دراسه قانونيه في الزواج العرفي
دراسه قانونيه في الزواج العرفي
دراسه قانونيه في الزواج العرفي
مؤسسة حورس للمحاماه 01129230200
محتويات
- 1 بحــــث في الزواج العرفي قانوناً
- 2 الجزء الأول
- 3 خطة البحث
- 4 تمهيـــــــــــــد
- 5 المبحث الأول: تحديد مدلول الزواج العرفي
- 6 المبحث الثاني: حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون
- 7 الجزء الثالث: اثبات الزواج في المذهب الحنفي
- 8 الجزء الرابـــع: تحديد الدعاوى التي لا يسري عليها القيد بالنص القانوني عليها
الجزء الأول
الحمد لله رب العالمين .. به سبحانه تعالى على ما أراده منا نستعين … جعل الرجل و المرأة في زواج مقترنين … و جعل بينهما مودةً ورحمةً آمنين.. فكان ذلك آيةً في خلقه و في كتابه المبين .. حيث يقول لخلقه أجمعين : ” وَ مِنْ آيَاتِه أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة إنَّ فِي ذَلِك لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ ” آية رقم 21 سورة الروم . و الصلاة الكاملة و السلام التام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .. نصح الأمة و بلغ الأمانة حتى أتاه اليقين .. و كان من نصائحه و أوامره أن تزوجوا معشر الشباب و اظفروا بذات الدين .. و كان هو الأسوة الحسنة و المثل الحي في معاشرته لزوجاته أمهات المؤمنين .. فكان الزواج بذلك نعمة و أماناً لمن عرفه و قدره حق قدره من المتزوجين .. و لم يكن يوماً مجرد كلمات هيام و حب و أقسم على ذلك باليمين …. لكنه اليوم صار محلاً للشكوى و الأنين .. من الكثيرين متزوجين وغير متزوجين .. و أنا على ذلكم من الشاهدين……………. أما بعد….
فوسط بحر لجي من ظلمات السلوكيات و الأخلاقيات في مجتمعنا , و ضعف الإيمان في قلوب الناس و ذبول الضمير.. و انتشار الفساد.. كان لزاماً أن ينتج عن ذلك موجات من عواقب السوء.. جزاءً وفاقاً .. فكان أن طفى على السطح ما يسمى بالزواج العرفي .. حيث أُلْبِسَ الحقُ ثوبَ الباطل .. فالزواج العرفي في حقيقته الأصيلة زواج مستوفي لأركان و شروط الزواج الشرعي , غير أنه لم يسجل أو يوثق لدي الموظف المختص بإبرام عقود الزواج، فهو بذلك حق ، و لجأ إليه البعض بوصفه هذا لأسباب لا تخل بصحته ، و بحسن نية ، فكانت علاقاتهم شرعية صحيحة .. غير أن خراب الذمم .. و ضياع القيم .. أسفر عن نفوس مريضة و خبيثة اقتلعت من الزواج العرفي مضمونه الحق .. واتخذت من اسمه ستاراً لتبث من خلاله أغراضها الجنسية الأثيمة فقط.. و تحقيق مصالح خاصة غير مشروعة .. و بغير نية حقيقية في الزواج .. و كان أمراً مقضياً أن يلازم هذه الأغراض اخفاؤه عن الأعين و الآذان .. فوُجِد زواج بغيرشهود و بغير إعلان و لا علم به إلا لطرفيه فقط .. و وُجِد زواج آخر بشهود و لكن تم استكتامهم .. و هكذا…….. فكانت آثار كل ذلك ضارة بأطرافه و بالمجتمع .. بل و بثمرة هذه العلاقات و هم الأولاد … الأمر الذي لم يجد معه المشرع الوضعي مناصاً من التدخل التشريعي للتصدي للزواج العرفي – حلاله و حرامه – منعاً لمضاره و مفاسده .
و نظراً لخطورة موضوع الزواج العرفي على الأسرة و المجتمع ، و انتشاره في الآونة الأخيرة ، و تكاثر الندوات والمؤتمرات في محاولة لمناقشته وإيجاد حلول له ، لكل ذلك آثرت أن أتناول هذا الموضوع ، و قد كانت النية متجهة إلى إخراج البحث في صورة كتاب يطرح في الوسط القانوني خاصة و الثقافي عامة ، غير أن ظروفاً قد حالت دون ذلك ، و لكني مازلت على يقين أنه وقتاً ما سيكون له من النشر نصيب بمشيئة الله تعالى ، و قد قادني الفكر إلى بثه على شبكة الانترنت ، في عدة أجزاء تباعاً ، مقتصراً على المسائل القانونية لعدم اتساع المقام ، حيث ارتأيت عدم نشر الجزء الخاص بحكم الزواج العرفي و آثاره شرعاً ، اللهم إلا إذا إقتضى الحال بيان شئ من ذلك ، فأقدمت على ذلك ، مختلعاً من قوتي و حيلتي … ملتجئاً إلى من لا حو ل و لا قوة إلا به .. راجياً منه سبحانه و تعالى الهداية و التوفيق .. و أن يلقى هذا البحث قبولاً حسناً.. فعليه توكلت و إليه أنبت .. و هو حسبي و نعم الوكيل .
خطة البحث
هذا ، و قد أتممت خطة البحث الراهن – في إطاره المختصر – على نحو ما يلي :
تمهيد : أتناول فيه تعريف الزواج لغة و اصطلاحاً و تشريعياً ، و توثيقه ، و الواقع الذي ألجأ المشرع إلى التدخل التشريعي ، و كذا أسباب اللجوء للزواج العرفي.
مبحث أول : أتناول فيه تحديد مدلول الزواج العرفي وما يتشابه به .
مبحث ثان : حكم الزواج العرفي وآثاره قانوناً ، و في نهاية المبحث مسائل يثيرها الزواج العرفي .
ثم أنهيت البحث ببعض الاقتراحات و الحلول من وجهة نظري المتواضعة لمشكلة الزواج العرفي ، ثم خاتمة لهذا البحث .
و ها أنا ذا أشرع في افتتاح مهد البحث مستعيناً بالله ربي ، إنه نعم المولى و نعم النصير.
تمهيـــــــــــــد
1- تعريف الزواج : لغة وا صطلاحاً و تشريعياً :
التعريف في اللغة : للزواج في اللغة العربية معان عدة متقاربة ، فهو يأتي بمعنى الإقتران ، و الإزدواج ، و الإرتباط و الإختلاط ، فهو اقتران أحد الشيئين بالآخر و ارتباطهما بعد أن كان كل منهما منفصلاً عن الآخر ، يقول العرب : زوج الشئ بالشئ أي قرنه به ، و يقال تزوجه النوم أي خالطه ، و في القرآن الكريم يقول الله تعالى في سورة الصافات آية رقم 22 : ” احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوَاجَهُمْ ” ، أي و قرنائهم الذين كانوا يزينون لهم الظلم ، و منه قوله تعالى في سورة الدخان آية رقم 54 : ” وَ زَوَّجْنَاهُمْ بِحُوْرٍ عِيْن ” ، أي و قرناهم بحور عين ، و قد اشتهر معنى الزواج في اللغة باقتران الرجل بالمرأة . ( يراجع مشكوراً في تعريف عقد الزواج : أ د / محمد كمال الدين إمام – الزواج في الفقه الإسلامي – طبعة 1998 – ص24 ، المستشار/ محمد عزمي البكري – موسوعة الفقه و القضاء في الأحوال الشخصية – الكتاب الأول – الطبعة الرابعة – ص 48 ).
و تجدر الإشارة إلى أن كلمة النكاح تستخدم بمعنى الزواج ، و لفظ النكاح يطلق على العقد و على الوطء ، و على الضم حسيياً كان أو معنوياً ، كضم الجسم إلى الجسم و القول إلى القول ، و قد ذهب الحنفية إلى أن النكاح حقيقة في الوطء و مجازاً في العقد، و ذهب الشافعية إلى العكس . ( شرح فتح القدير للكمال بن الهمام – الجزء الثالث – ص 184 ، المستشار/ عزمي البكري – المرجع السابق – ص 48 هامش رقم 4 ).
التعريف عند الفقهاء ( الإصطلاحي ) :
قيل في تعريف الزواج بمعناه الإصطلاحي أو الفقهي أنه : عقد يفيد قصداً ملك استمتاع الرجل بالمرأة التي لم يمنع من نكاحها مانع شرعي ، و حل استمتاع المرأة بالرجل ، و هذا التعريف كما قيل دقيق ، فملك الاستمتاع فيه للرجل ، لأنه لا يصح لأحد غيره الاستمتاع بالزوجة بعقد أو بغير عقد ما دام حكم العقد الأول باقياً، أما بالنسبة لاستمتاع المرأة فإنه يثبت لها الحل ، لا الإختصاص ، فقد تشاركها في زوجها زوجة أخرى أو أكثر. ( د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 25 ). و قد عرفه بعض الفقهاء تعريفاً شاملاً ، فيقول فضيلة الشيخ الإمام الراحل محمد أبو زهرة أنه : عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و المرأة ، و تعاونهما ، و يحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات . ( الإمام / محمد أبوزهرة – الأحوال الشخصية – قسم الزواج – ص 19 ).
التعريف التشريعي :
وردت في بعض التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية في الدول العربية تعريفات لعقد الزواج، فقد عرفته المادة الأولى من التشريع السوري بقولها : ” الزواج عقد بين رجل و امرأة تحل له شرعاً، غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل ” ، و قد نقل التشريع العراقي للأحوال الشخصية المادة بألفاظها ، و نصت المادة الثالثة من التشريع الليبي على أن : ” الزواج ميثاق شرعي ، يقوم على أسس من المودة والرحمة و السكينة ، تحل به العلاقة بين رجل و امرأة ليس أحدهما محرماً على الآخر ” ، و قريب من ذلك نص المادة الأولى من التشريع اليمني ، و نص المادة الرابعة من التشريع الجزائري .
أما مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية فقد نص في مادته الخامسة على أن : ” الزواج ميثاق شرعي ، بين رجل و امرأة ، غايته انشاء أسرة مستقرة ، يرعاها الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة و رحمة “.
و ميزة هذه التشريعات أنها استبعدت ما شاع بين الفقهاء المتأخرين من أن الزوجة محل للاستمتاع و الخوض في الحديث عن المتعة ، و أظهر التعريف ما للزواج من مقاصد سامية في بناء المجتمع الصالح ، و لكن يعيب هذه التعريفات أنها غفلت عن عنصر جوهري ، هو موضوع العقد و لم تعرض لآثاره الشرعية .
و قد آثر مشروع القانون المصري للأحوال الشخصية للمسلمين الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية عدم تعريف الزواج ، و قيل بأن المشرع قد أحسن صنعاً بذلك ، لأن التعريفات عمل فقهي ، و ليس من حسن الصياغة التشريعية أن تكون في داخل متن التشريع إلا عند الضرورة ، و في أضيق الحدود.
( يراجع في التعريف التشريعي : د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 26 و ما بعدها ).
2- أركان الزواج و شروطه : إحالة :
نكتفي في شأن أركان و شروط الزواج بالإحالة إلى كتب الفقه ، فقد ملئت بشرح و بيان لها ، و سيكون لنا بيان لبعضها أثناء تطوافنا ببعض أحكام الزواج العرفي وفقاً لما يستلزمه المقام .
3- التوثيق ليس من الشروط الشرعية لعقد الزواج :
يبين من أركان و شروط عقد الزواج أن توثيق الزواج أو تسجيله في ورقة أو وثيقة لم يكن ركناً من أركانه ، أو شرطاً من شروط انعقاده أو صحته أو نفاذه أو لزومه ، فقد كان الزواج ينعقد صحيحاً دون توقف على شئ من ذلك ، ما دامت شروط العقد قد توافرت ، و هو العقد الذي كان معهوداً عند المسلمين إلى عهد قريب نسبياً، و قد كان الضمير الإيماني كافياً عند الطرفين في الإعتراف به ، و في القيام بحقوقه الشرعية على الوجه الذي يقضي به الشرع ، و يتطلبه الإيمان ، و سوف يرد فيما بعد شرح و بيان لذلك . ( يراجع في أركان و شروط عقد الزواج : د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 76 وما بعدها ، المستشار/ عزمي البكري – المرجع السابق – ص 55 وما بعدها ، المستشار/ حسين حسن منصور- المحيط في شرح مسائل الأحوال الشخصية – الزواج – ص 29 و ما بعدها ).
4- خطورة الواقع و تدخل المشرع :
لاحظ أولياء الأمر في العصر الماضي استغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة لعدم تسجيل عقد الزواج أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، حيث لم تشترط الشريعة الإسلامية ذلك حسبما سلف البيان ، و ذلك بإدعائهم للزوجية – حيناً – زوراً و بهتاناً ، معتمدين في ذلك على سهولة إثباتها بشهادة الشهود الذين لا يخشون في الباطل لومة لائم ، أو إنكارهم لها – حيناً آخراً – تخلصاً وتهرباً من حقوقها ، أو لغير ذلك من الأسباب ، مع عجز الطرف الآخر عن إثباتها أمام القضاء ، فأراد المشرع المصري التصدي لهذا التلاعب و العبث بأقدار الناس ، و صيانة الرجل والمرأة و الذرية من العواقب الوخيمة لذلك ، فاضطر إلى التدخل تشريعياً تحقيقاً للمصلحة العامة ، فمنع سماع دعوى الزوجية عند الإنكارإذا لم تكن الزوجية ثابتة بوثيقة زواج رسمية ، ثم تدخل مرة أخرى بعد أن استشرت ظاهرة الزواج العرفي وفاحت سوآته ، و ذلك بموجب القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، مبقياً على مبدأ المنع ، و معدلاً للنص في بعض جوانبه على ما سيرد فيما بعد .
5- أسباب اللجوء للزواج العرفي :
تتعدد أسباب اللجوء للزواج العرفي ، الذي يلجأ إليه الصغار و الكبار، إلا أنه يصعب تحديدها تحديداً جامعاً ، إذا أن ذلك يحتاج إلى كثير من الأبحاث و الإحصاءات الدقيقة والمتنوعة لحالاته التي لا يمكن حصرها ، فضلاُ عن أن هذا الزواج غالباً ما يتم سراً ، و قد أجهد الباحثون أنفسهم في ذلك و تعددت بهم السبل ، ومع ذلك فيمكن رد هذه الأسباب إلى : أسباب إجتماعية ، مادية أو اقتصادية ، ثقافية و أخلاقية ، قانونية ، و دينية . و على ذلك سنتحدث عن كل نوع من هذه الأسباب بإيجاز على النحو التالي :
أولاً : أسباب اجتماعية : منها :
أ – المكانة و المركز الأدبي للزوج ، لا سيما إذا كان متزوجاً بأخرى ، و يريد التزوج بامرأة أقل منه في المستوى الإجتماعي أو المادي ، كزواج المحامي من سكرتيرته ، أو رئيس الشركة أو مديرها من السكرتارية ، و زواج صاحب البيت من الخادمة ، و غير ذلك كثير، فلا يجد مناصاً من اتخاذ الزواج العرفي سبيلاً لذلك خشية من القيل والقال ، و حفاظاً على مركزه ومكانته أمام الناس .
ب – عدم رغبة الرجل المتزوج عند الزواج بأخرى ، في ترك أو تطليق زوجته الأولى ، حفاظاً منه عليها وعلى أولاده ، و حتى يتمكن من رعايتهم ، فيلجأ للزواج العرفي تحقيقاً لذلك .
ج – سفر الآباء إلى الخارج ، و الإكتفاء ، في رقابة ورعاية أولادهم ، بإرسال الأموال لهم ، مما أدى إلى سوء استغلال الأولاد لهذه الأموال ، عن طريق استغلالها في الزواج العرفي ، دون أن يجدوا محذراً منه أو مربياً .
د – رفض الآباء زواج الأبناء ممن يختارونها أو العكس ، لانتفاء التناسب الطبقي بين الفتى والفتاة ، الأمر الذي لا يجد معه الإبن أو الإبنة بداً من تنفيذ رغبته هو أو رغبتها هي دون علم أسرته أوأسرتها عن طريق الزواج العرفي .
هـ – اندثار كثير من الرجال بمعنى الكلمة ، الذين يدركون معنى المسئولية و مستلزماتها ، و الصواب والخطأ ، ويحسنون صنعاً ، و يسعون في الأرض صلاحاً ، و إذا أردنا أن نعرف معناً من معاني الرجولة أو الرجال ، فالنقرأ قوله تعالى في سورة النور آية 36 و 37 : ” فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهً أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصَال . رِجَالٌ لَا تُلْهِيِهِم تِجَارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْر اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكاةِ ، يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُ فِيه الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ ” ، و قوله تعالى في سورة الأحزاب آية 23 : ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ِرجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرْ ، وَ مَا بَدَّلُوْا تَبْدِيْلَا ” ، و في التعبير القرآني في تلك الآيات إشارة واضحة إلى الفرق بين الرجولة و الذكورة ، ذلك الفرق الذي لا يدرك معناه و يتحقق به إلامن كان له قلب أو ألقى السمع و هوشهيد .
فأين هؤلاء الرجال بحق ممن يزعمون لأنفسهم الرجولة اليوم بدون وجه حق ، و هم في الحقيقة أشباه رجال ، إن أحسنا بهم الظن ، أولئك الذين ينتحلون الرجولة ، و الرجولة منهم براء ، أولئك الذين اتخذوا من الزواج العرفي موطئاً لقضاء رغبات طارئة ، و مصالح موهومة غير مشروعة ، ليذوقوا من خلاله برداً و شراباً ، و هم في الحقيقة يمهدون لأنفسهم في جنهم مهاداً و غساقاً .
ثانياً : أسباب ثقافية و أخلاقية : منها :
أ – الحصول على المتعة و لو بطريق غير شرعي ، إذ يحدث أن يعجز الرجل عن إقامة علاقة كاملة مع فتاة بشكل غير شرعي ، و هنا يوهمها بالزواج العرفي وصولاً لما يضمره في نفسه ، و ليس بنية حقيقية في الزواج منها .
ب – ابتزاز الفتاة للفتى ، للإستيلاء على أمواله ، فتتخذ من الزواج العرفي مطية لذلك ، لا سيما مع أبناء الأغنياء .
ج – تناقص دور الثقافة الإسلامية بين الشباب ، و هو أمر واضح في مناهج التعليم بمراحلها المختلفة ، و في وسائل الإعلام المتنوعة ، و الثقافة المتواجدة على الساحة – و المأذون فيها – ليست إلا طغيان للفكر الغربي اللا أخلاقي ، عن طريق وسائل الأعلام عندنا ، سواء في صورة مسلسلات و أفلام غربية فكراً و تقاليداً ، أو مصرية عربية اسماً في حين أنها منقولة في جوهرها عن الفكر الغربي ، فنجد العلاقات الجنسية المنحلة و التي أطلقوها من عقالها و من القيود منتشرة في وسائل الإعلام ، مما ساعد على الإعتقاد بأنها الأصل في علاقة الرجل بالمرأة ، و أنها بهذه الصورة ليست سوى الوضع الطبيعي ، الأمر الذي أشعل نار الشهوة الجنسية داخل الفتى و الفتاة ، و ترتب عليه بالتبعية تسرع الشباب في إشباع هذه الرغبة بهذا الزواج الخفي .
د – و من العوامل الهامة التي ساعدت على انتشار هذا الزواج ، و في ظل غياب أو تغييب الثقافة الإسلامية الموضح سلفاً ، الإختلاط المباح دون رقابة أو حدود و لفترات طويلة و لغير حاجة بين الشباب و الشابات ، لأن الطبيعة البشرية توجد نوعاً من التجاذب الطبيعي بين الذكر و الأنثى ، هذه الجاذبية غالباً ما تتطور وتصل إلى نشأة شعور عاطفي يتحول إلى إحساس جنسي ، و هذه هي فطرة الإنسان ، و في مرحلة الشباب تكون الأحاسيس الجنسية والعاطفية في ذروتها ، و في نفس الوقت تكون غير محصنة بالقيم الأخلاقية و الإجتماعية ، و بالتالي يحدث عدم السيطرة على النفس في حالة التربية الأسرية الخاطئة التي أباحت الحرية المطلقة لكثيرمن الأبناء ، و سمحت لهم بزيارة الأصدقاء و الذهاب في رحلات طويلة تقتضي المبيت خارج منزل الأسرة لأيام عديدة ، بما يؤدي ليس فقط لمثل هذا الزواج ، بل لعواقب وخيمة نلمسها جميعاً من خلال الواقع ، و صح القول عندي أن الأسرة – ذاتها – تمهد لهذا الزواج . إن الإثارة الجنسية الناتجة عن الإختلاط الشديد غير المنضبط في مجالات التعليم والعمل و خروج المرأة بصورة سافرة – على نحو ما نعاينه يومياً رضينا أم أبينا – تؤدي إلى إثارة الرجل و استفزاز غرائزه ، فينتج عنها هذه العلاقة التي تتخذ لها ستاراً يسمى الزواج العرفي ، ولم يعد خافياً على أحد أن إثارة الغرائز الجنسية امتد إلى صغار السن ممن لم يكن يدرون – وفقاُ للمجرى العادي للأمور – عن هذه الأمور شيئاً ، و هو نذير شر ، تزداد شرارته تباعاً . إن الله تعالى حدد لنا كيف تكون العلاقة بين الذكر و الأنثى ، حتى بين الأخوة و الأخوات ، و أمرنا أن نفرق بينهم في المضاجع ، و لكننا اتبعنا الشهوات وأضعنا الصلاة ، و تناسينا أوامر الله و حدوده حتى كدنا ننساها فعلاً ، إلا من عصمه الله ، فحق علينا ما نحن فيه من بلاء ، و لولا أن قيض الله لنا في كونه و خلقه أسباباً للذكرى , لعظمت البلوى .
هـ – الإحساس النفسي للرجل و المرأة على السواء تجاه علاقتهما غير السوية ، هذا الإحساس يزيد من الصراع الداخلي لديهما و الإحساس بعقدة الذنب و عدم مصداقية هذه العلاقة و أنها مرفوضة شكلاً و موضوعاً من المجتمع ، و تخفيفاً لذلك يحاولون إيجاد مهرب و مبرر ظاهري لتقنين هذه العلاقة في صورة الزواج العرفي .
ثالثاً : أسباب مادية و اقتصادية : و منها :
أ – أعباء الزواج المادية من توفير مسكن و تجهيزه و من مهر و شبكة وخلافه، و المبالغة فيها .
ب – قلة الأجور و انتشار البطالة و غلاء المعيشة لا تمكن الشباب من استكمال مقومات الزواج المادية ، فلا يجد ملجأ له إلا الزواج العرفي ، حيث يكفيه الخلوة في مسكن أحد أصدقائه أو تأجير غرفة بسيطة في أي مكان .
ج – رغبة بعض الأسر في زواج بناتهم من أجانب استهدافاً و طلباً للمال، بتزويجهن عرفياً .
د – لجوء الزوجة التي توفي زوجها و لها منه ولد واحد لم يصل لسن التجنيد ، و ترغب في الزواج بعده إلى الزواج العرفي في محاولة منها لحصول ابنها على الإعفاء من الخدمة العسكرية لكونه العائل الوحيد لها ، و كذا في حالة رغبة الزوجة المتوفي عنها زوجها و تستحق عنه معاشاً إلى هذا الزواج للحفاظ على استمرار استحقاقها للمعاش .
رابعاً : أسباب قانونية : و منها :
أ – الحق الذي منحه القانون للزوجة في طلب الطلاق إذا تزوج عليها زوحها من أخرى و تضررت من ذلك الزواج الثاني ، و هو ما يجعل الزوج الراغب في الزواج ثانية مع تمسكه بزوجته الأولى و الحفاظ على أسرته مضطراً لأن يلجأ إلى الزواج العرفي إخفاءً للزيجة الثانية ، لاسيما و أن القانون يوجب إعلان و إخطار الزوجة الأولى بالزواج الثاني .
ب – ما منحه القانون للمطلقة الحاضنة من حق في الإستقلال بمسكن الزوجية هي و محضونها ، و نظراً للعجز الواضح عن توفيرالمسكن ، و هروباً من هذا الإلتزام إذا تحقق موجبه يلجأ الرجل إلى الزواج العرفي .
ج – إجازة تزويج المرأة البالغة العاقلة نفسها دون ولي ، عملاُ بمذهب الإمام أبي حنيفة ، مما يترتب عليه أن تتزوج الفتاة عرفياً دون رقيب و تحت تأثير الشاب و عواطفها و نزواتها ، و الناظر لحال كثيرمن فتيات اليوم و سلوكياتهن يدرك مدى خطورة منحهن هذا الحق .
خامسا : أسباب دينية :
هي أهم الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة ، و يمكن حصرها في قلة الوازع الديني و اندثار القيم و المبادئ القويمة، فضلاً عن السلوكيات الدخيلة التي ليست من الدين في شئ ، و رغم أهمية هذه الأسباب الدينية – و التي تؤكد عليها أحكام المحاكم و الأبحاث التي تجري – فالتهوين من شأنها قائم و تغييب الوازع الديني حائم ، و لا حول لنا و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( يراجع في تفصيلات هذه الأسباب و مزيد منها : مجلة منبر الإسلام – عدد شهر صفر سنة 1418 هـ ص 87 وما بعدها ، المستشار/ حسن حسن منصور – المرجع السابق – ص 185 وما بعدها ).
المبحث الأول: تحديد مدلول الزواج العرفي
1- معنى العرفي لغة و اصطلاحاً :
العرف لغة : كلمة العرفي المنسوب إليها الزواج العرفي من الفعل الثلاثي عرف بمعنى إدراك الشئ بإحدى الحواس ، عرفه يعرفه – بالكسر – معرفة و عرفاناً – بالكسر – ، و المعروف ضد المنكر، و العرف ضد النكر، يقال أولاه عرفاً أي معروفاً ، و هو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم و معاملاتهم . ( مختار الصحاح لأبي بكر الرازي – طبعة 1920 – ص 426 ، المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية – ص 415 ).
العرفي في الاصطلاح : العرفي في اصطلاح الفقهاء مأخوذ من العرف و هو ما تعارف جمهور الناس و ساروا عليه ، سواء كان قولاً أو فعلاً أو تركاً .( أ د/ الشيخ / محمد مصطفى شلبي – المدخل في التعريف بالفقه الاسلامي – ص 178 ).
و كلمة العرفي تقابلها في الاستعمال كلمة الرسمي ، و ذلك في نطاق القانون ، لا سيما قانون الإثبات ، حيث نجد عبارات : محرر أو عقد رسمي في مقابلة المحرر أو العقد العرفي . و المحرر الرسمي هو الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن ، و ذلك طبقاً للأوضاع القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه .( المادة العاشرة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 )، والمحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً .( المادة الحادية عشرة من قانون الإثبات )، أما المحرر العرفي فهوعكس ذلك ، حيث يقوم بتحريره الأفراد فيما بينهم ، و الورقة أو المحرر العرفي – وفقاً للمادة 14 من قانون الإثبات و على ما جرى به قضاء محكمة النقض – يستمد حجيته من التوقيع عليه بالإمضاء أو بصمة الأصبع أو بصمة الختم ، و هو بهذه المثابة يعتبر حجة بما ورد فيه على من وقعه ، فإذا أنكر من احتج عليه بالورقة ذات الإمضاء أو الختم أو البصمة و كان إنكاره صريحاً زالت عن الورقة قوتها في الإثبات و تعين على المتمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها باتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادة (30 ) من قانون الإثبات . ( الطعن رقم 2142 لسنة 58 ق – جلسة 24 / 11/1993 ).
و يمكن القول أن الإنكار كشرط لعدم سماع أو قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو فرع تطبيقي من أصل الإنكار الوارد في قانون الإثبات ، مع بعض الإختلافات لتعلقه بأمور الزواج و قيوده .
2- تعريف الزواج العرفي :
يجب قبل الخوض في حكم الزواج العرفي و آثاره ، سواء في الشرع أوالقانون ، أن نحدِّد و نعرِّف مدلول هذا الزواج ، حتى يتسنى ضبط أحكامه ، و لقد تلاحظ للباحث مدى مسارعة كثيرمن الناس و العوام ، بل و بعض المتخصصين ، إلى القول بعدم شرعية هذا الزواج و بطلانه ، انطلاقاً من نظرة محدودة و ضيقة لمفهومه ، و حدث الخلط في شأنه في لحظات العضب و الرفض له في كثيرمن الندوات و البرامج التي عنيت بمناقشته و بحثه ، سواء في التليفزيون أو غيره من وسائل الإعلام الأخرى ، ومن هنا كان لزاما ً علينا أن نعرج على تعريفه حتى يرفع هذا الخلاف .
من المعلوم أن الزواج ينعقد شرعاً بين طرفيه بإيجاب من أحدهما و قبول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و في مرحلة تالية لانعقاد الزواج صحيحاً تأتي مسألة إثبات الزواج بالطرق المقررة كشهادة الشهود أو الإقرار أو الكتابة ، و مرحلة الإثبات يمكن خلالها إسباغ صفة الرسمية على عقد الزواج أو عدم إسباغها ، فإذا تحرر الزواج في ورقة رسمية كان العقد رسمياً، أما إذا لم يحرر العقد في ورقة رسمية و حرر في ورقة عرفية كان العقد عرفياً، و هو ما أُطلق عليه الزواج العرفي ، مع ملاحظة أن الزواج العرفي كما يكون مكتوباً يمكن أن يكون غير مكتوب .و ترتيباً على ذلك ، يمكن تعريف الزواج العرفي بأنه : ” الزواج الذي استوفى شرائطه الشرعية ، غير أنه لم يوثق رسمياً أمام جهة رسمية نص القانون عليها ، ويستوي في ذلك أن يكون الزواج مكتوباً أو غير مكتوب أصلاً “. ( قريب من هذا المعنى : د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 218 ، أ/ كمال صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – 1997 – ص 14 ).
3- الزواج السّري و الزواج العرفي :
الزواج السري هو نوع قديم من الزواج افترضه الفقهاء ، و بينوا معناه ، و تكلموا في حكمه ، و قد أجمعوا على أن منه العقد الذي يتولاه الطرفان دون أن يحضره شهود، و دون أن يُعلن ، و دون أن يُكتب في وثيقة ، و يعيش الزواجان في ظله زواجاً مكتوماً ، لا يعرفه أحد من الناس سواهما، وقد يحضره الشهود و يؤخذ عليهم العهد بالكتمان ، و عدم إشاعته و الإخبار به ، و لكلٍ من هذين النوعين حكمه ، أما الزواج العرفي فهو كما سبق البيان ، الذي لا يكتب في وثيقة رسمية مع استيفائه للشروط الشرعية للزواج ، فهو ليس الزواج في السر ، غيرأنه قد تصحب الزواج العرفي توصية الشهود بالكتمان ، و بذلك يكون من زواج السر المشار إليه . ( الشيخ الإمام / محمود شلتوت – الفتاوى – ص 229 و ما بعدها ).
و يلاحظ أن الزواج العرفي المردد على ألسنة الناس و بعض المتخصصين في الوقت الحاضر ينتمي في حقيقته إلى الزواج السري ، و يتأكد ذلك إذا علمنا أن الزواج العرفي الواقع في المجتمع ينقسم إلى نوعين : الأول : عبارة عن ورقة مكتوبة بين الطرفين دون شهادة شهود ، الثاني : ورقة مكتوبة بشهادة صديقين مع توصيتهما بالكتمان ، ويفتقد إلى عنصر العلانية ، و لا شك في انتماء هذين النوعين إلى الزواج السري ، ، كما يحدث أن يتم الزواج دون حضور و لي المرأة ، و هذا غالب في الوقوع ، و سيرد فيما بعد حكم هذه الأنواع من الأنكحة . ( د/ عزة كريم – ندوة منشورة بمجلة منبر الإسلام – سابق الإشارة إليها – ص 87 و ما بعدها ).
الجزء الثاني
المبحث الثاني: حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون
يثير حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون مسائل شتى و متنوعة ، و سيتناول هذا المبحث أحكام الزواج العرفي بالشرح و البيان من خلال النصوص القانونية التي عالج بها المشرع هذا الزواج ، و كذا آراء الفقه و أحكام القضاء ، و ذلك وفقاً لما يلي .
أولاً : الواقع الخطير و اضطرار المشرع إلى التدخل التشريعي :
كان الزواج قديماً ينعقد دون توقف على تسجيله أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، ما دام قد استكمل أركانه و شروطه المعتبرة شرعاً . و ظل الأمر كذلك بين المسلمين من مبدأ التشريع إلى أن رأى أولياء الأمر أن ميزان الإيمان في كثيرمن قلوب الناس قد خف ، و أن الضمير الإيماني في بعض الناس قد ذبل ، فَوُجِد من يدعي الزوجية زوراً، و يعتمد في إثباتها على شهادة شهود هم من جنس المدعي ، لا يتقون الله و لا يرعون الحق ، فما تشعر المرأة إلا و هي زوجة لمزور أراد إلباسها قهراً ثوب الزوجية ، و إخراجها من خدرها إلى بيته تحقيقاً لشهوته ، أو كيداً لها و لإسرتها ، كما وجد من أنكره تخلصاً من حقوق الزوجية ، أو التماساً للحرية في التزوج بمن يشاء، و يعجز الطرف الآخر عن إثباته أمام القضاء ، و بذلك لا تصل الزوجة إلى حقها في النفقة ، و لا يصل الزوج إلى حقه في الطاعة ، و قد يضيع نسب الأولاد ، و يلتصق بهم و بأمهم العار الأبدي فوق حرمانهم حقوقهم فيما تركه الوالدان .( الشيخ / محمود شلتوت – المرجع السابق – ص 231 ).
قد اضْطُر المشرع الوضعي إلى التدخل التشريعي لمواجهة هذه الآثار الوخيمة حفاظاً على الأسرة و كيانها، و فصلاً للحياة الزوجية و الأعراض من هذا التلاعب ، و ذلك عن طريق وضع قيود وشروط قانونية . و قد قصد المشرع من وضع هذه القيود القانونية أن يحقق بعض الأغراض ذات الأثر الكبير في الحياة الإجتماعية للدولة و المجتمع ، هي :
1- حفظ حقوق الزوجين ، و حماية مصالحهما الناشئة عن الزواج ، بصيانة عقد الزواج الذي هو أساس رابطة الأسرة عن العبث و الضياع بالجحود و الإنكار، إذا ما عقد اثنان زواجهما بدون وثيقة رسمية ثم أنكرها أحدهما و عجز الآخر عن الإثبات ، فلو كان عقد زواجهما بوثيقة رسمية لم يكن هناك مجال لإنكاره.
2- منع ذوي الأغراض السيئة أن يرفعوا دعاوى الزوجية أمام القضاء زوراً و بهتاناً ، فقد أثبتت الحوادث الكثيرة السابقة على وضع هذه الشروط و القيود القانونية أن بعض ممن لا خلاق لهم كانوا يرفعون قضايا زوجية أمام المحاكم لا أساس لها من الصحة ، للنكاية و الكيد للمدعى عليه ، أو للتشهير به ، أو لغير ذلك من الأغراض السيئة ، اعتماداً على سهولة إثبات الزوجية بشهادة الشهود .( الشيخ / عمر عبد الله – أحكام الشريعة الإسلامية في الزواج – ص 105 ، 106 ، المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 ).
ثانياً : الأساس المبيح لتدخل المشرع :
جاء تدخل المشرع بوضع هذه الشروط القانونية مستنداً – حسبما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 – إلى ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من أن القضاء يُخَصَص بالزمان والمكان والحوادث و الأشخاص ، و أن لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى ، و أن يقيد السماع بما يراه من القيود و تبعاً لأحوال الزمان و حاجة الناس ، و صيانة للحقوق من العبث والضياع ، كما أنه قد درج الفقهاء من سالف العصور على ذلك ، و أقروا هذا المبدأ في أحكام كثيرة ، و اشتملت لائحتا سنة 1897 و سنة 1910 للمحاكم الشرعية على كثير من مواد التخصيص ، و خاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية و الطلاق و الإقرار بهما ، و ألف الناس هذه القيود و اطمأنوا إليها بعد ما تبين ما لها من عظيم الأثرفي صيانة حقوق الأسرة .
و قيل في تبرير مبدأ تخصيص القضاء بالزمان والمكان و الحوادث و الأشخاص ، أن من الأصول المقررة في الشريعة الإسلامية أن ولي الأمر العام و هو الحاكم في الدولة الإسلامية هو الذي يتولى مهمة القضاء بين الناس في المنازعات التي تثار بينهم ، و لكن على اتساع هذه الدولة و ترامي أطرافها أصبح من العسير عليه مباشرة هذه المهمة بنفسه ، فعهد الخلفاء الراشدون في الفصل بين الناس في الخصومات إلى أشخاص لهم الخبرة والدراية بهذه الأمور، و هكذا فعل من جاء بعد الخلفاء الراشدين ، و مع كثرة الخصومات و تنوعها تعذر على القاضي أن ينظر فيها جميعاً ، فأصبح من الواجب تعدد القضاة لمواجهة تعدد و تنوع القضايا ، و من هنا استقر مبدأ التخصيص المذكور في الفقه الإسلامي .( مستشار/ حسن منصور- المرجع السابق – ص 162 ).
ثالثاً : مراحل تدخل المشرع تشريعياً في توثيق عقد الزواج :
كانت الخطوة الأولى بشأن توثيق عقد الزواج هو ما جاء في لائحة سنة 1880 خاصاً بمأذوني عقود الأنكحة من اختيارهم و تعيينهم و واجباتهم، و لكن توثيق العقد نفسه بقي أمراً اختيارياً دون أن يترتب على عدمه أي أثر في صح العقد.
ثم جاء في لائحة سنة 1897 المادة 31 عدم سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها بعد وفاة أحد الزوجين إلا إذا كانت مؤيدة بمقتضى أوراق خالية من شبهة التصنع، و هذه المادة كما هو واضح اكتفت بوجود أي أوراق خالية من شبهة التصنع و إن لم تكن وثيقة زواج رسمية ، كما أنها لم تتعرض لحالة وجود الزوجين على قيد الحياة .
ثم جاءت لائحة سنة 1910 فتشددت أكثر من سابقتها، إذ جاء ضمن المادة 101 منها أن دعوى الزوجية أو الإقرار بها – بعد وفاة الزوجين أو أحدهما – من أحد الزوجين أو من غيره لا تسمع عند الإنكار في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلا إذا كانت الدعوى ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و توقيعه، و مع هذا فهي لم توجب التوثيق. ( يراجع في هذه المراحل – د/ محمد سلام مدكور – أحكام الأسرة في الإسلام – 1969 ص 113 ).
ثم جاءت اللائحة رقم 78 لسنة 1931 و راعى القانون فيها أن يكون المسوغ الكتابي ملائماً للتدرج التشريعي و منتظماً مع ما أدخل على اللائحة من تعديلات في أزمنة مختلفة من سنة 1880 إلى سنة1930 ، إذ كان كل تعديل يتضمن قيوداً جديدة تساير مقتضيات الأحوال الاجتماعية ، و تلائم الحوادث الواقعة ، و قد جاء المسوغ الكتابي لإثبات الزوجية في المادة 99 من اللائحة المذكورة على النحو التالي :
أ – لا تسمع دعوى الزوجية بعد وفاة أحد الزوجين عند إنكارها في الحوادث الواقعة من سنة 1897 إلى سنة 1911 ، سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره إلا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير تدل على صحتها ( الفقرة الأولى من المادة المذكورة ).
ب – و أما في دعاوى الزوجية في الحوادث السابقة على سنة 1897 فلا يشترط وجود المسوغ الكتابي لسماعها عند الإنكار، بل تسمع دعوى الزوجية في هذا الحالة بشهادة الشهود، إذا تحقق أمران ، أحدهما : أن تكون الدعوى مقامة من أحد الزوجين ، ثانيهما : أن تكون الزوجية المدعاة معروفة بالشهرة العامة .
ج – لا تسمع دعوى الزوجية عند إنكارها بعد وفاة أحد الزوجين في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلى آخر يوليو سنة 1931 إلا إذا كانت الزوجية ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و عليها إمضاؤه كذلك ، سواء أكانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .
د – لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمنية ، سواء كانت الدعوى في حياة الزوجين أو بعد وفاتهما أو بعد وفاة أحدهما ، و سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .( يراجع في هذه المراحل : الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق ص 102 و 103 ، د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق ص 217 ).
ثم صدر أخيراً القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، ناصاً في مادته الرابعة من مواد إصداره على إلغاء لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ، و معدلاً مرة أخرى في مسألة توثيق عقد الزواج ، حيث نصت المادة 17 منه على أنه :
( …. و لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931 – ما لم يكن الزواج ثابتاً يوثيقة رسمية ، و مع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة …).
و البين من هذه التعديلات التشريعية أن المشرع لم يزل يصر على إيجاد حلول لمشكلة الزواج العرفي ( غير الموثق ) في محاولة منه لتحجيم آثاره السيئة ، و على كل حال فسوف نبين فيما بعد أحكام هذه التعديلات ، و الاختلافات بين النص القديم و الجديد ، على أنه يلاحظ أن الصورة الأخيرة في التعديل الجديد المتعلقة بالفترة من أول أغسطس سنة 1931 هي المطلوبة الان لإثبات دعوى الزوجية و الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و ذلك نظراً لبعد العهد بالصور الأخرى لارتباطها بالحوادث التي وقعت منذ ما يزيد على قرن من الزمان ، و من النادر أن تكون هناك وقائع معروض أمرها على في ساحات القضاء بشأنها ، و لذا نكتفي بما ورد في النصوص السابقة عنها ، وبالتالي سيكون بيان حكم الزواج العرفي و آثاره من خلال النص الجديد باعتباره هو النص الحاكم لهذا الزواج الآن .
رابعاً : المقصود بالشروط القانونية :
الشروط القانونية التي تطلبها المشرع ، و منها توثيق عقد الزواج ، هي في حقيقتها شروط لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في حالة الإنكار أمام القضاء ، أي أن مجال إعمال هذه الشروط هو بعد أن يصل الأمرإلى ساحات القضاء و ليس قبل ذلك ، حتى يتمكن الطرف الذي لم يحصل على حقوقه تلقائياً من العقد أن يصل إليها عن طريق القضاء، بحيث إذا لم تتوافر تلك الشروط قضت المحكمة بعدم سماع الدعوى . و إذا كان شرط توثيق عقد الزواج لقبول الدعوى هو في حقيقته لإثبات هذا العقد تحسباً لوصول النزاع بشأنه إلى القضاء ، فيمكن تسمية هذا الشرط بالشرط القانوني لإثبات عقد الزواج ( م/ حسن منصور- مرجع سابق –ص 157 و ما بعدها ) ، و أرى تبعاً لذلك عدم صحة وصف هذه الشروط القانونية بالشروط القانونية لعقد الزواج ، حتى لا يتصور أحد أنها شروط لصحة العقد ، و هي ليست كذلك ، حسبما سبق بيان ذلك فيما تقدم ، بل هي قاصرة على التقاضي في شأن الزواج و ليست قيداً وارداً على الزواج في ذاته .
و قد أفتت دار الإفتاء المصرية في ذلك بأنه :
” ينعقد الزواج شرعاً بين الطرفين ( الزوج و الزوجة ) بنفسيهما أو بوكيلهما أو وليهما بإيجاب من أحدهما و قيول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و تترتب على هذا العقد جميع الآثار والنتائج ، و يثبت لكل من الزوجين قبل الآخر جميع الجقوق والواجبات دون توقف على توثيق العقد رسمياً أو كتابته بورقة عرفية ، و هذا كله من الوجهة الشرعية ، أما من الوجهة القانونية فإن المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أنه (…………….) ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، و إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى…. “. فتواها بتاريخ 1/2/1957 في الطلب رقم 582 لسنة 1963 – مشار إليها بمؤلف المستشارالبكري – الكتاب الأول – ص 131 .
خامساً : شروط عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج :
بداءة أشير إلى أني آثرت بحث الشروط القانونية في صيغة شروط عدم القبول و ليس شروط القبول ، لأن النص يتكلم أساساً عن عدم قبول هذه الدعاوى .
بينت المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف الذكر هذه الشروط ، و هما شرطان ، الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ، الثاني : إنكار المدعي عليه للزوجية ، و سأتناول هذين الشرطين شرحاً على النحو الآتي :
الشرط الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية :
أساس و مصدر التوثيق :
أولى المصلحون المحدثون عناية خاصة لموضوع توثيق الزواج في سجلات موثقة تشرف عليها أجهزة إدارية ، و ذلك لمنع إدعاء الزواج أو جحده و إنكاره زوراً و كذباً بعد اتساع المجتمعات والمدن و صعوبة تحقق القاضي من صحة دعاوى الزواج و النسب و التوارث و النفقة في هذه الظروف و خطورة ضياع الحقوق في هذه المجالات ، فمست الحاجة إلى نظام للتوثيق يعين القضاة على الحكم بجهد يسير.
و لا يخفى وضوح الإتجاه في التشريع الإسلامي إلى توثيق الحقوق و إلى الاعتماد على الكتابة في هذا التوثيق، و كان بروز علم الشروط و المكانة التي استحقها هذا العلم بين علوم الفقه الاسلامي دليلاً على بروز هذا الإتجاه و قوته.
و من جهة أخرى ، فإن وجود الكتبة الرسميين الذين كانوا يوثقون العقود و يشهدون عليها و لا يزاولون مهنتهم إلا بإذن من القاضي ، و الذين كان يطلق عليهم ( العدول) أحياناً ، دليل هو الآخر على سعي القضاة إلى التشجيع على وجود نظام توثيق الحقوق و تدوينها على نحو رسمي يخضع لإشرافهم و يمكنهم من الاطمئنان إليه في عملهم .( يراجع فيما تقدم : د/ محمد أحمد سراج و د/ محمد كمال إمام – أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية – ص 72 ، 73 ).
و لذلك كانت كتابة العقد بقصد الإثبات ليست جديدة في الفقه الأسلامي ، بل إن في خزائن المحاكم الشرعية وثيقات لعقود زواج يرجع بعضها للقرن الرابع الهجري ( د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 99 )، و من هنا يمكن القول أن ما اتجه إليه المشرع من اشتراط توثيق عقد الزواج ليس بجديد من حيث التوثيق ، و إنما الجديد هو في جعله شرطاً لسماع أو لقبول الدعوى .
لقد تحدث المشرع في النص الجديد عن ( وثيقة رسمية ) يجب أن يثبت فيها الزواج ، فما المقصود بتوثيق الزواج ؟ و الوثيقة الرسمية التي بدونها لا تقبل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ؟
المقصود بتوثيق الزواج :
هو تحرير عقد الزواج على يد موظف مختص بتحرير عقود الزواج ( د/ محمد سراج و زميله – مرجع سابق – ص 75 ) . و جدير بالذكر أنه لا يجوز الخلط بين توثيق عقد الزواج و الإشهاد عليه ، فالتوثيق هو وسيلة وضعها المشرع لإثبات عقد الزواج عند النزاع أو الإنكار أمام القضاء ، أما الإشهاد عليه فهو شرط لصحة العقد ، بدونها لا يصح عقد الزواج .
المقصود بالوثيقة الرسمية :
لم تعرف المادة 17 المشار إليها فيما سبق الوثيقة الرسمية المتطلبة لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يمكن القول أنه يدخل في مفهوم هذه الوثيقة كل ورقة رسمية أسبغ عليها القانون حجة بشأن ما يثبت فيها ، فقد تكون الوثيقة الرسمية وثيقة زواج ، و هي حجة فيما دون فيها ، لأن ذلك وضعها فيما وضعت له و جعلت لأجله ، باعتبار وصفها العنواني ، لأن كل مستند له وصف عنواني هو حجة فيه ، فوثيقة الزواج حجة في خصوص الزواج . هذا ، و وثيقة الزواج قد تكون وثيقة إنشائية ( عن طريق الموظف المحتص ) ، أو بطريق التصادق على الزوجية ، و كلا الإثنين يطلق عليه وثيقة زواج ، و على هذا الأساس فإن كل إنشاء زواج أو تصادق عليه – يثبته القاضي في محضره أو أثبته المأذون في دفتره ، أو القنصل في سجله ، يعد وثيقة رسمية بالزواج أو التصادق عليه ( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – طبعة 2000 ص 307 ، 308 ) . و يقصد بالمصادقة على عقد الزواج أن يقر الزوجان لدى الموظف المختص بأنهما قد عقد زواجهما في تاريخ سابق و يطلبان الآن تسجيله في وثيقة رسمية ( الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق – ص100 ).
اختلاف النص الملغي عن النص الجديد في لفظ الوثيقة :
هذا ، و يلاحظ وجود اختلاف بين نص المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الملغاة و نص المادة 17 من القانون الجديد ، حيث كان النص الملغي يستوجب ثبوت الزواج بـ : ( وثيقة زواج رسمية ) ، في حين استوجب النص الجديد مجرد ( وثيقة رسمية ) لإثباته ، و مفاد ذلك أن المشرع كان متشدداً في الماضي بشأن وسيلة إثبات الزواج ، حيث قصرها على وثيقة الزواج الرسمية ، و هي التي تصدر من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، كالمأذون داخل الجمهورية و القنصل في خارجها ، و ذلك على نحو ما أوردته المذكرة الإيضاحية للائحة سالفة الذكر، و على عكس ذلك يأتي النص الجديد ، حيث توسع في الرسمية ، فاكتفى بثبوت الزواج في أية وثيقة رسمية على نحوما سلف بيانه ، فكل ورق رسمية لها حجية قانوناً فيما يثبت بها يصح أن تكون محلاُ لإثبات الزواج بها ، كل ذلك مالم يقر الخصم بالزوجية .
و على ذلك إذا لم يكن الزواج العرفي ثابتاً في وثيقة رسمية فلا تقبل الدعاوى الناشئة عنه إلا ما استثني بالنص الجديد و بالشروط التي وردت به .
و من أوضح الأمثلة للورقة الرسمية التي يمكن أن يثبت بها الزواج ، محضر الشرطة الذ ي يقر فيه الزوجان بزواجهما ، حيث يعتبر هذا المحضر حجة عليهما بإقرارهما فيه بهذا الزواج ، و الأمر مع ذلك يخضع لسلطة محكمة الموضوع بحسب ظروف كل دعوى .
الشرط الثاني : إنكار المدعى عليه للزوجية :
اشترط المشرع في المادة الجديدة لعدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – بالإضافة إلى الشرط السابق – إنكار المدعى عليه للزوجية ، ذلك أن الخصم قد يقر بالزوجية و لا ينكرها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية .
المقصود بالإنكار :
يقصد بالإنكار هنا ، إنكار و نفي المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – للزوجية أمام القضاء ، و على ذلك فلا يعد إنكاراً يجعل الدعوى غير مقبول ، مجرد إنكار التوقيع على عقد الزواج العرفي أو غير الموثق ( أ/ كما ل صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – ص 15 )، إذ أن التوقيع أمر و التصرف الثابت بالورقة أمر آخر، فإنكار التوقيع لا يستلزم معه إنكار التصرف الموقع عليه ، حيث قد يتم إنكار التوقيع لأن التصرف لم يحرر في هذه الورقات بالذات ، أو لأن التصرف تم شفاهة و ليس كتابة .
و إذا رفعت إحدى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الثابت بوثيقة رسمية ( العرفي ) و لم يحضر المدعى عليه أمام المحكمة ، فلا يعد ذلك إنكاراً ، إذ لا يمكن أن ينسب له قول ما ، طالما أعلن إعلاناً صحيحاً قانوناً . إلا أنه لما كانت المحكمة ملزمة – من تلقاء نفسها – ببحث مسألة ثبوت الزواج رسمياً من عدمه بوثيقة رسمية ، لكون قيد عدم قبول الدعوى يتعلق بالنظام العام على ماسيأتي بيانه ، فإنه في حالة عدم جضور المدعى عليه أمام المحكمة ، و تبين للمحكمة عدم ثبوت الزوجية بوثيقة رسمية ، تعين عليها أن تحكم بعدم قبول الدعوى .
و إذا حضر الخصم و سكت ، فإن هذا السكوت لا يعد إنكاراً ، لأن القاعدة الفقهية أنه لا ينسب لساكت قو ل( م/ البكري – ص 141 ) ، فضلاً عن أنه قد أتيحت له الفرصة لإبداء دفاعه ، كما أن إدعاء الزوجية أمر خطير، و يصعب أن يسكت الشخص عند الإدعاء عليه بها إلا إذا كانت قد حدثت فعلاً و ليست مجرد إدعاء كاذب.
هذا ، و الإنكار كما يكون صريحاً ، يجوز أن يكون ضمنياً، تستخلصه المحكمة من ظروف الدعوى و ملابساتها وفقاً لتقديرها هي دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ، باعتبار أن تقدير الإنكار من وسائل الواقع ، شريطة أن يقوم تقديرها على أسباب سائغة تكفي لحمل حكمها ( م/ البكري – ص 141 ، 142 ).
و قد قضت محكمة النقض بأن :
” تقدير إنكار الخصم للزوجية المدعاة – في دعوى الوراثة – من عدمه من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع مما لا يجوزالمجادلة فيه أمام محكمة النقض ، ما دام يقوم على أسباب مقبولة تكفي لحمله ” الطعنان رقما 39 ، 45 لسنة 40 ق – أحوال شخصية – جلسة 11/6/1975 – مشار إليهما بمؤلف م/ البكري – ص 142 .
فإذا حضر الحصم و دفع بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، عد ذلك إنكاراً صريحاً منه للزوجية .
الإقــــــرار بالزوجــــية :
و إذا كان الإنكار كفيلاً للقضاء بعدم قبول الدعوى في حالة عدم إثبات الزواج بوثيقة رسمية ، فإن مفاد ذلك ، و بمفهوم المخالفة ، أنه إذا كان الخصم مقراً بالزوجية ، فإنه يكون لزاماً و أمراً مقضياً أن يعامل بإقراره في أي مدة يدعي حصول الزواج فيها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لكن ما هو الإقرار الذي تقبل به الدعوى ؟ ، و هل الإقرار هنا هو الإقرار في مجلس القضاء فقط ؟ أم يجوز أن يكون خارج مجلس القضاء ؟ . في المسألة قضاء لمحكمة النقض ، و على هذا القضاء في تلك المسألة تعليق لي بنقده .
ذهبت محكمة النقض إلى أن الإقرار المقصود هو ذلك الذي يصدر في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقد الزواج فلا يؤخذ به .
فقد قضت بأن :
” و حيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أنه في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و طلب استخراج البطاقة العائلية لا يدخل في هذا النطاق و لا يحمل معنى الرسمية ، و إذ كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن ( الزواج مدعى بحصوله سنة 1955 ، فلا تسمع الدعوى به إلا إذا كان ثابتاً بوثيقة زواج رسمية من موظف مختص بتوثيق عقود الزواج ، سواء أكانت الدعوى في حالة حياة الزوجين أم بعد الوفاة ، و الإقرار المعول عليه في هذا الشأن هو الإقرار الذي يحصل في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج فلا يؤخذ به و لا يعول عليه ) ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه “.
الطعن رقم 25 لسنة 35 ق – أحوال شخصية – جلسة 31/5/1967 ، و قد أيد هذا القضاء : المستشار/ البكري ص 140 ، أ/ كمال صالح البنا – ص 15 .
و مع احترامنا و إجلالنا لمحكمة النقض و من أيدها في ذلك ، إلا أن الأخذ بقضائها المتقدم في ظل العمل بالقانون الجديد ، محل نظر عندي .
فبالنسبة للإقرار أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج ، فقد كان يمكن القول بعدم الاعتداد به في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، و الذي كان يشترط لسماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ثبوتها بوثيقة زواج رسمية فقط ، حيث إن المقصود بوثيقة الزواج الرسمية تلك التي تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و إذن فوثيقة الزواج الرسمية المتطلبة في ظل هذا القانون بهذا المعنى لا تصدر إلا من موظف معين ( المأذون ) ، كما لا يعتد إلا بالإقرار بالزوجية الصادر من هذا الموظف ، و من ذلك يتبين أن هذه الوثيقة و هذا الإقرار الصادران من هذا الموظف المختص هما وحدهما وسيلة إثبات الزواج رسمياً و المعتد بهما في ظل القانون المذكور، و لا يعتد بالتالي بأي إقرار بالزوجية صادر أمام أي جهة أخرى ، و عليه فحكم محكمة النقض صحيح في ظل القانون المشار إليه من هذه الناحية .
أما في ظل العمل بالقانون الجديد و الذي لم يشترط سوى أن يكون الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لم يشترط بالتالي ثبوته بوثيقة زواج رسمية و التي سبق تعريفها ، فإن مفاد ذلك كما سبق البيان عند تعريف الوثيقة الرسمية ، صلاحية أي ورقة رسمية ثبت فيها الزواج و أسبغ القانون عليها حجية بشأن مايثبت فيها – بما في ذلك بيان الزوجية – لأن تكون وثيقة رسمية يثبت بها الزواج ، فضلاً عن أن النص الجديد لم يشترط صدور الإقرار بالزوجية أمام الموظف المختص ، على عكس النص الملغي الذي كان يشترط ذلك في ظل العمل به .
أما فيما يتعلق بالإقرار خارج مجلس القضاء و عدم الاعتداد به ، فإنه لا محل له بعد صدور القانون الجديد ، والغاء ما كان يشترط في ظل العمل بالقانون الملغي من صدور الإقرار أمام الموظف المختص بإبرام عقد الزواج ، فضلاً عن أن الإقرار خارج مجلس القضاء و إن كان إقراراً غير قضائي ، إلا أن القانون المتعلق بالإثبات اعتد به ، و أخضعه من حيث آثاره القانونية للقواعد العامة ، فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته ، و يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في استخلاصه و تقديره بحيث تعتبره دليلاً كاملاً أو مجرد قرينة أو لا تأخذ به أصلاً، إلا أنها ملزمة إذا أطرحته ببيان سبب ذلك و إلا كان حكمها مشوباً بالقصور( المستشار/ عز الدين الدناصوري و زميله – التعليق على قانون الإثبات – الطبعة السابعة –ص 855 ، الطعن رقم 2001 لسنة 57 ق – جلسة 10/12/1992 ، الطعن رقم 1867 لسنة 53 ق – جلسة 25/6/1987 ). و لا يجوز للمقر التنصل مما ورد في إقراره غير القضائي بمحض إرادته إلا بمبرر قانوني ، كأن يصدر عن إرادة مشوبة بتدليس مثلا، و بالتالي فلا يجوز رفض الأخذ بالإقرار غير القضائي بصورة مطلقة ، بل لابد من منح محكمة الموضوع حقها القانوني في بحث صحته و مدى جديته ، و تقصي ظروف صدوره و ملابسات الدعوى حتى يتسنى الأخذ به أو طرحه ، و القول بغير ذلك فيه مصادرة لحق أصيل لمحكمة الموضوع في تقدير الدليل ، وهو حق يدخل في صميم سلطتها التقديرية الأصيلة لها دون مشاركة في ذلك من غيرها .
و فوق هذا و ذاك ، فإن الإقرار في الفقه الإسلامي حجة على المقر ، ومتى صدر الإقرار صحيحاً مستوفياً جميع شروطه الشرعية ألزم المقر، لأن الإقرار حجة ملزمة شرعاً كالبينة ، بل هو أولى ، لأن احتمال الكذب فيه أبعد( المستشار/ الدناصوري و زميله – المرجع السابق ص 864 ، 865 ) ، و لم يشترط الفقه الإسلامي أن يكون الإقرار بين يدي القاضي إلا إذاكان المقر به حداً خالصاً لله تعالى ، كالزنا و شرب الخمر و السرقة ( المرجع السابق ص 864 ) ، بل إن المتفق عليه بين فقهاء الحنفية أن الإقرار كما يكون بمجلس القضاء يصح أن يكون في غيره ( الطعن رقم 99 لسنمة 58 ق – جلسة 11/6/1991 ).
هذا ، و قد اطلعت على رأي يمكن أن يكون سنداً لي فيما ذهبت إليه ، حيث يقول صاحبه – و هو رجل يتوسد من القضاء سابقاً والفقه حالياً مكاناً عليا – في مخلص طيب :
” هذه الدعاوى لا تقبل إذا أنكرها المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – والمراد بالإنكار هنا هو الإنكار حين الخصومة أمام القضاء ، و الذي لم يوجد إقرار سابق ينافيه ، و لو لم يكن أمام مجلس القضاء ، ما دام ثابتاً بالطريق الذي بينه القانون ، فالإنكار الذي يعتد به هوالإنكار الذي يقع أما القضاء ، أما الإقرار الذي ينفي هذا الإنكار فقد يكون أمام مجلس القضاء ، و قد يكون خارج مجلس اللقضاء ، ما دام يمكن إثباته قانونا ” .( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – ص 307 ).
و إذا كانت الزوجية قد ثبتت ضمن حكم في دعوى إثبات نسب صغير رزقت به المرأة في زواج عرفي من زوجها المدعى عليه ، فلا تعتبر الزوجية منكرة في هذه الحالة ، إذ الحكم عنوان الحقيقة ( أ/ البنا – مرجع سابق – 21 ) .
و تثبت الزوجية – عندي – أيضاً الناتجة عن زواج عرفي و لا تعتبر منكرة ، إذا أقر الزوج أمام الموظف المختص بإبرام عقود الزواج ، عند زواجه بأخرى رسمياً ، بسبق زواجه عرفيا.
و يحدث أن تقيم امرأة ضد آخر جنحة مباشرة لأنه زور عليها عقد زواج عرفي ، و تعجز عن إثبات دعواها أو يثبت من تقرير قسم التزييف و التزوير بالطب الشرعي أن التوقيع المنسوب إليها هو توقيع صحيح ، و تقضي المحكمة الجنائية ببراءته مما هو منسوب إليه ، فهذا الحكم لا يحول دون الحكم بعدم قبول دعواه عليها بالزوجية ، لأنه لم يضف على عقد الزواج العرفي الصفة الرسمية ، و طالما أن المرأة المذكورة تنكر الزوجية و لا تقر يه ( أ/ البنا- مرجع سابق – ص 16 ).
و إذا كان لا يعتد بالإنكار إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أن المدعى عليه يمكنه الطعن بطريق التزوير على هذه الوثيقة الرسمية صلباً وتوقيعاً ، تخلصاً من هذه الزوجية و نفياً لها ، إذا كانت منسوية إليه زورا.
و قد ذهب البعض إلى أن الحكم في دعوى صحة التوقيع على عقد الزواج العرفي أمام المحاكم المدنية لا أثر له ، فلا يجعل الإقرار العرفي بالزوجية إقراراً رسمياً ما لم يكن المدعى عليه حاضراً أمام المحكمة و قد أقر بالزوجية أو صادق على الدعوى ( أ/ البنا – مرجع سابق – ص 28 ).
كما ذهبوا إلى أن رفع دعوى صحة التعاقد بشأن عقد زواج أمام المحكمة المدنية لا يحول دون الحكم بعدم سماع الدعوى لعدم وجود وثيقة رسمية بالزواج ، ما لم يكن المدعى عليه قد حضر بالجلسة و أقر بالزوجية و سلم بطلبات المدعي ، أو قدم الطرفان محضر صلح أقر كل منهما فيه بالزوجية بينهما ( أ/ البنا – المرجع السابق – ص 28) .
و هذا الرأي ، بعد صدور القانون الجديد ، قد يكون محل نظر ، حيث إن المنع قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و دعوى الزوجية ليست منها وفقاً لرأي محكمة النقض كما سيأتي البيان عند بحث الدعاوى التي يسري عليها المنع ، و بالتالي تقبل – وفقاً للرأي الأخير – طالما كان العقد صحيحاُ شرعا.
هذا ، و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج تقبل إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أنه يمكن الحكم بعدم قبولها رغم ثبوت الزواج بهذه الوثيقة الرسمية ، و يحدث هذا إذا كانت سن الزوجة تقل عن ستة عشرة سنة ميلادية ، أو كانت سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى ، و ذلك وفقاً لنص المادة (17) من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرتها الأولى .
سادساً : الأثر المترتب على عدم إثبات الزواج العرفي في وثيقة رسمية : ( آثار الزواج العرفي ) :
إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، فإن الدعوى به تقبل وتسير في مجراها الطبيعي حتى يتم الفصل فيها ، أما إذا كان الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ( أي زواجاً عرفياً سواء أكان مكتوياً أم لا ) ، و أنكر المدعى عليه الزوجية ، فقد رتب القانون على ذلك أثراً هاماً و خطيراً ، هو عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مع تقرير استثناء من هذا الأثر وفقاً لشروط معينة ، و فيما يلي شرح لذلك الأثر و الإستثناء الوارد عليه .
تحديد الأشخاص الذين يسري عليهم الأثر المذكور :
نظراً لأن المنع من قبول الدعوى قد ورد عاماً موجهاً الخطاب فيه للكافة ، فإن المنع من قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج يسري على الدعاوى التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر، وعلى الدعاوى التي يقيمها ورثة أيهما على الآخر أو ورثته ، كما يسري على الدعاوى التي يقيمها الغير أوالنيابة في الأحوال التي تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أيهما أو ورثته ( المرحوك الشيخ / أحمد إبراهيم – طرق الإثبات الشرعية – إعداد المستشارواصل علاء الدين – طبعة 1985 – ص 90 و ما بعدها ، المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 308 ، المستشار/ البكري ص 131 ، الطعن رقم 3 لسنة 50 ق – جلسة 30/12/1980 ).
تحديد الدعاوى التي يسري عليها عدم القبول :
جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرته الثانية محدداً الدعاوى التي لا تقبل بأنها الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مغايراً في ذلك نص المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، حيث كانت تنص على عدم سماع ( دعوى الزوجية ) ، فهل يختلف المقصود بهذه الدعاوى في القانون الجديد عنه في القانون الملغي ؟ أم أن هناك تطابق بينهما ؟ . الإجابة تقتضي بيان المقصود بهذه الدعاوى في كل من هذين القانونين سالفي الذكر، و هذا ما أبينه على النحو التالي :
تحديد الدعاوى التي لا تقبل في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي :
نصت المادة 99 من القانون المذكور على عدم سماع (دعوى الزوجية ) ، و قد اختلفت الآراء في مسألة تحديد المقصود بـ ( دعوى الزوجية ) إلى ثلاثة آراء ، على التفصيل التالي :
الرأي الأول : ذهب إلى أن المقصود بدعوى الزوجية ، الدعوى التي يطلب فيها الحكم بالزوجية فقط، و هي دعوى تهدف إلى التحقق من قيام عقد الزواج ، سواء من حيث صحته أو فساده ، فلا تسمع بالتالي ، أما الدعاوى الأخرى الناشئة عن الآثار المترتبة على هذا العقد ، مثل دعوى النفقة و الطاعة …. فتسمع و لوكان عقد الزواج غير ثابت في وثيقة رسمية ، أو كانت سن الزوجين أوأحدهما أقل عن الحد الأدنى المقرر قانوناً، و قد ارتكن هذا الرأي إلى أن المشرع عبر في النصوص عن الدعوى المقصودة بدعوى الزوجية ، كما جرى على تسمية دعاوى أخرى ، فقال ” دعوى النفقة ” و ” الطاعة ” ، فاستدلوا بذلك على المغايرة بين دعوى الزوجية و غيرها من الدعاوى ( هذا الرأي مشار إليه في : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 302 ) . و قد ذهبت بعض الأحكام إلى تأييد هذا الرأي و أخذت بظاهر النص ، استناداً إلى أن القول بسريان المنع على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو توسع في نص القانون الصريح ، و هو قيد ورد استثناء من أصل جواز السماع ، فيجب الإقتصار فيه على موضع النص ( مشار إليه لدى المستشار/ البكري ص 132 هامش 4 ).
الرأي الثاني : ذهب إلى أن المنع يشمل دعوى عقد الزواج و الدعاوى الناشئة عن الآثار التي تترتب عليه ، و حجتهم في ذلك أن عقدالزواج غير مقصود لذاته ، بل لما يترتب عليه من آثار، فمدعي الزواج لا يقصد بدعواه – و لا يستفيد منها – إلا آثار الزوجية المترتبة عليه ، و لا يمكن أن يكون مقصد المشرع من النهي عن سماع دعوى الزوجية النهي عن سماع عقد الزواج فقط دون النهي عن سماع دعوى النفقة و الطاعة والإرث ، و غير ذلك من الحقوق المترتبة على الزواج ، لأنه لو كان مقصده هذا لأصبح نهيه عديم الأثر و القيمة ، إذ في استطاعة المدعي أن يترك دعوى عقد الزواج ، و يدعي بما شاء من الآثار المترتبة على الزواج فتسمع دعواه و يحكم له بما طلب و حسبه هذا و كفى , ثم هو غني عن الحكم له بثبوت عقد الزواج ، ما دام يستطيع الحصول على الحكم له بما شاء من آثار هذا العقد بدون أي استثناء ، و حاشا أن يكون هذا هو مقصود المشرع ( هذا الرأي مشارإليه لدى : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 303 ) ، و واضح أن هذا الرأي نظر إلى الغاية من النص و ليس ظاهره .
و أضاف أصحاب هذا الرأي بأن دعوى النفقة أو الطاعة أوالصداق اوالإرث أو اية دعوى بسبب الزواج هي دعوى عقد زواج وزيادة، لأن الزوجة التي تدعي النفقة على زوجها تدعي عقد الزواج ، و تزيد على ذلك استحقاق النفقة عليه ، فدعواها مؤلفة من جزءين : دعوى الزواج ، و دعوى استحقاق النفقة ، و ليس في وسع القاضي أن يمتنع عن سماع الزواج ثم يحكم بأثره المترتب عليه ، لأنه متى سقط الأصل سقط الفرع ( د/ عبد العظيم شرف الدين – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية 1961 – ص 174 ).
و إزاء هذا الخلاف بين الرأيين سالفي الذكر، صدر منشور وزارة الحقانية ينص على أن دعوى الزوجية لا تسمع مطلقاً سواء كان النزاع في ذات الزوجية أم فيما ترتب عليها من آثار( المستشار/ الجندي ص 304 ).
و بالرأي الثاني أفتت دار الإفتاء المصرية ، حيث انتهت إلى أن :
” …… المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أن …………… ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى بين الزوجين في الزوجية و آثارها كالطاعة و النفقة و غيرها ما عدا النزاع في النسب …….) فتوى بتاريخ 1/2/1957 مشارإليالدى المستشار/ البكري ص 132 ، 133 .
الرأي الثالث : ذهب إلى التفرقة بين أمرين :
1- دعوى الزوجية ، أي دعوى الزواج الذي تكون فيه الزوجية محل نزاع بين الخصمين ، فهذه الدعوى لاشك أنها غير مسموعة إلا إذاوجد المؤيد لها .
2- الحقوق التي تنشأ عن عقد الزواج ، و هي قسمان :
أ – قسم لا يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد الزواج إذ ادعي ، كالنسب و المهر، فإنهما يثبتان بالوطء بشبهة ، فلا شك في أن الدعوى بهما مسموعة و لو لم يوجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ، لأن القاضي لا يسمع في ضمن الدعوى بها دعوى الزوجية ، بل يسمع دعوى الوطء بشبهة ، و فيه استوفى الرجل منافع البضع ، فلزمه البدل من أجل ذلك .
ب – قسم من الحقوق يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد زواج صحيح كالنفقة و الطاعة و الإرث ، فالدعوىبأحد هذه المواد لا يجوز سماعها إلا إذا وجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ( مشا رإليه لدى المستشار/ الجندي ص 304 ). و الملاحظ على هذا الرأي أنه قريب من الرأي الثاني .
و قد ذهبت محكمة النقض إلى تأييد الرأي الأخير ، حيث قضت بأنه :
” متى كانت دعوى المطعون ضده هي دعوى إرث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى إثبات الزوجية أو إثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سبباً مباشراً لها ، فإن إثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية او ألإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع على دعوى النسب ، سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الإسلامية حتى و لوكان النسب مبناه الزوحية الصحيحة ” . الطعن رقم 12 لسنة 44 ق – جلسة 4/7/1976 .
هذا هو الوضع في ظل القانون الملغي ، فماذا عن الوضع بعد صدور القانون الجديد ؟ هذا ما سنعرض له الآن .
الدعاوى التي لا تقبل بعد العمل بالقانون الجديد :
يبدو أن المشرع يبغي بنا رهقاً ، حيث تمسك بهوايته المعتادة في إثارة الاختلاف و اللبس دون داع ، فقد جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ناصاً على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلم يرفع الخلاف السابق ، و إنما أنشأ خلافاً على عكس هذا الخلاف ، فقد كان الوضع السابق في ظل المادة 99 الملغاة أن دعوى الزوجية لا خلاف على سريان المنع عليها إذا لم يكن الزواج ثابتاً في وثيقة زواج رسمية و أنكر المدعى عليه الدعوى ، و كان الخلاف : هل تدخل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ضمن دعوى الزوجية المشار إليها في النص المذكور ، فلا تسمع هي الأخرى إذا توافرت شروط عدم سماعها ، أم لا ؟ ، أما بعد صدر القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول ( الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ) ، فقد أصبحت الدعاوى المذكورة في النص الجديد لا تقبل عند الإنكار بلا خلاف في ذلك ، و إنما أصبح الخلاف حول دعوى الزوجية ، هل تدخل ضمن الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج و تخضع بالتالي للمنع الوارد بالنص أم لا ؟
الإجابة عن ذلك لا تخرج عن أحد رأيين :
الأول : ما ذهب إليه البعض من أن الدعاى الناشئة عن عقد الزواج هي دعاوى تفترض قيام عقد الزواج و قيامه صحيحاً ، و القانون قد ورد به العديد من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، كالنفقة والمهر و الجهاز و تحقيق الوفاة والوراثة إذا كانت الزوجة ضمن ورثة المتوفي و الطلاق أو التطليق ، و غير ذلك كثير، و هذه الدعاوى جميعها تختلف عن الدعوى التي تتعلق بانعقاد عقد الزواج ، و شروط صحته ، أو نفاذه أولزومه ، فالدعوى بأحد هذه المسائل سواء من الزوج أو من الزوجة تختلف في موضوعها عن أي دعوى ناشئة عن عقد الزواج ، و انتهى هذا الرأي إلى أن نص المادة 17 سالف الذكر لم يتناول هذه المسائل الخاصة بعقد الزواج ، و اكتفى بالدعاوى الناشئة عنه ( المسشتار/ أحمد نصر الجندي – المرجع السابق – ص 305 ، 306 ). و مفاد هذا الرأي أنه يمكن لمن تزوج عرفياً – رجلاً أو امرأة – أن يقيم دعوى لإثبات هذه الزوجية دون أن يملك المدعى عليه دفعها بالإنكار باعتبارها لا تخضع لهذا المنع الوارد بنص المادة 17 آنفة الذكر.
و قد أكدت ذلك محكمة النقض ، حيث قضت بأن :
” القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوزللزوج أو للزوجة اثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية “.
الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 .
و الرأي السابق أوجب الرجوع بشأن هذه المسألة ( إثبات دعوى الزوجية ) إلى نص المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 التي نصت على أن يعمل فيما لم يرد به نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة .
و لا مراء أن الرأي المذكور له وجاهته و سنده ، و لكن الأخذ به يؤدي إلى تناقض غريب ، فهو يعني أن المشرع يعترف بدعوى الزوجية أي بعقد الزواج العرفي و يقر قبولها أمام القضاء ، في الوقت الذي لا يعترف و لا يقبل الدعاوى الناشئة عنه ، فطالما أنه لا يقبل الدعاوى بآثار عقد الزواج ، فلا فائدة عملية ترجى من قبول دعوى الزوجية .
و قد ذهب البعض – ممن له وزنه و مكانته المرموقة – إلى أن مؤدى حكم محكمة النقض المشار إليه سلفاً – بإخراج دعوى الزوجية من القيد – حق المتزوجة عرفياً في طلب الحقوق المترتبة على عقد الزواج العرفي من نفقة أو حضانة وغير ذلك ، شريطة أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين ، أولهما : طلب إثبات صحة ونفاذ عقد الزواج العرفي ، ثانيهما : المطالبة بما يترتب على ثبوت العقد من حقوق تشكل جوهر طلبها الثاني من نفقة أو حضانة أو غير ذلك ، وإن كان ذلك يسبتلزم صيرورة الحكم الصادر في الطلب الأول بإثبات الزواج العرفي نهائياً حتى لا يحرم المدعى عليه فيه من التقاضي على درجيتن باعتباره مما يتعلق بالنظام العام ( المستشار/ أشرف مسطفى كما ل- موسوعة الأحوال الشخصية – ص 208 ).
و هذا الراي – عندي – محل نظر، مع احترامي و تقديري الشديد لصاحبه ، ذلك أنه و إن جاز لجوء المتزوجة عرفياً إلى القضاء للمطالبة بإثبات زواجها العرفي وفقاً لقضاء محكمة النقض آنف الذكر، و عدم خضوعها لقيد عدم السماع الوارد بصدر الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، إلا أنها تخضع للإستثناء الوارد بعجز الفقرة الثانية المذكورة ، فالأصل ألا تُسمع – مطلقاً – الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ، إلا أن المشرع لأسباب ارتآها و ارتضاها أجازعلى سبيل الإستثناء ( قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ) ، فالمتزوجة عرفياً و على فرض حصولها على حكم بإثبات زواجها و صحته ، ما زال عقدها عرفياً , غير ثابت بوثيقة رسمية ، فالأحكام كاشفة و ليست منشئة ، و حيث إن المشرع و إن رتب على ثبوت الزواج العرفي بأية كتابة قبول دعوى التطليق أوالفسخ إلا أنه لم يجز قبول أي دعوى أخرى غيرهما ، و ليس للمتزوجة عرفياً بالتالي المطالبة بأية حقوق مترتبة على زواجها العرفي أو مترتبة على الحكم بالتطليق أوالفسخ ، و القول بغير ذلك – بلا أدنى شك – إفراغ للقيد الوارد بالفقرة الثانية من المادة 17 المذكورة سلفاً من مضمونها، و وصم للمشرع بالعبث ، إذ ما أيسر الأمر على كل متزوجة عرفياً أن تلجأ للقضاء إثباتاً لزواجها العرفي و المطالبة من بعد بحقوقها المترتبة على هذا الزواج ، و هو ما تدخل المشرع لمنعه بنصوصه الواردة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و من بعده القانون رقم 1 لسنة 2000 بعد أن كان جائزا ، و القاعدة أن المشرع لا يعبث و لا يلغو ، و في هذا الرأي أيضاً إهدار للصيانة التي ابتغاها المشرع للزواج من العبث و الجحود حماية لركائز المجتمع و تثبيتاً لأركانه .
الرأي الثاني : أن يقال أن دعوى الزوجية تخضع للمنع الوارد بنص المادة 17 ، و لكن النص المذكور لا يساند هذا الرأي ، إلا أن يقال بأن المشرع منزه عن العبث ، و لا يمكن أن يمنع قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ( العرفي ) ثم يقبل دعوى العقد ذاته ، لاسيما و أن المشرع ما تدخل بمثل هذه الصور إلا لمواجهة هذا الزواج غير الرسمي ، في محاولات منه لمنع اللجوء إليه ، حارماً أطرافه من آثاره قضاء ، و لكن هذا الرأي يعوزه السند الصحيح في مواجهة النص الصريح ، وما كان لهذا الخلاف أن يقع لو كان المشرع يقظاً في تحديد الفاظ النصوص القانونية ، مبتعداً في تشريعه عن الأهواء .
لا مراء أن عقد الزواج سيكون محلاً لدعاوى عديدة يطالب أطرافه من خلالها بإثبات هذه الزوجية أو هذا الزواج أو العقد ، استناداً إلى ظاهر النص و ماذهب إليه أصحاب الرأي الأول و قضاء محكمة النقض المذكور سلفاً ، و نظراً لاحتمال قبولها ، فسوف تضطر محكمة الموضوع في سبيل الفصل فيها إلى التطرق إلى إثبات الزواج شرعاً ، بحثاً عما إذا كان مدعي الزوجية قد أفلح في إثبات دعواه فيقضى له بها ، أم عجز و فشل فترفض ، الأمر الذى أرى معه وجوب بيان طرق إثبات الزواج شرعاً حتى يستكمل البحث مقوماته الأساسية ، و إذا كانت المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أنه يعمل فيما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة ، فإن بحث إثبات الزواج سيكون من خلال مذهب أبي حنيفة و بإيجاز، بحسبان أن المشرع لم يتطرق إلى تنظيم تلك المسألة ، و هذا ما سأعرض له في بداية الجزء الثالث من هذا البحث إن كان في العمر بقية ، و الحمد لله رب العالمين .
الجزء الثالث: اثبات الزواج في المذهب الحنفي
يثبت الزواج في الفقه الحنفي بأحد الأدلة الآتية :
أولاً : الشهادة : الشهادة في المعنى الاصطلاحي إخبار في مجلس القضاء عما وقع تحت سمع شخص و بصره مما يترتب عليه أثر في الشرع ألأو القانون ، أي إخبار الانسان في مجلس القضاء بحق عل غيره لغيره ( د/ كما لامام – ص 210 )، و نصاب الشهادة في إثبات الزواج شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين عدول ( شرح فتح القدير للكما لبن الهامام – ج 7 – ص 370 ، الطعن رقم 1 لسنة 46 ق – جلسة 26/10/1977 ).
و البينة حجة متعدية ، فالثابت بها ثابت على الكافة و لا يثبت على المدعى عليه وحده . و يشترط في الشاهد : العدالة و البلوغ و الحرية و الإبصار و ألا يكون محدوداً في قذف ، و ألا يكون متهماً في شهادته ، بأن كان يجر لنفسه مغنماً أو يدفع عن نفسه مغرماً ، و يدخل في ذلك ألا يكون الشاهد من أصول أو فروع المشهود له أو زوجاً له ، و العلم بالمشهود به ، ذاكراً له وقت الأداء ، و القدرة على التمييز بالسمع و البصر بين المدعى و المدعى عليه .( المستشار/ البكري – ص 123 ).
و قد أجيزت الشهادة بالتسامع استحساناً في بعض المسائل ، منها إثبات الزواج ، و ذلك دفعاً للحرج و تعطيل الأحكام ، بحيث انه إذا اشتهر الزاج لدى الشاهد بأحد طريقي الشهرة الشرعية حل له أن يشهد به لدى القاضي ، و الشهرة الشرعية تنفسم الى قسمين : شهرة حقيقية ، و هذه تكون بالسماع من أقوام كثيرين لا يتصور تواطؤهم على الكذب ، و لا يشترط فيهم العدالة ، و شهرة حكمية ، و تكون بشهادة عدلين أو رجل عدل و عدلتين بالشئ بلفظ الشهادة ( المستشار/ البكري – ص 124 ). و هذا هو الرأي المفتى به في المذهب (الشيخ / احمد ابراهيم – ص 123 ).
و تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن : ( العشرة و المساكنة لا تعتبر وحدها دليلاً شرعياً على قيام الزوجية و الفراش ، إنما نص فقهاء الحنفية على أنه يحل للشاهد أن يشهد بالنكاح و إن لم يعاينه متى اشتهر عنده ذلك بأحد نوعي الشهادة الحقيقية أو الحكمية ، فمن شهد رجلاً و امرأة يسكنان في موضع أو بينهما انبساط الأزواج و شهد لديه رجلان عدلان بالفظ الشهادة انها زوجته حل له أن يشهد بالنكاح و إن لم يحضر وقت العقد ) الطعن رقم 12 لسنة 36ق – أحوال شخصية – جلسة 27 /3/1968 .
ثانياً : الإقرار :
الإقرار شرعاً هو الاعتراف بثبوت حق للغير على نفس المقر و لو في المستقبل باللفظ أو ما في حكمه ( شرح فتح القدير-ج 8 ص 317، الطعن رقم 16 لسنة 50ق أحوال شخصية – جلسة 16/6/1981 )، و إذا أقر الشخص بحق لزمه ، و يعد الإقرار حجة قاصرة على المقر بخلاف البينة ، فإذا أقر أحد الزوجين بالزوجية كان اقراره هذا دليلاً كافياً لاثباتها دون حاجة إلى دليل آخر ، و لا تشترط الشهادة في صحة الإقرار لأن الإقرار ليس انشاء للزوجية (البكري – ص 127 ).
و يشترط في صحة الإقرار بالزواج و نفاذه ما يلي :
1- أن يكون المقر عاقلاً بالغاً .
2- أن يكون الزواج ممكناً الثبوت شرعاً، و ذلك بألا يكون الرجل متزوجاً بمحرم للمرأة كأختها و عمتها ، و لا بأربع سواها، و ألا تكون هي متزوجة فعلاً برجل آخر أو في عدة فرقة منه ، سواء أكان الإقرار من الرجل أو من المرأة .
3- أن تصدق المرأة الرجل في إقراره إذا كان هو المقر، و أن يصدقها الرجل إذا كانت هي المقرة ، لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر.
و الإقرار بالزوجية صحيح و نافذ سواء كان في حال الصحة أو في مرض الموت ، متى ورد عليه التصديق من الجانب الآخر، سواء كان المقر هو الرجل أو المرأة (البكري – ص 127)، و ذهب الصاحبان إلى انه يصح التصديق من الطرف الآخر بعد موت المقر، سواء كان المقرهو الرجل أو المرأة ، أما الإمام أبوحنيفة فيذهب إلى أنه إذا كانالمقر هو الرجل فإنه يصح و ينفذ لو صدقته المرأة بعد موته فيكون لها حقها في الميراث ، أما إذا كانت المرأة هي المقرة فلا يصح تصديق الرجل بعد موتها ، فلا تثبت به الزوجية و لا يستحق به الميراث ، لأنه بموت المرأة تنقطع أحكام الزوجية ، ولذلك يحل للرجل أن يتزوج بأختها عقيب وفاتها و بأربع سواها ، و لا يحل له أن يغسلها إذ صارت أجنبية عنه، أما بعد موت الرجل فللزوجية أحكام باقية كالعدة ، و لذلك يحل لها أن تغسل زوجها .
ثالثاً : النكول عن اليمين :
اذا لم يقر المدعى عليه بالزوجية ، و لم يقدم المدعي بينة عليها ، أو على أن المدعي عليه قد أقر بها قبل ذلك ، كان له – على رأي الصاحبين المفتى به – أن يطلب من القاضي تحليف المدعى عليه ، فإن حلف رفضت الدعوى ، و إن نكل ثبت الزواج، لأن النكول إقرار بالمدعى به عندهما، و ذهب أبو حنيفة إلى أن اليمين لا توجه إلى المدعى عليه إذا كان أحد الزوجين ، و إذا وجهت إليه لم يثبت الزواج بنكوله، لأن النكول بذل لا إقرار عنده، و الزواج ليس مما يبذل (د/كمال امام – ص 219 ). هذا ، و إذا قضي برفض الدعوى بعد أن حلف المدعي عليه أن ليس بينه و بين المدعي زوجية ، كان هذا القضاء قضاء ترك لا يمنع المدعي من تجديد الدعوى إذا وجد البينة ( الإمام / أبو زهرة – ص 268 ، البكري ص 128 ).
المحكمة المختصة بنظر دعوى إثبات الزوجية :
صدر القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة ، و نص في المادة الثالثة منه على أن : ( تختص محاكم الأسرة دون غيرها بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية التي ينعقد الاختصاص بها للمحاكم الجزئية و الابتدائية طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادربالقانون رقم 1 لسنة 2000 ……..)، و بذا يكون المشرع قد عقد لمحاكم الأسرة الاختصاص النوعي بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية ، و لم يعد هناك وجود لمحاكم جزئية وأخرى ابتدائية في نطاق منازعات الأحوال الشخصية ، و بناء على ذلك يضحى الاختصاص بنظر دعوى إثبات الزوجية معقود لمحكمة الأسرة المختصة محلياً بنظرها.
تحديد الدعاوى التي لا يسري عليها القيد :
هناك من الدعاوى ما لا يسري عليها القيد الوارد بنص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 و الخاص بعدم سماع الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، لكون الحقوق فيها ليست الزوجية سبباً مباشراً لها ، أي ليست ناشئة عن عقد الزواج ، و هناك نوع آخر من الدعاوى لا يسري عليها هذا القيد استثناءً من القانون نفسه بنص المادة المذكورة سلفاً ، و أبين كلا النوعين على الوجه التالي :
الدعاوى التي لا يسري عليها القيد بغير نص : من هذه الدعاوى :
1- إثبات الإرث بسبب البنوة : لأن الإرث هنا سببه البنوة و ليس الزواج ، فقد قضت محكمة النقض بأن : ( لما كانت دعوى المطعون عليه هي دعوى ارث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى اثبات الزوجية أو اثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سباً مباشراً لها ، فإن اثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع من السماع على دعوى النسب سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الاسلامية حتى و لو كان النسب مبناه الزوجية الصحيحة ، و لما كان اثبات البنوة و هو سبب الارث في النزاع الراهن بالبينة جائزاً فلم يكن على الحكم المطعون فيه أن يعرض لغير ما هو مقصود أو مطلوب بالدعوى ) الطعن رقم 21 لسنة 44 ق – أحوال شخصية – جلسة 7/4/1976 .
و على ذلك فيمكن للولد من زواج عرفي أن يرفع دعوى إرث من أبيه دون أن يكلف تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، و إنما يكفيه البينة على دعواه . هذا و يلاحظ أن دعوى الإرث التي ترفعها الزوجة عن زوجها المتوفي من زواج عرفي لا تقبل لأن مبناها الزوجية .
2- دعوى نفقة الأولاد : الأصل في الدعوى بطلب نفقة للصغير أن يكون النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة ، أخذاً بأن سبب وجوب النفقة للأولاد هي الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل ( الطعن رقم 173 لسنة 63 ق – أحوال شخصية – جلسة 26/5/1997 )، و بالتالي لا تعد الزوجية سبباً لوجوب النفقة للأولاد على أبيهم ، و إنما السبب في وجوبها هو كون الولد جزء من أبيه و فرع منه أي البنوة ، الأمر الذي تكون معه دعوى الولد من زواج عرفي بطلب النفقة من أبيه مقبولة و لا تخضع للقيد الوارد بنص المادة 17 لكونها ليست من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يلاحظ أن نفقة الصغير تشمل الطعام و الكسوة و السكنى و مصاريف العلاج و التعليم ، فالدعوى بأيهم مقبولة ، و عليه فتكون المطالبة بمسكن حضانة للصغير مقبولة باعتباره من النفقة ، و هكذا في كل مشتملات النفقة .( و في تأييد ذلك المستشار/ أشرف مصطفى كمال – مرجع سابق ص 209 ).
3- إثبات الزوجية التي من شرائط امتداد عقد الإيجار:
فقد قضت محكمة النقض بأن : ( الأصل في فقه الشريعة الاسلامية جواز الشهادة بالتسامع في الزواج ، إلا أن المشرع تدخل استثناءً من هذا الأصل – احتراماً لروابط الأسرة و صيانة للحقوق الزوجية – فقد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن ” لا تسمع عند الإنكار………….” و لما كانت دعوى الطاعن هي طلب إنهاء عقد إيجار شقة النزاع باعتبار أن الشاغلة لها ليست زوجة للمستأجر الأصلي الذي ترك العين لعدم وجود وثيقة رسمية معها مثبتة للزواج، و هي دعوى متميزة عن دعوى الزوجية التي عنتها المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فإن الزوجية التي هي من شرائط امتداد عقد الايجار عملاً بنص المادة 31 من القانون رقم 52 لسنة 1969 لا يلزم لتوافرها ثبوت الزواج بوثيقة رسمية ، و لو قصد المشرع ذلك لنص عليه صراحة ). الطعن رقم 1535 لسنة 48 ق – جلسة 19 /5/1982 ، و الطعن رقم 973 لسنة 49 ق – جلسة 20/12 /1984 .
هذا ، و يجب التنبه إلى ما سبق الإشارة إليه من عدم خضوع النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية للقيد الوارد بالمادة 17 وفقاً لما انتهت إليه محكمة النقض على النحو الموضح بالمبحث الثاني من هذا البحث، و بالتالي فالنزاع في الزواج إثباتاً و صحة و خلافه أصبح طليقاً من القيد المذكور.
4- دعوى النسب :
استقرت أحكام محكمة النقض في ظل العمل بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 على عدم خضوع دعوى النسب للقيد الوارد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ، لكونها دعوى متميزة عنها، فقد قضت بأن :
” ……… لا تأثير لهذا المنع من السماع على دعوى النسب التي ما زالت باقية على حكمها المقرر في الشريعة الاسلامية ، و كان النسب كما يثبت بالبينة والإقرار يثبت بالفراش الصحيح و ملك اليمين و ما يلحق به و هو المخالطة بناء على عقد فاسد أو بشبهة “. الطعن رقم 8 لسنة 58 ق أحوال شخصية – جلسة 21/11/1989 .
كما قضت بأن : ” و حيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ، و في بيان ذلك يقول ان المطعون ضدها تستند في إثبات نسب الصغير إليه إلى أنها زوجة للطاعن بعقد عرفي ، و لما كانت هذه الزوجية غير ثابتة بوثيقة زواج رسمية فقد دفع بعدم سماعها … لأنه من غير الجائز إثبات الزوجية بشهادة الشهود…و حيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقررفي قضاء هذه المحكمة أن دعوى النسب متميزة عن دعوى إثبات الزوجية ، و أن إثبات البنوة لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها … “. الطعن رقم 62 لسنة 58 ق أحوال شخصية – جلسة 22/5/1990 .
هذا و يثبت النسب بالفراش و الإقرار و البينة ، فإذا ادعت امرأة على رجل أنهاولدت منه و لم تكن فراشاً له فلها إثبات مدعاها بالبينة الكاملة أي شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين عدول ، و الشهادة المنصبة على النسب لا يشترط فيها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد إن كان . ( الطعن رقم 3 لسنة 45 ق أحوال شخصية – جلسة 9/11/1967 ).
رأي مخالف لما سبق :
و مع ذلك ، فإن هناك رأياً – لصاحبه وزنه الفقهي و العلمي المعروف – يذهب إلى عكس ذلك أو إلى التفصيل ، و لهذا الرأي من يؤيده . يرى صاحب هذا الرأي أن عبارة المذكرة الايضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 التي تجيز سماع دعوى النسب عند الإنكار دون وثيقة زواج رسمية تكون في محلها إذا كان ثبوت النسب أساسه الدعوة أو نحوها و لم يكن أساس الاثبات فيه فراش الزوجية ، و ذلك لأن الدعوة وحدها كافية لاثبات النسب ، فإذا أقام الدليل عليها فقد ثبت ، و كذلك إذا كان أساس النسب دخولاً بشبهة أسقطت الحد و محت وصف الزنا ، فإن أساس النسب فيه واقعة لا تقيد اللائحة طريق إثباتها ، بل تركته للمقرر في الفقه من طرق الإثبات ، و على القاضي أن يراعي ملابسات الأحوال ، أما إذا كان أساس النسب هو فراش الزوجية فإن النسب لا يثبت إلا إذا ثبتت الزوجية ، فالدعوى في هذه الحالة تتضمن لا محالة دعوى الزوجية ، فيجب أن يجري اثباتها على ما سنته اللائحة و تتقيد بقيودها ، إذ أن نص اللائحة يشمل كل دعاوى الزوجية سواء اكانت ضمن حق أم لم تكن ، و إذا كانت دعوى النفقة بسبب الزوجية ترفض إذا كانت الزوجية محل إنكار و لم تثبت بوثيقة رسمية ، فكذلك ترفض دعوى النسب إذا كان بسبب فراش الزوجية ، و أنكرت الزوجية و لم تستطع اثباتها بوثيقة رسمية بمقتضى منطق القانون ، و لا يجوز التفريق بين النسب و غيره من آثار الزوجية إذا كان أساس الدعوى فيه فراش الزوجية الصحيح ( الرأي لفضيلة الإمام / محمد أبو زهرة – الأحوال الشخصية – ص 272 و ما بعدها ، و قد أيده المستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق ص 134 و ما بعدها ) ، و الرأي كما هو واضح صدر في ظل العمل بالقانون الملغي رقم 78 لسنة 1931 .
تعليق على الرأي السابق و الوضع في ظل القانون الجديد :
الرأي السابق – مع اجلالنا لصاحبه و له – و إن كان على حق في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 وله سنده الصحيح الذي أؤيده، حيث إن دعوى الزوجية كان النص الملغي صريح في عدم سماعها إذا توافرت شروط ذلك ، إلا أنه بعد صدور القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فقد أصبحت دعوى الزوجية و بهذه الصياغة غير خاضعة للقيد الوارد بالنص و بالتالي يتعين قبولها و لو لم تكن هناك وثيقة رسمية بالزواج ، و إذن إذا كانت دعوى النسب أساسها الفراش الصحيح فلا يوجد ما يمنع قبولها .
و قد أكدت محكمة النقض في حكم حديث لها هذا الأمر، حيث أجازت اثبات وجود أو صحة الزواج ذاته عند الإنكار بكافة طرق الإثبات ، فقد قضت بأن :
” القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصرعلى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوز للزوج أو الزوجة إثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ” الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 – وارد بمؤلف المستشار/ أشرف مصطفى كمال – موسوعة قوانين الأحوال الشخصية – طبعة نقابة المحامين – الجزء الأول – ص 273 .
و الوضع بعد صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 لم يتغير عما كان عليه قبل صدوره فيما يتعلق بدعوى النسب و عدم خضوعها للقيد المشارإليه سلفاً ، لأن دعوى النسب لا زالت باقية على حكمها المقرر شرعاً و هو أن الولد للفراش ، فيثبت النسب بالزواج و لولم يكن ثابتاً في أية ورقة ، بأن كان شرعياً محضا ً ، و في حالة دعوى النسب المستندة إلى زواج عرفي ، لا يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم هذا العقد بل يكفي أن يثبت بالبينة حصوله و حصول المعاشرة الزوجية في ظله ، باعتبار البينة الشرعية هي إحدى طرق إثبات النسب ، كما أنه ليس بلازم أن يشهد الشهود بحضور مجلس ذلك العقد العرفي ، بل يكفي أن يشهدوا بعلمهم بحصوله لأن الشهادة بالتسامع جائزة هنا بشرط أن لا يصرح الشاهد في شهادته بلفظ أسمع أو سمعت . ( م/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – الجزء الثاني ص 468 ، 472 )، فإثبات النسب يكون بكافة طرق الإثبات المقررة لذلك دون حاجة إلى وثيقة الزواج الرسمية أو العرفية .
و هذا ما تؤكده المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1920 بأحكام النفقة و بعض مسائل الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ، حيث نصت على أن : ( لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها و بين زوجها من حين العقد و لا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها و لا لولد المطلقة و المتوفي عنها زوجها إذا أتت به بعد سنة من وقت الطلاق أو الوفاة )، فقد حدد المشرع – حصراً – أسباب عدم سماع دعو النسب ، و ليس من بين تلك الأسباب عدم ثبوتها في وثيقة رسمية ، و قد أكدت محكمة النقض ذلك في حكم صادر منها بعد صدور قانون 1 لسنة 2000 حيث قضت بأن : ” عدم سماع دعوى النسب عند الإنكار. شرطه أن تأتي بالولد لم تلتق بزوجها من حين العقد أو أتت به بعد سنة من غيبته عنها أو من انقضاء فراش الزوجية بالطلاق أو الوفاة ز مادة 15 مرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1920 ” . الطعن رقم 152 لسنة 65 ق أحوال شخصية – جلسة 14/5/2001 – مجلة المحاماة – العدد الثاني 2002 – ص 224 .
5- دعوى المتعة : قد يثور التساؤل عما إذا كانت دعوى المتعة تخضع للقيد الوارد بنص المادة 17 أم لا ؟ .
ذهب البعض إلى عدم قبول دعوى المتعة لكون المشرع قد حرص على النص في المادة المذكورة على أن يقتصر الاستثناء في حالة إنكارالزواج و عدم ثبوته في وثيقة رسمية على قبول الدعوى بالتطليق أو الفسخ فقط دون غيرهما من دعاوى المطالبة بالحقوق المترتبة على الطلاق كالمتعة أونفقة العدة أو غير ذلك ( م/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 210 هامش 4 ) ، و يرى البعض أنه لما كان نص المادة 18 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1925 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 يشترط لاستحقاق المتعة أن تكون الزوجة مدخولاً بها في زواج صحيح ، فإن إنكار المطلق لواقعة الزواج ذاتها يكون كافياً بذاته لعدم سماع الدعوى بالمتعة ( أ/ سمير عبد السميع – مرجع سابق ص 209 ). و هذا الرأي محل نظر ، ذلك أن المطلق إذا أنكر الزوجية فإن الزوجة لديها مكنة اثبات الزواج بأي دليل كتابي وفقاً لنص المادة 17 ، فإن أفلحت ثبت الزواج ، و لم يعد لإنكار الزواج من قيمة في هذه الحالة ، و لكن السؤال هل إذا ثبت الزواج و قضت المحكمة بالتطليق يكون للمطلقة حينئذ رفع دعوى المتعة ؟ الرأي عندي بالإيجاب، ذلك أن المشرع إنما منع – فقط – قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و بالتالي فالدعاوى الغيرناشئة عن عقد الزواج تكون بمفهوم المخالفة مقبولة ، و لما كانت المتعة ليست ناشئة عن عقد الزواج ، و إنما ناشئة عن واقعة الطلاق ، فإنها تكون مقبولة ، ذلك أن المقرر في قضاء النقض أن ( سبب الحق في المتعة هو الطلاق باعتباره الواقعة المنشئة لالتزام المطلق بها ، و الأصل في تشريعها جبر خاطر المطلقة و فيها ما يحقق المعونة المادية لها على نتائج الطلاق ) الطعن رقم 438 لسنة 65 ق – جلسة 17/4/2000 .
و لا يقدح في ذلك قالة أن المشرع استثنى من عدم القبول دعوى التطليق أو الفسخ دون غيرهما ، ذلك إن هذا الاستثناء من قبيل الاستثناء المتصل ، أي أنه استثناء من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، بمعنى أن المشرع جعل الأ صل عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، ثم استثنى من تلك الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج دعوى التطليق أو الفسخ ، فالأصل و الاستثناء متعلق بالدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فقط ، أما الدعاوى الغيرناشئة عن عقد الزواج فهي مقبولة كلها بلا استثناء ، و منها دعوى المتعة على ما سبق بيانه .
6- الدعوى التي يرفعها الأب بضم الأولاد :
في حالة ما إذا تزوج رجل امرأة زواجاً عرفياً ، و أثمر هذا الزواج أولاداً ، ثم حدثت الفرقة بين الزوجين ، فهل يملك هذا الزوج في هذه الحالة المطالبة بضم أولاده من هذه الزوجة إذا بلغوا سن الحضانة غير الالزامية ، أي إذا أنهوا سن الحضانة الالزامية التي تقوم عليها النساء لزوماً و التي تنتهي ببلوغ الصغير خمس عشرة سنة طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلة بالقانون رقم 4 لسنة 2005 ، فهل إذا بلغ الأولاد هذه السن يحق لأبيهم أن يطالب بضمهم رغم أنهم من زواج عرفي أم يخضع للقيد ؟ الرأي عندى أنه في هذه الحالة يملك الأب أن يرفع مثل هذه الدعوى ، باعتبار أن هذه الدعوى سببها البنوة و ليس الزوجية ، فكونهم أبناءه أي فرع له يعد السبب لهذه الدعوى ، و قد أكد هذا الرأي المتسشارأشرف مصطفى كمال معللاً ذلك بغلبة حق الصغير فيها و اتصالها بالنسب ( المرجع السابق ص 209 ).
الجزء الرابـــع: تحديد الدعاوى التي لا يسري عليها القيد بالنص القانوني عليها
نصت المادة 17- من القانون رقم 1 لسنة 2000 – في عجز فقرتها الثانية على قبول بعض الدعاوى أمام القضاء، و لو كان الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية و أنكر المدعى عليه الزوجية ، استثناء من القيد الوارد بها، و هذه الدعاوى هي دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال ، دون غيرهما ، و اشترطت لذلك شرطاً واحداً هو أن يكون الزواج ثابتاً بأية كتابة ، فقد نصت المادة المذكورة في هذا الشأن على أنه : ( ….. ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ).
و سأتناول هذا الإستثناء بالشرح على النحو التالي :
نقـــد النص :
بداية أشيرإلى أن المادة 17 في فقرتها المتعلقة بهذا الإستثناء قد أثارت جدلاً كثيرا، فقد قيل بأنها تقنن الزنا ، أو تفتح الباب أمام تفاقم ظاهرة الزواج العرفي ، و رداً على ذلك قيل بأن كل ذلك اتهامات للقانون بغير دليل ، فالمشرع بهذه المادة لم يفتح الباب أمام الزواج العرفي و لم يشجع عليه ، و لم يشرع إثباته أو إثبات أي حق يترتب عليه ، و لكنه فتح الباب أمام امرأة تعيسة أو طائشة شاءت ظروفها أن يصبح الزواج العرفي بالنسبة لها حقيقة واقعة ، و نحن هنا أمام أمرين ، الأول : أن نترك هذه المرأة حبيسة عقد يقودها إلى فساد ، أو يوقعها تحت طائلة العقاب الجنائي بالجمع بين زوجين ، الثاني : نفتح له الباب للفرقة حتى لا تصبح وقفاً على رجل ينكرالزواج بها ، و وضع هذه المرأة الشرعي من غير استحداث هذا النص أن تظل بإقرارها أمام القاضي أنها زوجة لا يمكنها الزواج مرة أخرى حتى يطلقها هذا الرجل المنكر، أو يموت فتعتد عدة وفاة ، فجاء هذا النص ليفتح أمام هذه المرأة باباً للرحمة حتى تصبح حرة من إقرارها بالزوجية قضاء، و تتحررمن زواج قائم ديانة ، و تصبح بعد أن تعتد عدة طلاق امرأة بلا زوج يمكنها أن تتصرف في مصيرها دون أن تقع في الإثم الديني أو تصبح تحت طائلة الجزاء الجنائي . هذه هي وظيفة النص الجديد الوحيدة ….. و في هذا رفع أضرار أو ضرر وقع عليها أو منها ، و المبدأ الكلي في الشريعة الإسلامية لا ضرر و لا ضرار .( في النقد و الرد عليه : د/ محمد كمال إمام – أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين – الجزء الثاني – الطلاق – 2001 – ص 112 و ما بعدها ).
تحديد الدعاوى المستثناة : دعوى التطليق أو الفسخ :
دعوى التطليق :
تعني هذه الدعوى التفريق بين الزوجين قضاء ، فهي دعوى تطليق على الزوج ، و ليست طلاقاً ، فالطلاق انقضاء إرادي لرابطة الزوجية ، أي إرادة أحد الزوجين ، أما التطليق فهو الإنقضاء الذي يستلزم تدخل القضاء .
و قد ورد النص على دعوى التطليق بصيغة مطلقة ، فلم يقيد المشرع الإستثناء الوارد في المادة 17 – دعوى التطليق – بسبب معين من أسباب التطليق ، و عليه فإن للزوجة في زواج عرفي أن ترفع دعوى تطليق لأي سبب من الأسباب الورادة في قوانين الأحوال الشخصية إذا توافرت شروطها ، و هذه الدعاوى عديدة ، و تشمل التطليق للأسباب الآتية : لعدم الإنفاق ، للعيب ، للضرر ، للزواج بأخرى ، لاستحكام الخلاف بين الزوجين ، لغيبة الزوج أو حبسه ، للردة ، التفريق لبطلان الزواج أو فساده ، دعوى إثبات إيقاع الطلاق ، و الدعوى الأخيرة ليست دعوى طلاق .( المستشار/ أحمد نصر الجندي – المرجع السابق – ص 309 ).
و إذا صد رالحكم بالتطليق فيجب على المرأة العدة و لا يجوز لها أن تتزوج ما دامت في العدة .
دعوى الفسخ :
تعريف الفسخ و آثاره : الفرقة أي انحلال رابطة الزواج نوعان : طلاق و فسخ ، و يفرق بينهما بأن الطلاق هو إنهاء لعقد الزواج بلفظ خاص يترتب عليه زوال الملك و بقاء الحل إذا كان بائنا ً بينونة صغرى ، أو نقص عدد الطلقات مع بقاء الملك و الحل إن كان رجعياً ، أو زوال الملك و الحل إن كان بائناً بينونة كبرى .
أما الفسخ فهو نقض للعقد و رفع له وإزالة الحل الذي كان يترتب عليه في الحال ، و هو نوعان : أحدهما : فسخ يكون نقضاً للعقد من أصله ، و ذلك إذا اقترن بإنشاء العقد ما يبطله أو يفسده أو يجعله غير لازم ، و ثانيهما : فسخ لا ينقض العقد من أصله لأنه نشأ صحيحاً لازماً ، و إنما طرأ عليه سبب عارض يمنع بقاء النكاح ، كارتكاب أ ي منهما ما يوجب حرمة المصاهرة ، و هذا النوع الثاني قسمان ؛ أولهما : فسخ يمنع الزواج على التأبيد بسبب حدوث ما يوجب حرمة المصاهرة ، و الثاني : فسخ يمنع الزواج على التأقيت و سببه ما يوجب تحريماً مؤقتاً بين الزوجين كالردة .
بيان الفرق التي تكون طلاقاً و تلك التي تكون فسخاً :
الفرق التي تكون طلاقاً :
1- ما تكون بلفظ من ألفاظ الطلاق الصريح أو الكتابة .
2- الخلع .
3- الإيلاء .
4- الفرقة لعيب في الزوج ككونه عنيناً أو مجبوباً أو خصياً.
5- اللعان طبقاً لرأي أبي حنيفة و محمد الراجح في المذهب .
6- الفرقة لإباء الزوج الإسلام بعد اسلام زوجته طبقاً لرأي أبي حنيفة و محمد الراجح في المذهب .
7- التفريق لعدم الإنفاق و للغيبة و لحبس الزوج و للضرر و للتضرر من الزواج بأخرى .
الفرقة التي تكون فسخاً :
1- الفرقة لبطلان العقد أو فساده أو عدم صحته .
2- الفرقة بسبب ارتكاب أحد الزوجين مع أحد أصول الآخر أو فروعه ما يوجب حرمة المصاهرة .
3- الفرقة بخيار البلوغ أو الإفاقة من الزوج أو الزوجة .
4- الفرقة لعدم كفاءة الزوج ، بأن تكون المرأة العاقلة البالغة قد زوجت نفسها بغير كفء دون رضاء وليها العاصب .
5- الفرقة لنقصان المهر عن مهر المثل إذا باشرت المرأة العاقلة البالغة بنفسها عقد زواجها من كفء لها على مهر أقل من مهر مثلها و لم يرض بذلك وليها العاصب .
6- الفرقة بسبب ردة الزوجة أو امتناعها عن الإسلام ، او اعتناق أي دين سماوي بعد اسلام زوجها.
7- الفرقة بردة الزوج على رأي أبي حنيفة و أبي يوسف الراجح في المذهب .
آثار التفرقة بين الطلاق و الفسخ :
1- يترتب على الطلاق البائن انحلال رابطة الزوجية في الحال ، و على الطلاق الرجعي انحلال الزوجية بعد انقضاء العدة ، أما الفسخ فينحل به عقد الزواج في الحال .
2- الطلاق ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته ، أما الفسخ فلا ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج .
3- الطلاق غير المكمل لثلاث يلحقه الطلاق في العدة ، لأن العقد قائم بعده ، أما الفسخ فلا يلحقه طلاق في العدة ، و يستثنى من ذلك الفرقة بسبب ردة الزوجة أو إبائها عن الإسلام فإنه يقع عليها الطلاق في العدة عقوبة و زجراً لها
4- الفسخ يكون في عقد الزواج الصحيح و في عقد الزواج الباطل أو الفاسد ، أما الطلاق فلا يكون إلا في عقد الزواج الصحيح .
5- الطلاق إذا وقع من قبل الزوج ، قبل الدخول حقيقة أو حكماً ، يترتب عليه وجوب نصف المهرالمسمى للمطلقة ، و وجوب المتعة لها إن لم يكن المهر مسمى في العقد تسمية صحيحة ، و أما فسخ العقد قبل الدخول و قبل الخلوة إن كان الأمر متصلاً بإنشاء العقد فلا يترتب على هذه الفرقة شئ من المهر.
6- أن المتعة المنصوص عليها في المادة 18 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 لا تستحق إلا في حالة الطلاق دون حالة الفسخ .
( يراجع مشكوراً ًفي الفسخ و ما ورد بشأنه : المستشار/ البكري – المرجع السابق – ص 153 وما بعدها ، و بتفصيلات أكثر في المذاهب الأربعة : الشيخ / عبد الرحمن الجزيري – الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع – قسم الأحوال الشخصية – النكاح و الطلاق – ص 381 و ما بعدها ).
آثار القضاء بفسخ عقد الزواج :
إذا حكم بفسخ عقد الزواج و كان الرجل قد دخل بالمرأة فيترتب على ذلك وجوب الفرقة أو التفريق بينهما و وجوب العدة على المرأة من وقت تفريق القاضي بينهما ، و العدة هنا عدة طلاق ، و يثبت به نسب الولد من الرجل إذا حصل حمل من ذلك الدخول ، و ذلك للاحتياط في إحياء الولد و عدم تضييعه، و لا يجب فيه المهر على الزوج إلا لأقل من المسمى أو من مهر المثل ، و لا يثبت شئ من هذه الأحكام إلا بالدخول الحقيقي ، فالخلوة و لو كانت صحيحة لا يترتب عليها شئ من هذه الأحكام . ( دار الإفتاء المصرية – المجلد الخامس – ص 1894 ، 1895 ) . و لا يترتب على الفسخ أحكام أخرى ، فلا تجب فيه النفقة أو الطاعة أو التوارث بين الزوجين .
الإستثناء قاصرعلى دعوى الطلاق أو الفسخ فقط :
أورد المشرع بعد أن ذكر هذا الإستثناء كلمة ( دون غيرهما ) ، تأكيداً منه على أن الإستثناء يقتصر على قبول دعوى التطليق أو الفسخ فقط ، دون أي أثر آخر من الآثار التي يمكن أن تترتب على التطليق أو الفسخ من حقوق للمرأة ، و لا تملك المرأة الاستفادة من آثار هذا الحكم بإقامة دعاوى أخرى للمطالبة بهذه الآثار.
و هذا القول يتفق مع الغاية التي من أجلها أقر المشرع هذا الإستثناء، و هي فتح الباب أمام المتزوجة عرفياً للفكاك من أسر هذا الزواج .
هل يسري الإستثناء على دعوى الخلع ؟
يثور التساؤل عن حق المتزوجة عرفياً في مخالعة زوجها ، أي هل يجوز لها – في حالة إنكار الزوج لواقعة الزواج – اللجوء للقضاء للمطالبة بمخالعة زوجها ، و هل تقبل الدعوى حينئذ ؟
ذهب رأي إلى أن المتزوجة بعقد زواج عرفي ، شفوي أو كتابي ، لا يحق لها استخدام مكنة التطليق خلعاً لعدم ثبوت زواجها، إلا أنه إذا كانت الزوجية العرفية ثابتة بأية كتابة على النحو المنصوص عليه بعجز الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 و أقامت الدليل على سبق قيام الزوجية بينها و المدعي عليه، و الذي يحق لها إثبات حصوله بكافة طرق الإثبات، ينفتح أمام الزوجة في هذه الحالة إمكانية اللجوء إلى طلب التطليق خلعاً ، و يرى صاحب هذا الرأي أنه لا يقدح في ذلك القول أن المشرع قد حصر حق المتزوجة عرفياً في المادة 17 /2 في طلب الطلاق دون غيره على سبيل الإستثناء تمكيناً لها من الخروج من ذلك المأذق المتمثل في تحقق أسباب التطليق لديها دون قدرة على طلبه قضائياً لعدم ثبوت الزواج في وثيقة رسمية ، و ذلك بالنظر إلى النتيجة التي تسفر عنها كلاً من دعوى الخلع ودعوى التطليق في الزواج العرفي باعتبارها واحدة في الحالتين ، و هي فصم عرى الزوجية دون حق في المطالبة أو التداعي بأي حق من الحقوق المقررة للزوجة ، فضلاً عما هو مقرر في قضاء محكمة النقض من أن القيد الوارد في المادة 17 /2 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ينحصر في عدم قبول الدعاوى المترتبة على عقد الزواج – عند إنكار الزوجية – إلا إذا كانت الزوجية ثابتة في وثيقة رسمية ، و لا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ذاتها ، حيث يجوز لكل من الزوجين عند الإنكار إثباتها بكافة طرق الإثبات ، كما لا يجوز الإرتكان إلى اختلاف طبيعة الحكم الصادر في حالة التطليق للمتزوجة عرفياً باعتباره حكماً قابلاً للطعن عليه و الحكم الصادر في طلب المخالعة باعتباره حكماً انتهائياً لا يجوز الطعن عليه عملاً بحكم الفقرة الأخيرة من المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، باعبتار أنه لا يجوز الاستناد إلى طبيعة الحكم أو درجته كضابط للتفرقة بين الحقوق الموضوعية ( المستشار/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 314 ، 315 ).
الزواج العرفي و التطليق للزواج بأخرى :
منح المشرع الزوجة حق طلب التطليق لزواج زوجها من أخرى ، كسبب من أسباب التطليق الواردة في القانون المصري، حيث نصت المادة 11 مكرراً من القانون رقم 25 لسنة 1925 على أنه :(…. و يجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما و لولم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها …………….).
و يثور التساؤل عن حكم الزوجة طالبة التطليق لهذا السبب ، من حيث إثبات الزواج الآخر إذا كان عرفياً ؟ و كذا ينشأ التساؤل عن الحكم في حال ما إذا كانت طالبة التطليق لذات السبب متزوجة عرفياً ؟
فأما عن السؤال الأول ، إذا تزوج رجل من امرأة زواجاً رسمياً ، ثم تزوج من أخرى زواجاً عرفياً ، و أرادت الزوجة الأولى – و قد علمت بأن زوجها قد تزوج عليها عرفياً – الطلاق ، فما هو الدليل الذي تستطيع أن تعتصم به إثباتاً للزواج الآخر العرفي ؟
ذهب رأي – صادر قبل العمل بالقانون الجديد رقم 1 لسنة 2000 – إلى أنه لما كانت المادة 99 /4 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 تنص على أنه ( و لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 ) ، و كان حكم هذا النص يسري على الدعاوى التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر، و على الدعاوى التي يقيمها ورثة أيهما على الآخر أو على ورثته ، و كذلك على الدعاوى التي يقيمها الغير أو النيابة العامة في الأحوال التي تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أيهما أو ورثتهم، و كان النص المذكور يطبق سواء كان النزاع في ذات الزوجية أو فيما يتعلق بالحقوق التي تكون سبباً لها ، و هو حكم متعلق بالنظام العام ، فإنه يترتب على ذلك أنه إذا أقامت الزوجة دعوى تطليق ضد زوجها لزواجه بأخرى ، فأنكر الزوج زواجه بأخرى ، تعين على الزوجة إثبات زواجه بأخرى بوثيقة زواج رسمية ، و أنه إذا كان الزوج – ترتيباً على ذلك – متزوجاً بالزوجة الأخرى بموجب عقد زواج عرفي ، فإن الزوجة لن تستطيع إثبات هذا الزواج وبالتالي لن تتمكن من الحصول على حكم بالتطليق .( المستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق – الكتاب الثاني ص 385 ، 386 ، المستشار/ واصل علاء الدين – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية و القانون – طبعة 1994 ص 455 ).
و ذهب رأي آخر- لا سيما بعد صدور القانون الجديد رقم 1 لسنة 2000 و أكدته محكمة النقض – إلى عكس ذلك ، مرتكناً إلى أنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون سالف الذكرتمنع قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – عندالإنكار- إلا إذا كانت الزوجية ثابتة في وثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 ، و كان المنع المقصود في هذا المجال هو المنع من إثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سبباً مباشراً لها ، و إذا كان السبب المنشئ لحق الزوجة في طلب الطلاق لاقتران زوجها من أخرى ليس هو واقعة زواجه الأخرى ذاتها ، و إنما هو الضرر الذي يكون قد أصابها من ذلك الزواج الآخرإن كان و الذي تكلف بإثباته ، مما مؤداه أن الزواج الثاني ليس هو السبب المباشر لنشوء حق الزوجة في طلب الطلاق ، فإن سماع طلب إثبات الزواج الثاني لا يشترط فيه و الحال كذلك أن تكون تلك الزوجية – و قد أنكرت – ثابتة في وثيقة زواج رسمية ، و يكون للزوجة طالبة الطلاق إثباتها بكافة طرق الإثبات الشرعية ( المستشار/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 339 ، 340 ، الطعن رقم 463 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 ، و الطعن رقم 422 لسنة 64 ق – جلسة 29/9/1998 ).
و هذا الرأي الأخير – عندي – هو الصواب ، ففضلاً عن أن التطليق للزواج بأخرى ليس ناشئاً عن عقد الزواج الثاني و إنما سببه المباشر هو الضرر الناتج عن الزواج الثاني ، كما انتهى أصحاب هذا الرأي ، فإن التطليق بصفة عامة يعد إنهاء لعقد الزواج ، فكيف يكون ناشئاً عنه ؟ ، كما أن الزوجية في حد ذاتها يجوز إثباتها بكافة الطرق و لا تخضع للقيد الوارد بالمادة 17 وفقاً لقضاء النقض المنوه عنه فيما سبق ، بالإضافة إلى أن القول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة شاذة ، هي كون المتزوجة عرفياً أفضل حالاً من المتزوجة رسمياً التي تزوجت وفق أحكام القانون ، إذ يكفي المتزوجة عرفياً أية ورقة تصلح إثباتاً للزواج العرفي كي تُسمع دعواها ، أما المتزوجة رسمياً طالبة التطليق فلن تُسمع دعواها إلا إذا أثبتت الزواج الآخربوثيقة رسمية ، و هو ما لن تتمكن منه لكون الزواج الآخر عرفياً .
و عن التساؤل الثاني و هو الفرض العكسي للحالة السابقة ، أي حالة ما إذا كانت الزوجة طالبة التطليق متزوجة بموجب عقد زواج عرفي ، فإن دعواها تكون مسموعة حتى ولو أنكر الزوج الزوجية العرفية ، طالما كانت ثابتة في أي ورقة إعمالاً لحكم المادة 17/3 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ( المستشار/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – الجزء الثاني – ص 340 ، مستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق – ص 386 ).
و يثور تساؤل آخر، و هو ما حكم المتزوجة عرفياً حين تطلب التطليق لزواج زوجها من أخرى زواجاً عرفياً ؟
في هذه الحالة ، إذا لم يكن هناك إنكار للزواجين العرفيين فإن الدعوى تُسمع حينئذ ، أما إذا كان هناك إنكار، فالأمر لا يخرج عن أحد فرضين ؛ إما أن ينكرالزوج الزواج الآخر مع اعترافه بزواجه من طالبة التطليق ، و في هذا الفرض تسمع دعواها و يكون لها أن تثبت الزواج الآخر بكافة طرق الإثبات ، لكون التطليق للزواج بأخرى ليس ناشئاً عن الزواج الثاني بل عن الضرر الناتج عنه ، فضلاً عن أن المنازعات المتعلقة بإثبات الزواج وجوداً و صحة لا تخضع لقيد عدم السماع الوارد بالمادة 17 ، حسبما سبق بيانه .
أما إذا كان الزوج قد أنكر زواجه العرفي من طالبة التطليق مع اعترافه بالزواج الآخر، ففي هذه الحالة يجب على الزوجة طالبة التطليق إثبات زواجها العرفي منه بأية كتابة حتى تسمع دعواها ، فإن أثبتت سمعت دعواها ، و إلا لم تسمع .
تطليق المتزوجة عرفياً و أثره في حلها لزوجها الأول الذي طلقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى :
تثور هنا مسألة هامة ناتجة عن إجازة التطليق في الزواج العرفي ، و هي أنه قد يحدث أن يتزوج رجل من امرأة زواجاً رسمياً ، ثم يقع الطلاق بينهما و يصل الأمرإلى الطلقة الثالثة ، أي طلاق بائن بينونة كبرى ، و من آثار هذا الطلاق أنه لا تحل هذه المرأة لهذا الزوج إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً صحيحاً – ليس باطلاً أو فاسداً – ثم يدخل بها زوجها الجديد دخولاً حقيقياً ، أي يذوق عسيلتها و تذوق عسيلته ، ثم يموت عنها أو يطلقها و تنقضي عدتها منه ، و هنا تحل لزوجها الأول بعقد جديد مستوفياً شروطه الشرعية ، فإذا تزوجت هذه المرأة – بعد طلاقها طلاقاً بائناً بينونة كبرى – من رجل زواجاً عرفياً صحيحاً و حدث الطلاق بينهما أو تم تطليقها منه قضاءًً ، فهل يجوز لها أن تعود لزوجها الأول ؟
في هذه الحالة أرى – و الله تعالى أعلى و أعلم – أنه إذا تم التطليق بينهما قضاء ، فإنه يحل لها شرعاً و قانوناً أن تعود لزوجها الأول بعقد جديد إذا كان قد تم الدخول بها دخولاً حقيقياً من زوجها الثاني ، ذلك أن التطليق لا يكون إلا عن زواج صحيح شرعاً بخلاف الفسخ ، و بذلك تتوافر شروط حل الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى لزوجها الأول ، و هي زواجها من آخر زواجاً صحيحاً مستكملاً أركانه و شروطه شرعاً ، ثم الدخول فيه دخولاً حقيقياً ، و حدوث الفرقة بينهما وانقضاء عدتها منه . فضلاً عن أن المشرع أقر التطليق في الزواج العرفي ، كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لسنة 2000 ، فتحاً لباب الرحمة للزوجات اللاتي وقعن في مشكلة هذا الزواج ، فهيّأ و أوجد لهن مخرجاً منه ، لا ليعشن وحيدات في سلك الرهبنة ، و لكن ليحددن مصيرهن وفقاً لما يحقق مصلحتهن المشروعة ، بالزواج أو عدمه ، و ذلك رفعاً للحرج عنهم ، و دفعاً للضرر و إزالة للعسر، فلا تكون حياتهن وزراً و هضماً ، و لا عوجاً و أمتا .
أما إذا تم الطلاق بينهما رضاءً و ليس قضاءً ، فإنه إذا تم الإشهاد عليه و توثيقه لدى الموظف المختص ، فيعتد به في حلها لزوجها الأول بالشرائط السالف الإشارة إليها ، أما إذا لم يتم الإشهاد على الطلاق و توثيقه ، مع إنكار الزوج الثاني لإيقاع الطلاق ، فإن المادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 كانت تقف لتلك الزوجة بالمرصاد في شأن إثبات الطلاق ، حيث كانت تنص على أنه ( لا يعتد في إثبات الطلاق عندالإنكارإلا بالإشهاد و التوثيق ….. )، و مؤدى ذلك ألا تستطيع الزوجة المذكورة العودة لزوجها الأول لانتفاء الإشهاد و التوثيق لطلاقها من زوجها الثاني (العرفي )، و هو أمر يشكل حرجاً شديداً .
و قد قيل – بحق – تعقيباً على اشتراط الإشهاد و التوثيق إثباتاً للطلاق عند الإنكار، ” أن توثيق الطلاق لا علاقة له على الإطلاق بوقوع الطلاق من عدمه ، لأن الطلاق يقع فور صدوره منجزاً أو وجود المعلق عليه إذا كان معلقاً على أمر معين ، أما التوثيق فهو إجراء لاحق لوقوع الطلاق قصد به الإثبات حتى لا يكون هناك خلاف بين الطرفين حول وقوع الطلاق أوعدمه ، فتوثيق الطلاق إجراء شكلي ، و الطلاق واقع في كل المذاهب من تاريخ وقوعه ، و ليس في إيجاب توثيق إشهاد الطلاق و لا في تنظيم طرق العلم به أي قيد على حق الطلاق الذي أسند الله تعالى إيقاعه إلى الزوج ، كما لا تشكل إجراءات توثيق إشهاد الطلاق أي قيد على جواز إثبات وقوع الطلاق قضاءً بكافة طرق الإثبات ” . ( المستشار/ أحمد نصر الجندي – مرجع سابق – ص 532 ، 533 ).
إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد رفعت هذا الحرج تماماً ، حيث قضت بعدم دستورية ما تضمنته المادة 21 سالفة الذكرمن قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عندالإنكار على الإشهاد و التوثيق ، و على ذلك فلتلك الزوجة أن تثبت طلاقها أمام القضاء بكافة طرق الإثبات ، و حينئذ يجوز لها العودة لزوجها الأول بالضوابط المبينة فيما تقدم ، و لأهمية حكم المحكمة الدستورية العليا آنف الذكر فسنورده هنا تميماً للفائدة :
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، 15 ينايرسنة 2006 الموافق 15 ذي الحجة سنة 1428 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي …………… ……….رئيس المحكمة
و عضوية السادة المستشارين /عدلي محمود منصور و على عوض محمد صالح و أنوررشاد العاصي و السيد عبدالمنعم حشيش و محمد خيري طه و الدكتور / عادل عمر شريف……………. ………………… …………..نواب رئيس المحكمة
و حضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما…..رئيس هيئة المفوضين
و حضور السيد/ ناصرإمام محمد حسن…………………………….أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم113 لسنة 26 قضائية ” دستورية ” .
المحالة من محكمة
شبين الكوم الإبتدائية نفاذاً لحكمها الصادر في الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي ( نفس ).
المقامة من
السيدة / عفاف عبد الغفار قاسم .
ضد
السيد/ محمد صابر سليمان .
الإجراءات
بتاريخ 10 مايوسنة 2004 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم ،بعد أن قضت محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس بوقفها و إحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة 21 من قانون تنظيم بعص أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 ، و قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
و بعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
و نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحـكمـــة
بعد الإطلاع على الأوراق ، و المداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من حكم الإحالة و سائر أوراق الدعوى – تتحصل في أن المدعية كانت قد اقامت الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي أمام محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس ، بطلب الحكم بإثبات طلاقها من المدعى عليه طلاقاً بائناً بينونة كبرى المكمل للثلاث طلقات اعتباراً من شهر مايو سنة 2003 ، قولاً منها بأنها تزوجت من المدعى عليه بالعقد الصحيح بتاريخ 15/12/1971 ، و دخل بها و عاشرها معاشرة الأزواج و أنجب منها ذكوراً و إناثاً ، و أنه دأب على طلاقها و مراجعتها من نفسه دون توثيق الطلاق رغم وقوعه شرعاً ، إلى أن قام في غضون شهر مايو سنة 2003 بطلاقها الطلقة الثالثة ، التي غدا بها طلاقها منه بائناً بينونة كبرى ، وقد اعترف بذلك أمام شهود عدول ، و أفتت دار الإفتاء المصرية في مواجهته بأن المدعية أصبحت محرمة عليه شرعاً لطلاقها المكمل للثلاث ، بحيث لا تحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره ، دون أن تكون هناك فتوى مكتوبة ، و على اثر ذلك انتقلت المدعية للإقامة مع زويها ، غير أن المدعى عليه رفض توثيق الطلاق ، مما حدا بها إلى إقامة دعواها المشار إليها توصلاً للقضاء لها بطلباتها المتقدمة .
و أثناء نظر الدعوى قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم – المقامة من المدعية ضد المدعى عليه للإعتراض على إنذار الطاعة الموجه منه لها – إلى هذه الدعوى للإرتباط و ليصدر فيهما حكم واحد ، و بجلسة 31/3/2004 قضت المحكمة بوقف الدعوى رقم1299 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم و إحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 لما تراءى لها من مخالفته للمادتين 2 ، 12 من الدستور، و في الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم بإثبات طلاق المعترضة بحكم نهائي .
و حيث إن المادة 21 من القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه تنص على أنه :
” لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد و التوثيق ، و عند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصير الزوجين بمخاطر الطلاق ، و يدعوهما إلى اختيار حكم من أهله و حكم من أهلها للتوفيق بينهما ، فإن أصر الزوجان معاً على إيقاع الطلاق فوراً ، أو قررا معاً أن الطلاق قد وقع ، أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق ، وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه . و تطبق الأحكام السابقة في حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحق في ذلك في وثيقة الزواج ، و يجب على الموثق إثبات ما تم من إجراءات في تاريخ وقوع كل منها على النموذج المعد لذلك ، و لا يعتد في إثبات الطلاق في حق أي من الزوجين إلا إذا كان حاضراً إجراءات التوثيق بنفسه أو بمن ينوب عنه ، أو من تاريخ إعلانه بموجب ورقة رسمية ” .
و حيث إن المسائل الدستورية التي تقضي محكمة الموضوع بإحالتها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا عملاً بالبند (أ) من المادة 29 من قانونها الصاد ربالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، لازمها أن تبين النصوص القانونية التي تقدر مخالفتها للدستور، ونصوص الدستورالمدعى بمخالفتها ، و نطاق التعارض بينهما ، و أن يكون قضاؤها هذا دالاً على انعقاد إرادتها على عرض المسائل الدستورية التي ارتأتها مباشرة على المحكمة الدستورية العليا استنهاضاً لولايتها بالفصل فيها ، و هو ما يتعين على هذه المحكمة تحرية في ضوء ما قصدت إليه محكمة الموضوع و ضمنته قضاؤها بالإحالة ، وصولاً لتحديد نطاق المسائل الدستورية التي تدعى المحكمة للفصل فيها .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – و هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها و بين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية ، و ذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها و المطروحة على محكمة الموضوع .
و حيث إن الثابت من الإطلاع على الأوراق ، أن نطاق الإحالة كما قصدت إليه محكمة الموضوع ، و ضمنته أسباب حكمها بالإحالة ، إنما ينصب على ما تضمنته نص المادة 21 المطعون فيه من قصر الإعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد و التوثيق دون غيره من طرق الإثبات المقررة ، و هو الشق من النص الطعين الذي تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة بالنسبة له ، بحسبان أن مبنى النزاع الموضوعي هو طلب الحكم بإثبات الطلاق لامتناع المدعى عليه المطلق عن إثباته طبقاً للنص المشار إليه ، و أن القضاء في مدى دستورية هذا النص سيكون له أثره و انعكاسه على الطلب الموضوعي سالف الذكر، و قضاء محكمة الموضوع فيه ، و من ثم فإن نطاق الدعوى الراهنة و المصلحة فيها تكون قائمة بالنسبة للنص المذكور في حدود إطاره المتقدم ، و لا تمتد إلى غير ذلك من الأحكام التي وردت بنص المادة 21 المطعون فيه .
و حيث إن حكم الإحالة ينعي على هذ النص الطعين ، محدداً نطاقاً على النحو المتقدم ، مخالفته لنص المادتين 2 ، 12 من الدستور، على سند من أن هذا النص بقصره إثبات الطلاق عندالإنكارعلى الإشهاد و التوثيق ، خلافاً للأصل المقرر شرعاً من جواز إثبات الطلاق بكافة طرق الإثبات من بينة و إقرار و يمين ، يترتب عليه نتائج يأباها الشرع و يتأذى لها الضمير، و ذلك إذا ما وقع الطلاق بالتلفظ بألفاظه الدالة عليه صراحة أو ضمناً ، رغم عدم إمكان إثباته بغير الدليل الذي حدده النص الطعين ، بما مؤداه اعتبار العلاقة الزوجية قائمة و مستمرة قانوناً ، رغم ما يشوبها من حرمة شرعية ، و هو ما يخالف أحكام الدستور.
و حيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور- بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980 – يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها – و اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل – قيداً على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية ، بألا تناقض مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثايتة – مصدراً و تأويلاً – و التي يمتنع الإجتهاد فيها ، و لا يجوزالخروج عليها ، أو الالتواء بها عن معناها ، و لا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً ، ذلك أن دائرة الإجتهاد تنحصرفيها و لا تمتد لسواها ، و هي بطبيعتها متطورة ، تتغير بتغير الزمان و المكان لضمان مرونتها و حيويتها . و إذا كان الإجتهاد في الأحكام الظنية و ربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية – النقلية منها و العقلية – حقاً لأهل الإجتهاد ، فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولي الأمر ينظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها ، و بمراعاة أن يكون الإجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها ، ملتزماً ضوابطها الثابتة ، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية و القواعد الضابطة لفروعها ، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة ، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس و العقل و العرض والمال ، مستلهماً في ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة و متلاقية معها ، و من ثم كان حقاً على ولي الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثماً ، و كان واجباً كذلك ألا يشرع حكماً يضيق على الناس أو يرهقهم في أمرهم عسراً ، و إلا كان مصادماً لقوله تعالى ” ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج ” .
وحيث إن الطلاق و قد شرع رحمة من الله بعباده ، و كان الطلاق هو من فرق النكاح التي ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحاً كان أم كناية ، لذلك حرص المشرع في القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض احكام الأحوال الشخصية و تعديلاته – وفقاً لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية – على عدم وضع قيد على جواز إثبات الطلاق قضاء بكافة طرق الإثبات المقررة ، غير أن المشرع قد انتهج في النص الطعين نهجاً مغايراً في خصوص إثبات الطلاق عند الإنكار ، فلم يعتد في هذا المجال بغير طريق واحد هو الإشهاد و التوثيق معاً ، بحيث لا يجوز الإثبات بدليل آخر ، مع تسليم المشرع في ذات الوقت – كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لنسة 2000 المشارغليه – بوقوع الطلاق ديانة ، و هذا النص و إن وقع في دائرة الإجتهاد المباح شرعاً لولي الأمر ، إلا انه – في حدود نطاقه المطروح في الدعوى الماثلة – يجعل الطلقة في حرج ديني شديد ، و يرهقها من أمرها عسراً ، إذا ما وقع الطلاق و علمت به و أنكره المطلق ، أو امتنع عن إثباته إضراراً بها ، مع عدم استطاعتها إثبات الطلاق بالطريق الذي أوجبه النص المطعون فيه ، و هو ما يصطدم مع ضوابط الإجتهاد ، و المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية ، فضلاً عما يترتب على ذلك من تعرض المطلقة لأخطر القيود على حريتها الشخصية و أكثرها تهديداً مساساً بحقها في الحياة ، التي تعتبر الحريةالشخصية أصلاً يهيمن عليها بكل أقطارها ، تلك الحرية التي حرص الدستور على النص في المادة 41 منه على أنها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أوتقييدها بالمخالفة لأحكامه ، و التي يندرج تحتها بالضرورة تلك الجقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها ، و من بينها حقي الزواج والطلاق وما يتفرع عنهما ، و كلاهما من الحقوق الشخصية التي لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها ، و لا تعمل كذلك بعيداً أو انعزالاً عن التقاليد التي تؤمن بها الجماعة ، بل تعززها و تزكيها بما يصون حدودها و يرعى مقوماتها .
و من أجل ذلك جعل الدستور في المادة 9/1 منه قوام الأسرة الدين و الأخلاق ، كما جعل رعاية الأخلاق و القيم و التقاليد و الحفاظ عليها والتمكين لها ، التزاماً دستورياً على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة والمجتمع ككل ، ضمنه المادتين 9/2 ، 12 من الدستور، و الذي غدا إلى جانب الحرية الشخصية قيداً على السلطة التشريعية ، فلا يجوز لها أن تأتي عملاً يخل بهما ، ذلك أنه و إن كان الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ، إلا أن المشرع يلتزم بما يسنه من قوانين باحترام الأطر الدستورية لممارسته لاختصاصاته ، و أن يراعي كذلك أن كل تنظيم للحقوق لا يجوز أن يصل في منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو أن ينتقص منها ، و لا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها ، الأمر الذي يضحى معه هذا النص فيما تضمنه من قصر الإعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد و التوثيق ، دون غيرهما من طرق الإثبات المقررة ، مخالفاً للمواد 2، 9 ، 12 ، 41 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 21 من قانون تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 فيما تضمنه من قصر الإعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد و التوثيق .
إثـــبات الزواج العرفـــي
اعتد المشرع بالدليل الكتابي لإثبات الزواج غير الرسمي أو العرفي ، فنص على قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال إذا كان ذلك الزواج ثابتاً بأية كتابة . و المشرع بذلك يكون قد وسع من مجال الكتابة ، في إثبات هذا الزواج إذا تعلق الأمر بدعوى التطليق أو الفسخ فقط ، حيث سوّى في ذلك بين أن يكون الزواج ثابتاً بورقة رسمية أو عرفية ، كما لم يشترط دليل كتابي معين ، بل أية كتابة تصلح لإثبات الزواج العرفي يمكن قبولها ، سواء كانت عقد الزواج العرفي ذاته ، أو ورقة أخرى يمكن إثبات هذا الزواج بها .
نقـــد النـــص :
هذا ، وقد انتقد البعض هذا النص لأنه لم يطلق الإثبات ، و قد قيل رداً على ذلك ، أن النص صحيح ، لأن فلسفة المشرع في قانون الأحوال الشخصية أن يقيد الإثبات في مجال الزواج و الطلاق بالكتابة الرسمية ، و لظروف الزواج العرفي الخاصة فتح الباب ليشمل الكتابة الرسمية و العرفية ، و من غير المعقول أن يشترط القانون الوثيقة الرسمية و يستبعد البينة من الزواج لفساد الزمان ، ثم يعود إلى البينة في الزواج العرفي ، إنه بذلك يناقض أسسه التي يقوم عليها ، فكلمة أية كتابة وافية بالغرض ، حيث لا يقر المشرع المصري البينة وسيلة للإثبات عند الإنكار( د/ محمد كمال إمام – أحكام الطلاق – ص 113 ).
و قد قيل بأن النص جاء صريحاً بقوله أية كتابة ، فالكتابة شرط أساسي لإثبات الزواج العرفي ، و الرسائل الموقع عليها من الزوج لها قوة الدليل الكتابي من حيث الإثبات ، إلا أن الإقرار الوارد في خطاب إقرار غير قضائي يخضع للتقدير القضائي ، و لقاضي الموضوع سلطة الترجيح بين البيّنات و استظهار الواقع في الدعوى و درجة الحق فيها ( أ/ سمير عبد السميع – المرجع السابق ص 53 ).
و قيل بأن المقصود أية كتابة يستشف منها إقرار المنكر للزواج ، كعقد إيجار أو رسالة أو محضر شرطة أو بيانات دفاتر الفنادق و ما شابه ، فإذا لم يكن الزواج ثابتاً بأية كتابة فلا تقبل دعوى إثبات