها غير منتجة. بمعنى أنه ينبغي أن يكون رفض القاضي لإثبات الواقعة الأولى مبني على أسباب سائغة وإلا ينبغي نقض حكمه.

 

 

الشرط الثالث

أن تكون الواقعة جائزة القبول

أولاً: المقصود بالشرط

ويقصد بهذا الشرط ألا تكون الواقعة مستحيلة وألا يكون في القانون ما يمنع إثباتها. ونتناول هذا الأمر بشيء من التفصيل:

ألا تكون الواقعة مستحيلة:

قد تكون الواقعة مستحيلة التصديق عقلاً. كمن يدعي بنوته لشخص أصغر منه سناً. وقد تكون مستحيلة الإثبات. كمن يدعي واقعة مطلقة غير محددة كادعاء شخص الملك المطلق دون أن يحدد سبب التملك أو طبيعة الملك والشيء الذي يملكه.

 

ففي مثل هذه الأمثلة وغيرها لا يمكن قبول الواقعة في الإثبات من الناحية القانونية.

 

ألا يكون في القانون ما يمنع إثبات الواقعة:

 

يمنع القانون إثبات الواقعة إما لاعتبارات تتعلق بالسياسة التشريعية وإما لاعتبارات تتعلق بالصياغة القانونية.

 

ومن أمثلة النوع الأول أن القانون في جريمة القذف يمنع القاذف من إثبات صحة الوقائع التي أسندها للمقذوف في حقه. كما أن القانون يمنع من إثبات الواقعة إذا كانت مخالفة للنظام العام أو لحسن الآداب كمن أدعى أنه اشترى مخدرات ويطلب تسليمها إليه فلا يقبل منه إثبات هذه الواقعة. لكن يلاحظ في هذه الحال الأخيرة أنه إذا كان المدعي ممنوعاً من إثبات الواقعة التي يدعيها إن المدعى عليه ليس ممنوعاً من إثبات عدم مشروعية الواقعة ومخالفتها للنظام العام كما في إثبات الصورية التدليسية متى كانت مشوبة بمخالفة النظام العام أو الآداب العامة.

 

أما عن النوع الثاني وهي الوقائع التي يمنع القانون إثباتها لاعتبارات تتعلق بالصياغة القانونية فيجب أن نفرق هنا بين عدة فروق لمعرفة معنى الصياغة الفنية:

 

الفرق بين جواز قبول الواقعة وجواز قبول الدليل

من الوقائع ما لا يجوز إثباته مطلقاً بأي دليل. كالوقائع المستحيلة بطبيعتها كإدعاء شخص ملكيته لقطعة أرض على سطح القمر والوقائع التي منع القانون إثباتها كوقائع القذف.

 

ومن الوقائع ما يجوز إثباتها ولكن بدليل معين لا يقبل سواه. كواقعة الزنا حيث يحدد القانون الأدلة التي تقبل لإثباتها.

 

ومن الوقائع ما يجوز إثباتها ولا يقبل فيه دليل معين. كالتصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسمائة جنيه فلا يجوز الإثبات فيها بشهادة الشهود ( البينة ).

 

ومن الأدلة ما يجوز قبوله من حيث المبدأ ولكن يحرمه القانون في بعض الحالات. كما في الحالة التي يكون فيها الشاهد قد اتصل علمه بالواقعة التي يطلب للشهادة فيها إما بحكم عمله أو بحكم علاقة الزوجية أو القرابة لأحد الخصوم في الدعوى.

 

الفرق بين جواز قبول الواقعة وقبول الدعوى

قد تكون الواقعة مما يجوز إثباته ولكن يحكم بعدم قبول الدعوى المقامة بمقتضاها لعيب في إقامة الدعوى لا في الواقعة نفسها. كانعدام صفة المدعي أو أهليته.

 

وعلى العكس قد تتوافر في الدعوى شرائط قبولها وتدخل في حوزة المحكمة ومع ذلك تثور فيها واقعة لا يجوز إثباتها. فلا تعتبر واقعة في وعاء الإثبات.

 

الفرق بين جواز قبول الواقعة وقابليتها للإثبات

يرى بعض الشراح أن جواز قبول الواقعة هو ذاته جواز قابليتها للإثبات. ويقولون أن جواز قبول الواقعة يستلزم أن تكون موجودة ومحددة ومتصلة بالدعوى ومنتجة فيها. وهذا الرأي ليس له أساس من الصحة لأن جواز قبول الواقعة يستند في المقام الأول إلى مدى إنتاجها في الدعوى ويستلزم هذا ألا يكون ثمة مانع من ترتيب الأثر على الواقعة ( كونها جائزة القبول ) كما يستلزم بداءةً تحديدها أما غير ذلك من الشروط فهو تزيد لا معنى له. لذلك فإننا نرى أن جواز قبول الدعوى له معنى خاص هو ألا يكون ثمة عارض ـ من استحالة قانونية أو عقلية ـ يمنع من ترتيب الأثر القانوني على الواقعة أو إقناع القاضي بوجودها. أما عبارة قابلية الإثبات فمعناها كما أوضحنا في بداية الحديث عن هذا الشرط هو ألا تكون الواقعة مستحيلة وألا يكون في القانون ما يمنع إثباتها.

 

 

 

المبحث الثاني

شهادة الشهود

( البينـــــــة )

 

أولاً: أحكام الشهادة

تعريف شهادة الشهود ( البينة )

 

شهادة الشهود هي إخبار شخص أمام القضاء بواقعة من غيره ويترتب عليها حق لغيره. والشهادة على هذا النحو شهادة مباشرة أي أن الشخص يخبر بما وقع تحت سمعه وبصره. أما إذا كانت الشهادة سماعية أي سمعها الشخص عن رواية الغير فهي تعتبر شهادة غير مباشرة وهي بهذا المعنى الأخير لا تعتبر شهادة بالمعنى القانوني وإنما تعتبر قرينة فقط.

 

الجهة التي يتم أمامها الشهادة

والشهادة على هذا النحو يتم الإدلاء بها أمام القضاء بعد حلف اليمين إلا إذا كان الشاهد عمره يقل عن خمسة عشر عاماً فإن أقواله تسمع بغير يمين وعلى سبيل الاستدلال.

 

كيفية أداء الشهادة

ويجب أن تؤدي الشهادة أمام المحكمة شفاهة ولا يجوز أن يستعين الشاهد فيها بمفكرات أو مذكرات مكتوبة إلا إذا كانت طبيعة النزاع تتطلب ذلك كأن تكون دعوى حساب يستلزم فيها الرجوع إلى أرقام وبيانات حسابية لا تعيها الذاكرة العادية.

 

واستثناء من حكم القاعدة السابقة إذا كان الشاهد عاجزاً عن الكلام لسبب دائم أو عارض فإنه يجوز أن تأذن له المحكمة بأن يؤدي شهادته عن طريق الكتابة. كما يجوز أن تؤدي الشهادة بالإشارة إذا كان ذلك ممكناً.

 

هذا ويتم تدوين الشهادة بالجلسة أمام المحكمة أو القاضي المنتدب للتحقيق وبحضور الشهود.

 

تكييف الشهادة من الناحية القانونية ( ماهية الشهادة )

 

الشهادة عمل مادي لأنها مجرد إخبار عن أمر حصل والشاهد ليس إلا حاكياً له. وعلى ذلك فإنه لا يمكن اعتبار الشهادة تصرفاً قانونياً لأنها لا يترتب عليها انصراف أثر قانوني لما حدث في شأن الشاهد. كما أنه لا يمكن اعتبار الشهادة فعلاً نافعاً أو ضاراً لعدم توافر أركانهما. فهي إذن لا تعدو أن تكون مجرد عمل مادي أي واقعة مادية.

 

سلطة القاضي في تقدير شهادة الشهود

قضت محكمة النقض بأن قاضي الموضوع هو وحده صاحب الحق في تقدير ما يقدم إليه من أدلة في الدعوى. وعلى ذلك فإن الشهادة تكون خاضعة لتقدير قاضي الموضوع الذي لا يتقيد في تقديرها بعدد الشهود أو بصفاتهم الشخصية ولا يكون ملزما بتصديق جميع أقوال الشهود. كما يحق له أن يرجح شهادة شاهد على آخر وغير ملزم في ذلك ببيان أسباب الترجيح ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض.

 

ثانياً: الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود بحسب الأصل

الوقائع المادية

والوقائع المادية منها ما يكون بفعل الإنسان كالجرائم وحوادث السيارات. ومنها ما يكون بفعل الطبيعة كالزلازل والبراكين والحريق والجنون ومرض الموت. وعلى ذلك فإن طبيعة الوقائع المادية ـ وبخلاف التصرفات القانونية التي يستلزم القانون لإثباتها طرق معينة ـ تأبى طبيعتها باشتراط وسيلة معينة لإثباتها. فهي لذلك يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات بما في ذلك بالطبع وفي المقام الأول شهادة الشهود.

 

ويلاحظ أن العبرة بالواقعة محل الإثبات دون ما يترتب على ثبوتها من آثار قانونية. فإجازة العقد القابل للإبطال تصرف قانوني وليس واقعة مادية. ومع ذلك يجوز أن نستنتج هذه الإجازة من وقائع مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود.

 

المواد التجارية

إذا كان قانون الإثبات يتطلب الكتابة لإثبات التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن خمسمائة جنيه. فإن التصرفات والأعمال التجارية تخرج عن هذه القاعدة. وعلى ذلك فيجوز في خصوص التصرفات التجارية إثباتها بالبينة أيا كانت قيمة التصرف. ذلك أن اشتراط الكتابة في هذه الأعمال يتنافى مع متطلبات التجارة وما تقتضيه من ثقة متبادلة وسرعة.

 

ويجوز اللجوء للإثبات بالبينة فيما يوافق أو يخالف الكتابة في المواد التجارية وذلك بعكس القاعدة التي سوف نراها فيما بعد والتي تقضي بعدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة. ولكن مع هذا يجب أن نلاحظ أن القانون يتطلب الكتابة بالنسبة في بعض المواد التجارية كما في الأوراق التجارية. إذا لا يتصور وجود شيك مثلاً دون كتابة. وكذلك بالنسبة إلى عقود الشركات.

 

كما أنه يجوز الاتفاق بين الطرفين على اشتراط الكتابة لإثبات تصرفهم في المعاملات التجارية. وفي هذه الحالة لا يجوز إثبات المعاملة التجارية بالبينة.

 

والمرجع فيما إذا كانت المعاملة معاملة تجارية أم لا هو بالقانون التجاري. فهو الذي يحدد ما هي الأعمال التجارية ومن هو التاجر.

 

والقاعدة تقضي في هذا الصدد بأنه إذا كان طرفي التصرف تاجرين بشأن معاملة تجارية فإن لكل منهما أن يثبته بالبينة في مواجهة الآخر. أما إذا كان أحدهما تاجر والآخر غير تاجر أو كانا تاجرين بشأن معاملة مدنية. فإنه يجب أن يلتزم ـ في الحالة الأولى ـ التاجر في مواجهة غير التاجر بالإثبات بالكتابة فيما يجاوز خمسمائة جنيه. أما غير التاجر فلا يلتزم في مواجهة التاجر بإثبات هذا التصرف بالكتابة فله أن يثبت جميع التصرفات باستخدام كافة طرق الإثبات بما فيها البينة. وفي الحالة الثانية يجب على كل من الطرفين الالتزام بقواعد إثبات التصرفات القانونية المدنية والتي تشترط الإثبات بالكتابة فيما يجاوز خمسمائة جنيه.

 

التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسمائة جنيه

يجوز الإثبات بالبينة في التصرفات التي لا تجاوز قيمتها خمسمائة جنيه مصري بشرط ألا يكون هناك نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك ويشترط الكتابة في مثل هذه التصرفات.

 

فيمكن أن يشترط المشرع الكتابة في بعض التصرفات حتى ولو كانت قيمتها أقل من خمسمائة جنيه كما هو الشأن

في عقد الصلح والكفالة.

 

 

المحاضرة السابعة

المبحث الأول

مبدأ الثبوت بالكتابة

 

من أهم الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود استثناءً بالرغم من أن الأصل فيها هو الإثبات بالكتابة “وجود مبدأ ثبوت بالكتابة”. وسوف نتناول وجود هذا المبدأ من عدة جوانب كما يلي:

 

أولاً: تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة

يمكننا تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة كما عرفه قانون الإثبات ( م 62 إثبات ) بأنه:

” كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده ليست سنداً كاملاً بما يراد إثباته وإنما تجعله قريب الاحتمال”.

 

ثانياً: شروط الاعتداد بمبدأ الثبوت بالكتابة :

الشرط الأول : وجود كتابة .

لفظ الكتابة هنا يفسر بأوسع معانيه. فهو يشمل كل كتابة دون اشتراط أي شكل فيها أو وجود توقيع. فقد تكون الكتابة سنداً أو مجرد علامة ترمز للاسم أو توقيعاً أو غير ذلك. وقد يتكون مبدأ الثبوت بالكتابة من مجموعة أوراق لا ورقة واحدة.

 

لكن يلاحظ أنه لابد من وجود كتابة فمجرد القرائن وحدها لا تكفي لتكوين مبدأ الثبوت بالكتابة. وعلى العكس من ذلك فإنه يجب ألا تكون الكتابة معتبرة دليلاً كاملاً لأنها لو اعتبرت كذلك لا تكون بداية للثبوت. بل يعتبر الثبوت بها تاماً. فمبدأ الثبوت هو دليل كتابي ناقص وليس تام.

 

كما يلزم أن تكون هناك ورقة بالفعل يقوم صاحب المصلحة بتقديمها إلى المحكمة. فلا يصح إثبات مضمون الورقة بشهادة الشهود أو القرائن وإلا لكان الإثبات كله بهذه الأدلة.

 

على أن يلاحظ أنه إذا اعترف الخصم في ورقة مكتوبة أنه سبق وقام بتحرير ورقة تتضمن تصرفاً معيناً بحيث تجعل هذه الكتابة الحق المدعى به قريب الاحتمال. فإن هذا الاعتراف المكتوب يقوم مقام وجود الورقة المشار إليها فيه ويبيح الإثبات بالشهود والقرائن.

 

الشرط الثاني : صدور الكتابة من الخصم

يجب أن تكون الكتابة صادرة من الخصم أي من الشخص الذي يراد التمسك عليه بالكتابة. وبمعنى آخر يجب أن تكون الكتابة منسوبة إلى الخصم. سواءً كانت محررة منه شخصياً أو من نائبه كوكيل له أو وصي عليه. وعلى ذلك يمكن اعتبار أقوال المحامي أثناء المرافعة المدونة في مذكراته مبدأ ثبوت بالكتابة يمكن التمسك به ضد الوكيل إن لم تكن دليلا كاملا.

 

ويمكننا تصور أربع صور للورقة التي تعد مبدأ ثبوت بالكتابة:

 

الصورة الأولى : أن تكون الورقة مكتوبة بخط الخصم بلا توقيع

ومثالها أن يكتب الشخص بخطه مسودة عقد أو مشروع عقد أو بياناً بحساب يوقع عليه. وحين تكون الورقة المتضمنة لذلك في حوزة خصمه فيقدمها في الدعوى ضده تكون قرينة على صدق ادعائه بحصول ذلك العقد.

 

الصورة الثانية: أن تكون الورقة موقعاً عليها من الخصم فحسب

من الطبيعي أنه إذا وقع شخص على ورقة لا تحمل كتابة فمن العسير أن نتصور أن لهذا التوقيع دلالة معينة. ومع ذلك فمن الممكن أن تكون الورقة موقعاً عليها من شخص دون وجود أية كتابة وتكون لها دلالة تجعل منها مبدأ ثبوت بالكتابة. كمن يدعي أنه كان وكيلاً عن آخر في أمر ويقدم للدلالة على ذلك ورقة موقعاً عليها من ذلك الآخر على بياض. فيدعي من وقع عليها أنه كان يجرب قلماً أو يحاول تحسين خطه فوقعت الورقة تحت يد خصمه.

 

كذلك فإنه من المتصور أن يكون بالورقة كتابة توقيع من شخص وبها كتابة بخط شخص آخر ومع ذلك لا تعتبر دليلاً كاملاً بل تعتبر مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة. كما لو كان التوقيع غير كامل أو بالأحرف الأولى. أو وقع عليها بلقبه دون اسمه.

 

الصورة الثالثة: أن تكون الورقة بخط الخصم وتوقيعه

ومثالها أن يرسل شخص لآخر خطاب بخطه وتوقيعه يطلب منه فيها مهلة للوفاء بالدين دون أن يبين ماهية الدين أو مقداره. فيكون هذا الخطاب مبدأ ثبوت كتابي لا دليل قاطع للإثبات. كذلك الحال لو وجدت ورقة مكتوبة بخط شخص وتوقيعه ولكنها ممزقة أو متآكلة وقد جمعت أجزائها ولصقت بعضها ببعض. ويقاس على الحالة الأخيرة بالطبع حالة الورقة التي يكون مظهرها مثيراً للشبهة كما لو قدم شخص ورقة يدل شكلها على أنه قد انسكب عليها ماء أو تم غسلها بالماء. فلو ادعى صاحب التوقيع عليها أنه قد ألقى بها في مجرى مائي بعد أن استنفذت أغراضها فالتقطها خصمه ورفع بها دعوى. فتعد الورقة حينذاك مبدأ ثبوت كتابي.

 

الصورة الرابعة: ألا تكون الورقة بخط الخصم ولا بتوقيعه

وهذه الصورة يمكننا تصورها في الأقوال الواردة على لسان شخص في محاضر التحقيق المدنية أو الجنائية أو محاضر الجلسات سواءً كان متهماً أو أحد الخصوم. وتعد الورقة في هذه الحالة منسوبة إلى الخصم أيضاً بالرغم من كونها لم تكن بخطه أو بتوقيعه. كما يتصور أن تكون الورقة منسوبة إليه أيضاً وليس عليها خطه أو توقيعه في الأوراق غير الرسمية كما لو كانت الورقة مقدمه منه في دعوى أو حتى لو كانت مقدمة من خصمه ولكنه استند إليها واتخذها دليلا لنفسه فيعد قبوله لها حجة عليه.

 

ويتصور أن يكون مبدأ الثبوت بالكتابة في هذه الصورة سلبياً. ومثاله أن يحضر شخص حصر تركة شخص متوفى فلا يذكر أنه يداينه بدين ويوقع على محضر الحصر المتضمن بيان الديون التي على المتوفى بصفته شاهداً. ثم يرفع دعوى على الورثة يطالبهم بدين له كان في ذمة المتوفى. فيدفع الورثة دعواه بأن الدين قد سدد وإلا لما سكت عن إثباته في محضر حصر التركة الذي وقع عليه. فسكوت الشخص هنا يعد مبدأ ثبوت كتابي في خصوص واقعة سداد الدين.

 

الشرط الثالث : احتمال تصديق الادعاء

ومعناه أن يكون من شأن الكتابة أن تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال. وهذا الشرط بديهي يدل على أن الادعاء بالحق ليس مجرد من الأساس تجريدا تاما بل أن هناك مظنة كتابية على صحته. فيجوز تكملة هذه المظنة وتأكيدها بسماع الشهود فيصبح الدليل الناقص دليل كامل.

 

وهنا يمكننا وضع المبدأ الآتي: مبدأ الثبوت الكتابي + شهادة الشهود = دليل كتابي كامل.

 

ومسألة جعل التصرف قريب الاحتمال أو محتمل التصديق مسألة موضوعية يختص بتقديرها قاضي الموضوع من الأوراق المقدمة إليه في الدعوى.

 

ثالثاً: الأثر المترتب على الاعتداد بمبدأ الثبوت بالكتابة

يترتب على مبدأ الثبوت بالكتابة من ناحية أولى أنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان واجباً إثباته بالكتابة (م 62 إثبات)

 

ولكن ليس معنى هذا أن يصبح قبول الإثبات بشهادة الشهود حقاً للمدعي. وإنما يكون الأمر جوازياً للمحكمة. فلها أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود ولها أن ترفض ذلك. كما يجب أن يطلب المدعي السماح له بالإثبات بالبينة فلا تستطيع المحكمة في حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة أن تسمح به من تلقاء نفسها.

 

ومن ناحية ثانية فإنه ليس هناك إلزام على القاضي بقبول الدعوى التي يتوفر بالنسبة لها مبدأ الثبوت الكتابي. إذ أن المحكمة لها سلطة تقديرية في قبول أو رفض الدعوى حتى بعد سماع الشهود إذا لم يقتنع القاضي بهذه الشهادة.

 

لكن يستثنى من هذه النتيجة الأحوال التي يشترط القانون فيها الكتابة كركن في العقد كما في حالة الرهن الرسمي.

 

أما في الأحوال التي يشترط فيها القانون الكتابة باعتبارها الدليل الوحيد الجائز القبول في الإثبات كما في عقد الصلح والتحكيم. فقد اختلف الشراح فيها. فالبعض أجاز الاستعاضة عن الدليل الكتابي الكامل بمبدأ الثبوت الكتابي تكمله شهادة الشهود والقرائن. والبعض الآخر قرر عدم جواز ذلك. لكننا نرى أن هذا لا يجوز إذا كان دور الكتابة أقرب إلى تقرير شرط تكميلي كما هو الحال في عقد الصلح. وبالعكس تجوز الاستعاضة عن الدليل الكتابي بمبدأ الثبوت الكتابي في عقد الكفالة حيث يكون دور الكتابة قاصراً على مجرد الإثبات فحسب.

 

 

المبحث الثاني

المحررات الرسمية

 

أولاً: تعريف وشروط المحررات الرسمية

عرفت المادة العاشرة من قانون الإثبات المحررات الرسمية بأنها: “هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن. وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه”.

 

ويبين من هذا التعريف أنه يلزم توافر عدة شروط لكي يوصف المحرر بالرسمية هي :

 

الشرط الأول: صدور المحرر من موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة

والموظف العام هو كل من تعينه الدولة للقيام بخدمة عامة أو بعمل من أعمالها أو تنفيذ أوامرها سواءً كان يتقاضى أجراً على ذلك أم لا يتقاضى أجراً. وعلى ذلك فيعد موظفاً عاماً محضر المحكمة والعمدة والمأذون والقاضي وكاتب الجلسة والخبير والموثقون بصفة عامة.

 

الشرط الثاني: صدور المحرر من موظف عام في حدود سلطته واختصاصه

بمعنى أن تكون للموظف ولاية تحرير الورقة التي صدرت عنه. فإذا أصدر الورقة بعد عزله أو وقفه فإنها تكون باطله ولا يمكن وصفها بالورقة الرسمية.

 

كما يجب ألا يقوم مانع بالموظف يمنعه من إصدار الورقة. فلا يجوز أن يوثق الموظف محرراً يخصه هو أو يخص أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة.

 

كما يجب أن يدخل في اختصاصه إصدار مثل هذه الورقة في المكان الذي أصدر الورقة فيه. فلا يستطيع المأذون مثلاً أن يصدر شهادة ميلاد. كما لا يستطيع مأذون القاهرة أن يوثق عقود زواج في الإسكندرية.

 

الشرط الثالث: مراعاة الأوضاع القانونية في تحرير الورقة

يجب أن يلتزم الموظف في إصداره الورقة الأوضاع والشروط والقواعد التي قررها القانون لإصدار مثل هذه الأوراق. فلا بد أن يلتزم القاضي مثلاً بالأوضاع المقررة في تحرير الأحكام حتى يصبح الحكم ورقة رسمية. وهذه الأوضاع قد تضمنتها اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق الصادر في 3 نوفمبر 1947. ويمكن تلخيص هذه الأوضاع فيما يلي:

 

يجب أن يوثق المحرر باللغة العربية وبخط واضح. وألا يشتمل على إضافة أو تحشير أو كشط. وأن يشتمل على كافة البيانات اللازمة للدلالة على تاريخ التوثيق وشخص الموثق ومكان التوثيق وأشخاص ذوي الشأن وأسماء الشهود. كما يجب على المحرر أن يتلو الصيغة الكاملة للوثيقة على ذوي الشأن ويجب أن يوقع الموثق والشهود وذوي الشأن عليها.

 

جزاء تخلف هذه الشروط أو بعضها:

 

إذا تخلفت هذه الشروط أو إحداها بأن صدرت الورقة مثلاً من غير موظف عام أو صدرت من موظف عام ولكنه غير مختص أو صدرت من موظف عام مختص ولكنه لم يلتزم بالأوضاع القانونية المقررة لتحرير الورقة. فإن الورقة تكون باطلة. ولكنها لا تفقد كل قيمتها بل تكون لها قوة المحررات العرفية متى كانت موقعة من ذوي الشأن. إذا لم تكن الرسمية أحد أركانها. أما لو كانت الرسمية أحد أركانها فإن فقدت الورقة صفة الرسمية تنعدم الورقة وينعدم من ثم التصرف الصادر بناء عليها لفقده أحد أركانه.

 

ثانياً: حجية المحررات الرسمية في الإثبات

إذا توافرت الشروط السابق بيانها في المحرر فإنه يعتبر محرر رسمي ويعتبر حجة بذاته. فلا يطلب ممن يتمسك به أن يقيم الدليل على صحته بل يكون على الخصم الذي ينازع فيه أن يقيم الدليل على صحة إدعاءه ببطلان المحرر عن طريق دعوى التزوير. ولكي يكتمل للمحرر الرسمي حجيته هذه يجب أن يكون مظهر المحرر دالاً على رسميته. فلا يكون به كشط أو محو أو حذف أو إضافة أو تحشير. فإذا وجد شيء من ذلك بالمحرر فإن ذلك يعيبه بما يجعل للمحكمة أن تحكم من تلقاء نفسها بإهدار حجية هذا المحرر وتدعو الموظف الذي أصدره ليبدي أقواله في هذا العيب.

 

حجية البيانات المدونة بالمحررات الرسمية

المحرر الرسمي يعتبر حجة بصحة ما دون فيه من بيانات ولا يمكن نقض حجية هذه البيانات إلا بالطعن بالتزوير. وتثبت الحجية فقط للبيانات التي أثبتها الموظف العام بنفسه. أو التي وقعها ذوي الشأن في حضور الموظف العام. أما البيانات التي وقعها ذوو الشأن في غير حضور الموظف العام واقتصر دور الأخير فقط على تدوينها تحت مسئوليتهم لا تعتبر حجة.

 

حجية المحررات الرسمية بالنسبة للأشخاص

المحررات الرسمية حجة على الكافة. فهي ليست حجة على أطرافها فقط وإنما تنصرف حجيتها إلى الكافة وبالتالي فلا يستطيع أطراف المحرر الرسمي أو غيرهم إنكار ما جاء به من بيانات مما يلحقه وصف الرسمية.

 

أما غير ذلك من البيانات التي لا تحوز الحجية كأن دونت بمعرفة ذوي الشأن في غير حضور الموظف أو كانت في حضوره ولكن دونها خارج نطاق سلطته واختصاصه. فلا تحمل وصف الرسمية ويجوز نقضها سواءً من قبل الأطراف أو الغير بطرق الإثبات العادية.

 

حجية صور المحررات الرسمية

نظراً لانتشار التصوير الضوئي فقد سوى القانون بين الصور الخطية من المحررات الرسمية والتي تتم أمام الموظف العام أو الموثق والصور الضوئية التي تتم أمامه أو بمعرفته. ولبيان حجية هذه الصور يجب التمييز بين فرضين:

 

 

 

 

أولاً : حالة وجود أصل الورقة الرسمية

إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً فإن صورته الرسمية خطيه كانت أو فوتوغرافية (ضوئية) تكون حجة بالقدر الذي تكون مطابقة للأصل. وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين وفي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل.

 

لكن يلاحظ أن الصورة هنا محررة بواسطة موظف عام أو بمعرفته. لذلك يفترض القانون أنها مطابقة للأصل ما لم يثبت العكس بإنكار أحد الأطراف. وعلى ذلك إذا لم ينكر أحد الأطراف صورة المحرر الرسمي في قضاء أول درجة مثلاً فلا يستطيع إنكار حجيتها في قضاء ثاني درجة أو أمام محكمة النقض.

 

ثانياً : حالة عدم وجود الأصل

إذا لم يوجد أصل المحرر الرسمي كانت الصورة حجة على الوجه الآتي:

 

يكون للصورة الرسمية الأصلية التي أخذت عن طريق الموظف المختص حجية الأصل متى كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتها للأصل.

 

يكون للصورة الرسمية المأخوذة من الصورة الأصلية الحجية ذاتها ولكن يجوز في هذه الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة الأصلية التي أخذت منها.

 

أما ما يؤخذ من صور رسمية للصور المأخوذة من الصورة الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الاستئناس تبعاً لظروف الحال.

 

 

 

 

المحاضرة الثامنة

المبحث الأول

المحررات العرفية

 

أولاً: المقصود بالمحررات العرفية

المحررات العرفية :

 

هي تلك المحررات التي يصدرها الأفراد دون تدخل من موظف عام في تحريرها. ولا يهم بعد ذلك لما إذا كانت المادة التي يكتب عليها هي الورق أم القماش أم الجلد. كما لا يهم ما إذا كانت المادة المستعملة في الكتابة عليها هي الحبر أم القلم أم آلة حادة كالنقش. وسواءً كانت مكتوبة بخط اليد أم بآلة كاتبة أم مطبوعة. كما لا تهم لغة الكتابة.

 

والمحررات العرفية إما أن تكون معدة للإثبات مسبقاً. فيكون ذوو الشأن قد وقعوها مسبقاً لتعد بذلك أدلة كاملة للإثبات. وقد تكون غير معدة للإثبات ومع ذلك يعطيها القانون قوة الإثبات.

 

ثانياً: شروط المحررات العرفية المعدة للإثبات

أن يكون بالمحرر كتابة مدونة مثبتة لواقعة معينة

والكتابة هي التي تعبر عن الواقعة المثبتة في المحرر العرفي. ولا يشترط فيها أن تكون بخط موقع الورقة. وقد تكون بآلة كاتبة. ولا يشترط فيها لغة معينة. كما يمكن أن تكون برموز متفق عليها. كما لا يشترط فيها أن تتم بصيغة معينة أو بعبارات معينة.

 

أن تكون الكتابة موقعة من الشخص المنسوبة إليه

التوقيع هو الذي ينسب محتوى الورقة للملتزم بها أو لصاحب التوقيع بشرط أن يأتي التوقيع باسم الموقع ولقبه كاملين فلا يكفي التوقيع بالحروف الأولى أو التوقيع المختصر.

 

ولا يشترط أن يأتي التوقيع بالاسم الحقيقي للموقع. كما يمكن أن يأتي التوقيع بإمضاء الشخص أو بختمه أو بصمة يده.

 

ويلاحظ أن الورقة إذا خلت من التوقيع فإنها لا يكون لها حجية المحررات العرفية. وإنما يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت كتابي إذا كانت بخط يد المدين.

 

والقاعدة في هذا الشأن أنه إذا ثبت توقيع أحد الخصوم على الورقة فإنها تصبح حجة عليه بما ورد فيها بصرف النظر عما إذا كان صلب الورقة محرراً بخطه أو بخط غيره.

 

التوقيع على بياض

يجوز أن يوقع الشخص على ورقة على بياض ويسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه. ويحدث هذا كثيراً في الشيكات. فإذا ما ملأت الورقة بالبيانات بعد التوقيع فيصبح لها من الحجية ما للورقة التي كتبت أولاً ثم وقعت بعد ذلك.

 

وفي حالة ما إذا كان من سلمت إليه الورقة غير أمين وكتب بها بيانات غير حقيقية. فللطرف الأخر أن يثبت عكس ذلك وفقاً للقواعد العامة في الإثبات. ولا يستطيع أن يثبت عكس ما هو ثابت بالكتابة إلا بالكتابة.

 

وإذا نجح الشخص في إثبات أن هذه البيانات التي دونت على توقيعه على بياض غير صحيحة اعتبر الدائن مرتكباً لجريمة خيانة أمانة ويعاقب وفقاً لنصوص قانون العقوبات. وإذا كان من دون البيانات الغير صحيحة قد تعامل بالورقة مع الغير حسن النية الذي لا يعلم بحقيقة الورقة فلا يستطيع المدين أن يتخلص من التزامه قبل هذا الغير.

 

ثالثاً: حجية المحررات العرفية في الإثبات

للمحررات العرفية الحجية من ثلاث وجوه:

1- حجية المحررات العرفية بصدورها ممن وقعها

لأن الورقة العرفية لا يتدخل موظف عام في تحريرها بخلاف الورقة الرسمية. فيكفي الشخص إذا ما احتج بالورقة العرفية عليه أن ينكر ما بها من بيانات أو ينكر نسبتها إليه. حتى يقع على الدائن في المتمسك بهذه الورقة في هذه الحال عبء إثبات صدور التوقيع منه.

 

وعلى ذلك فإن الورقة العرفية تعد حجة بما دون فيها على من نسب إليه توقيعه عليها إلا إذا أنكر مضمون الورقة أو ذات التوقيع أو الختم وكان إنكاره صريحا وواضحاً فلا يكفي مجرد التشكيك في حصول التوقيع منه. كما أن سكوته لا يعتبر إنكاراً بل هو في هذه الحالة إقرار بأن هذه الورقة تخصه وأن البيانات المدونة بها صحيحة.

 

الاعتراف ببصمة الختم وإنكار التوقيع بها:

 

وقد يعترف المدين في الورقة العرفية بأن الختم ختمه. ولكنه ينكر أنه وقع به وذلك مقصور الحدوث على الحالة التي يكون فيها الختم قد فقد منه أو أعطاه لشخص غير أمين فاستغله. فهل نعتبر موقفه هذا عبارة عن إنكار للتوقيع فنكلف الدائن بإثبات حصول التوقيع؟ أم نعتبر أن موقفه هذا اعتراف بأن هذا توقيعه وعليه أن يثبت أن الدائن تحصل عليه بطريق غير مشروع؟. في الإجابة على هذا السؤال تردد القضاء بين الرأيين السابقين قبل أن يستقر على الرأي الأول وهو:

 

أنه إذا اعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم يخصه أو متى ثبت ذلك بعد الإنكار فلا يطلب من المتمسك بالورقة العرفية أي دليل آخر لاعتماد صحة الورقة. ولا يستطيع الخصم التنصل مما تثبته الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه أو ختمه الصحيح على الورقة وأقام الدليل على صحة ما يدعيه.

2- حجية البيانات المذكورة بالمحرر العرفي

إذا تقرر صحة نسبة محرر عرفي إلى شخص سواءً باعترافه أو ثبوت ذلك بعد الإنكار. فإن المحرر العرفي يصبح في قوة المحرر الرسمي وتكون له حجية في مواجهة أطرافه وبالنسبة للكافة. وبمعنى أخر أنه إذا ادعى من يتمسك ضده بالمحرر أو غيره أن البيانات المثبتة فيه أصابها التحوير أو الإضافة فلا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بسلوك طريق الطعن بالتزوير.

 

ولكن اعتراف شخص بأن نسبة الورقة العرفية إليه صحيحة لا يمنعه من أن يدعي أن البيانات المدونة بها غير صحيحة. ولكن عليه هو إثبات صحة ما يدعيه في هذه الحال.

3- حجية تاريخ المحرر العرفي

إذا ثبت صحة التوقيع على محرر عرفي سواءً بإقرار الخصم أم بإثبات ذلك بعد الإنكار. فإن هذه الورقة العرفية تحوز الحجية في مواجهة أطرافها وبالنسبة للكافة. لكنها لا يكون لها حجة على الغير بالنسبة للتاريخ المدون بها إلا إذا أصبح التاريخ ثابت.

 

والتاريخ الثابت تكون حجيته في مواجهة الغير أقوى من حجيته في مواجهة أطراف المحرر العرفي. إذ أن تكذيب التاريخ الثابت من جانب الغير يستلزم اتخاذ سبيل الطعن بالتزوير. في حين أن تكذيب التاريخ العرفي بين الأطراف لا يستلزم أكثر من تقديم الدليل الصحيح طبقاً للقواعد العامة في الإثبات.

 

المقصود بثبوت التاريخ في الورقة العرفية

مما لا شك فيه أن الوسيلة الأولى التي تجعل التاريخ ثابت حتى يحتج به في مواجهة الغير هو تدخل شخص له صفة رسمية في تحديد تاريخ الورقة العرفية. والصورة الطبيعية لهذه الوسيلة هي قيد المحرر في السجل المعد لذلك في مكاتب التوثيق التابعة للشهر العقاري.

 

أما عن الوسائل الأخرى في طرق إثبات التاريخ فقد نصت عليها المادة 15 إثبات وهي:

 

إثبات مضمون المحرر في ورقة أخرى ثابتة التاريخ

التأشير على المحرر العرفي من موظف عام مختص

وجود خط أو توقيع لشخص توفى أو أصابه عجز جسماني

وقوع حادث يقطع بأن الورقة صدرت قبله

المقصود بالغير في ثبوت التاريخ:

 

لا يعني تعبير الغير بالنسبة لثبوت التاريخ أي شخص غير أطراف المحرر العرفي. وإنما الغير هنا له معنى خاص يقتصر على الشخص الذي يراد الاحتجاج عليه بالمحرر. ويشمل:

 

الخلف الخاص:

 

وهو كل من تلقى من سلفه حقاً عينياً على عقار. كالمشتري الذي يعتبر خلفاً للبائع. فمشتري العقار المؤجر يعتبر من الغير بالنسبة لعقود الإيجار الصادرة من البائع ولا تسري في حقه إلا إذا كانت لها تواريخ ثابتة سابقة على شرائه العقار.

 

الدائن الحاجز:

 

هو الذي أوقع حجز على مال مملوك للمدين سواءً تحت يد المدين نفسه أو تحت يد الغير. وهو يعد من الغير بالنسبة للتاريخ فلا ينفذ في حقه إلا إذا كان ثابت وسابق على الححز.

 

الدائن المرتهن

الدائن المرتهن هو الذي يتمتع برهن على أحد عقارات المدين. وهو يعد من الغير بالنسبة لعقود الإيجار التي أبرمها المدين على العقار المرهون. فلا يسري التاريخ في حقه إلا إذا كان ثابت وسابق على تنبيه نزع الملكية.

 

الدائن الذي يرفع دعوى عدم نفاذ التصرفات

إذا رفع الدائن الدعوى البولصية. فإنه يعتبر من الغير بالنسبة لتصرف مدينه الذي أضر به وبالضمان العام. فيجب أن يكون هذا التاريخ ثابت حتى ينفذ في حقه.

 

دائنو المفلس

وكذلك يعد دائنو التاجر المفلس من الغير بالنسبة لمعاملاته المدنية حيث يرتب القانون على شهر إفلاس التاجر رفع يده عن إدارة أمواله. فلا يكون التصرف الذي يجريه نافذا في حق دائنيه إلا إذا كان تاريخ ثابت سابق على إشهار الإفلاس.

 

ضرورة توفر حسن النية

يترتب على اعتبار كل من ذكرناهم من الغير أن تاريخ المحرر العرفي لا يكون حجة عليهم إلا إذا كان ثابتاً ولا يطلب منهم إثبات عدم صحة هذا التاريخ. بل يكفيهم أن يتمسكوا بعدم ثبوته حتى لا يحتج به في مواجهتهم. ولكن يشترط لإمكان ذلك أن يكون الغير حسن النية. أي أنه لا يعلم وقت إبرام التصرف أن تصرفه كان يسبقه التصرف المثبت بالورقة العرفية.

 

من لا يعتبر من الغير:

 

إذا كان الغير محصوراً في الأشخاص المذكورة آنفاً فكل ما عداهم يسري عليه تاريخ الورقة العرفية حتى ولو لم يكن ثابتاً وفقاً للمعنى المتقدم ذكره. وعلى ذلك فالدائن العادي والخلف العام لا يلزم ثبوت تاريخ الورقة للاحتجاج بها عليه.

 

استثناء المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ:

 

ويستثني القانون المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ في خصوص ما إذا حجز الدائن ما لمدينه لدى الغير فقدم مدين المدين مخالصة تفيد وفاءه. فلا يطلب منه أن تكون المخالصة ثابتة التاريخ قبل توقيع الحجز. ولما كان من المحتمل تغيير تاريخ المخالصة إضراراً بالدائن الحاجز. فقد جعل القانون هذا الاستثناء جوازي للقاضي فله أن يحكم به إذا ما وجد من ظروف الدعوى ما يبرر عدم تطلب ثبوت تاريخ المخالصة.

 

حجية صور المحررات العرفية

الأصل أن صور المحررات العرفية ليس لها حجية في الإثبات. ذلك أن الصورة تكون نسخة من الأصل وتكون خالية من التوقيع. ومع ذلك فإن هناك نوع من المحررات العرفية كان ينبغي على المشرع أن يجعل لصورتها قوة في الإثبات. وهي المحررات العرفية المسجلة. فهذه المحررات تتقضي قواعد الشهر أن تحفظ أصولها في مكاتب الشهر العقاري ويعطى منها صورة ضوئية أو فوتوغرافية لذوي الشأن. لكن المشرع لم يجعل لهذه الصور الحجية.

 

المبحث الثاني

عدم جواز نقض المكتوب بالبينة

أولاً: المقصود بالقاعدة

قد نص القانون في المادة 61 فقرة أولى منه على أنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على خمسمائة جنيه فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي.

 

ثانياً: شروط تطبيق القاعدة

وجود الكتابة

يعني يلزم وجود دليل كتابي كامل. فلا يكفي أن تكون هناك ورقة موقع عليها على بياض أو دفاتر تجارية أو مذكرات أو مراسلات ولا يكفي وجود مبدأ ثبوت كتابي.

 

أن يراد نقض هذه الكتابة

أي يراد إثبات ما يخالف هذه الكتابة أو ما يجاوزها. وما يخالف الكتابة يعني هدم ما جاء بالكتابة أو ينقصه أو يعدل فيه. وما يجاوز الكتابة يعني أن يضيف عليه وصفاً أو شرطا.

 

أن يكون معارض الكتابة أحد المتعاقدين

فإذا كان الذي يريد أن يثبت عكس الكتابة أو ما يجاوزها من الغير. فيجوز له إثبات ما يدعيه بشهادة الشهود لأنه لم يكن طرفاً في العقد.

 

ويرجع هذا الحكم لدى بعض الفقهاء أن الشخص إذا كان أجنبياً عن العقد فيكون هناك مانعاً مادياً يحول دونه والحصول على أي دليل كتابي يناقض به الدليل المعد بين الأطراف.

 

ويرجع هذا الحكم لدى البعض الآخر من الفقهاء إلى أن العقد يعد تصرفاً قانونياً بالنسبة لعاقديه فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة. أما بالنسبة للغير فهو واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما في ذلك الشهادة.

 

ألا يكون هناك غش ضد القانون

والغش نحو القانون مثاله أن تكون ثمة ورقة ثابت فيها مديونية شخص بمبلغ ومذكور فيها أن المبلغ ثمن بضاعة والواقع أنه دين قمار. على أنه يجب في هذه الحالة أن تقوم قرائن على الغش نحو القانون عند الإدعاء به حتى يمكن إتاحة الإثبات بشهادة الشهود. وإذا تبين للقاضي وجود هذا الغش ففي هذه الحالة يبيح نقض المكتوب بالبينة حتى بين المتعاقدين.

 

ثالثاً: مجال تطبيق القاعدة

هذه القاعدة تنطبق على التصرفات القانونية فحسب دون الوقائع المادية. كما أنها تطبق على التصرف القانوني أياً ما كانت قيمته سواءً يزيد أو يقل عن خمسمائة جنيه.

 

ولكن اختلف الفقه في تطبيقها على التصرفات التجارية بالإضافة إلى التصرفات المدنية. ونرى أنه يجب تطبيقها أيضاً على التصرفات التجارية لأن نص القانون لم يستثني المواد التجارية من القاعدة الحالية فنصت المادة 61 على عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة ولم تستثني المواد التجارية ولو أن المشرع أراد استثناء هذه المواد من حكم القاعدة محل الحديث لنص على ذلك صراحةً.

 

رابعاً: مسائل لا يعمل فيها بهذه القاعدة

الوفاء

إذا كان محل الإثبات هو وفاء الالتزام أو تنفيذه فلا يعتبر ذلك إثباتاً لما يخالف الكتابة أو يجاوزها. لأن تنفيذ الالتزام أو وفاءه يعتبر مسألة مستقلة عن واقعة الالتزام ذاتها فيكون إثباتها طبقاً للقواعد العامة أي بالكتابة إذا ما زادت عن خمسمائة جنيه لو كانت عمل قانوني أي تصرف قانوني. أما إذا ما كانت عمل مادي أو تصرف قانوني تقل قيمته عن خمسمائة جنيه فيجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن.

 

تفسير العقد

يجوز الالتجاء إلى البينة لتفسير العقد وجلاء غموضه لأن محكمة النقض قد أجازت إثبات ذلك بالقرائن. فمن باب أولى يجوز إثباته بالبينة.

 

التاريخ

إذا لم يذكر في الورقة المكتوبة تاريخ كتابتها فيجوز إثبات هذا التاريخ بالبينة لأنه واقعة مادية. ولا يعد ذلك مناقضة للمكتوب. لأن التاريخ لم يكن مكتوباً أصلاً. وإذا قيل أن ذلك سيجاوز المكتوب إن لم يكن يخالفه. فيمكننا الرد على ذلك بأن كون العقد تحرر في تاريخ معين إنما هو حقيقة ثابتة وإثباتها لا يجاوز المكتوب وإنما يكون إثبات واقعة مادية.

 

أما لو كان التاريخ مذكوراً في العقد. فيجب على من يدعي تاريخ آخر غيره من أطراف العقد أن يقوم بإثبات التاريخ الجديد بالكتابة طبعاً لأنه لا يجوز أن يثبت خلاف ما هو ثابت بالكتابة إلا بكتابة مثلها.

 

أما الغير كما سبق وأن قلنا فيستطيع أن يثبت ذلك التاريخ الذي يدعيه بشهادة الشهود وبكافة طرق الإثبات. لأنه يعد من الغير وإثبات التاريخ بالنسبة له واقعة ماديه.

اترك تعليقا