حق الأم في قيد طفلها بموجب عقد الزواج العرفي وضوابط ممارسة هذا الحق
حق الأم في قيد طفلها بموجب عقد الزواج العرفي وضوابط ممارسة هذا الحق
أن المشرع في القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل قد حرص على ضبط عملية قيد الأطفال وحمايتهم بنسبة الطفل إلى والديه باعتباره أحد حقوق الطفل الدستورية التي تدعم حقه في الحياة الآمنة في بيئة اجتماعية ودينية صالحة – فأوجب الإبلاغ عن واقعة الميلاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ حدوثها وحدد حصرياً الأشخاص المكلفين بالتبليغ عن الولادة ومنهم والد الطفل إذا كان حاضرا أو والدته شريطة إثبات العلاقة الزوجية،
وأبانت اللائحة التنفيذية للقانون الإجراءات الواجب أتباعها في حال عدم قيام الأم بإثبات تلك العلاقة، وتتمثل فى تقديمها إقرار كتابي منها بأن الطفل وليدها وبشهادة القائم بالتوليد بواقعة الميلاد، ويتم في هذه الحالة قيد المولود بسجلات المواليد ويدون اسم الأم فى الخانة المخصصة لذلك، ويثبت للمولود اسم أب رباعي يختاره المسئول عن القيد، ولا يعتد بهذه الشهادة في غير إثبات واقعة الميلاد، مع إثبات ذلك بمحضر إداري يحرره المسئول عن القيد ويرفق بنموذج التبليغ،
على النحو الذي يصدر به قرار من وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الصحة حسبما تقضى اللائحة التنفيذية لقانون الطفل المشار اليه والتى حددت البيانات التي يجب أن يشملها الابلاغ عن واقعة الميلاد والتي يتم إدراجها في النموذج المعد لذلك، ويتم هذا الإبلاغ إلى مكتب الصحة في الجهة التي حدثت فيها الولادة إذا وجد بها مكتب أو الجهة الصحية فى الجهات التي ليس بها مكتب صحة او العمدة أو شيخ البلدة في الجهة التي ليس بها مكتب صحة أو جهة صحية
وفى هذه الحالة يرسل العمدة أو شيخ البلدة التبليغات إلى أقرب مكتب صحة أو أقرب جهة صحية، وتقوم تلك الجهات بإرسال التبليغات بالميلاد إلى والمستندات المرفقة بها إلى قسم السجل المدني، والذي يقوم بدوره بمراجعة بيانات التبليغات والمستندات المرفقة بها واعتمادها وإرسالها إلى مركز المعلومات المختص الذي تولى مراجعتها وتسجيلها، ثم أعادتها إلى السجل المدني المختص الذي يقوم بتسليم شهادة الميلاد إلى صاحب الشأن، ولم يجز المشرع لامين السجل المدني إثبات اسم الوالد أو الوالدة أو كليهما على حسب الأحوال عند قيد واقعات الميلاد ولو طلب منه، في أحوال محددة عددتها المادة (35) من اللائحة التنفيذية المشار إليها ويقوم أمين السجل المدني في تلك الحالات باختيار اسم بديل لما لا يجوز ذكره.
#وحيث انه متى كان من المستقر عليه أن الزواج في الإسلام عقدٌ قوليٌّ بين رجل وامرأة خاليين من الموانع الشرعية، شأنه كشأن سائر العقود التي تصح بتوافر شروطها وأركانها وانتفاء موانعها، وإذا كان من المقرر في الفقه الإسلامي أن العقود ألفاظ فإذا حصلت من كامل الأهلية في التصرف مستكملةً لشروطها وأركانها مع انتفاء موانعها فإنها عقود صحيحة، تستتبع آثارها وما يترتب عليها من أحكام، فهناك فارق كبير بين عقد الزواج الشرعي ووثيقة الزواج الرسمية،
فإذا كان العقد هو الإيجاب والقبول بأركانه وشروطه السابقة، فان التوثيق الرسمي هو شيءٌ زائدٌ على حقيقة العقد وماهيته، ارتأى المشرع اللجوءَ إليه حفظًا للحقوق وخوفًا من التناكُر في عقد الزواج، وإذا كان المشرع قد اشترط في الفقرة الأولى من المادة ( 17 ) من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية لقبول دعوى الزوجية عند الإنكار أن يكون الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية، فان هذا المنع قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ذاته فلا يمتد إلي الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها ولو لم يكن الزواج ثابتا بوثيقة رسمية، وبالتالي فلا تأثير لهذا المنع من سماع دعوي النسب التي ما زالت باقية علي حكمها المقرر في الشريعة الإسلامية من حيث ثبوت النسب – في الفقه الحنفي – بالفراش والبينة والإقرار، كما انه من المستقر عليه أنه لا يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم العقد ذاته بل يكفى أن يثبت حصول الزواج بالبينة وحصول المعاشرة الزوجية في ظله باعتبار أن البينة الشرعية هي إحدى طرق الإثبات.
ومن حيث انه وعلى هدي من المبادئ الدستورية سالفة البيان التي ساوت بين حقوق المرأة والرجل في الحياة الاجتماعية، والتي تعد رابطة الزوجية ابرز مظاهر ممارسة هذا الحق، والذي يرتبط في جوهره بحقوق الأبناء المصونة دستوريا نتاج العلاقة الزوجية بين المرأة والرجل، ولا مشاحة في أن كل تلك الحقوق إنما تعد فرع من الحرية الشخصية للإنسان والتي تعد ملاك الحياة الإنسانية كلها ومن ثم لا تخلقها الشرائع بل تنظمها ولا توجدها القوانين بل توفق بين شتى مناحيها ومختلف توجهاتها تحقيقا للخير المشترك للجماعة ورعاية للصالح العام، فلا تتقبل من القيود ألا ما كان هادفا إلى هذا الغاية مستوحيا تلك الأغراض.
فإذا ما دبت الخلافات بين طرفي العلاقة الزوجية المنعقدة بموجب عقد الزواج العرفي، وبلغت مداها بإنكار احد أطرافها لانعقاد تلك العلاقة ذاتها فان اثر ذلك ينبغي أن يظل محصورا بين الزوجين، دون أن يمتد اثر تلك الخلافات إلى الأطفال ثمرة عقد الزوج العرفي متى توافرت مظاهر ودلائل جدية على انعقاد هذا الزواج، وهو زواج شرعي على النحو السالف بيانه، ومقتضى ذلك أن يظل عقد الزواج العرفي سندا صحيحا ومنتجا لأثاره بحسبانه قرينة كافية بذاتها على قيد الأطفال في سجلات مصلحة الأحوال المدنية ومنحهم شهادة ميلاد مثبتا بها نسبهم إلى والديهم في هذا العقد، وهي قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، بل أن تلك القرينة تقوم كذلك حتى في ظل عقد الزواج الموثق رسميا، فقرينة نسبة الأطفال إلى والديهم بموجب عقد الزواج – وآيا كان هذا العقد سواء كان عرفيا أو موثقا رسميا – هي قرينة مؤقتة بطبيعتها لا يزعزعها مجرد وجود منازعات قضائية بين الزوجين حول انعقاد العلاقة الزوجية أو حتى في نسبة الطفل المولود إلى طرفي تلك العلاقة
طالما لم يصدر حكم قضائي نهائي من الجهة القضائية المختصة ببطلان هذا النسب، وهو ما ينصرف بأثره على قيد الطفل المولود بموجب عقد الزواج في سجلات الأحوال المدنية منسوبا إلى والديه فيه أخذا في الاعتبار أن ذلك القيد لا ينشئ بذاته مركزاً قانونياً لأن هذا المركز أنشئ بالفعل بمجرد تحقق واقعة ميلاد الطفل, فالقيد ما هو إلا تقرير لواقع ومركز قانوني تكامل قبل القيد ليعبر عن حقيقة الواقع, إعلاناً للغير بتلك الحقيقة حتى يمكن للطفل أن يمارس حقوقه المصونة دستوريا واجدرها التمتع باسم يميزه عن غيره والحصول على حقه في التعليم والتنشئة الصحية والتربوية السليمة بما يكفل له الحياة الكريمة بين اقرأنه في المجتمع، فالقيد على هذا النحو يقوم في حقيقته على شواهد ومظاهر جدية – يعد أبرزها عقد الزواج سواء كان موثقا رسميا أو عرفيا – تفيد نسبة المولود إلي والديه في عقد الزواج، فإذا ما ثبت عدم اتفاق القيد مع الواقع كان باطلا ومنعدما، وهو ما أكد عليه المشرع في القانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية حينما خلع في المادة (12) منه على البيانات الواردة بسجلات مصلحة الأحوال المدنية وما يستخرج منها من صور رسمية حجية لا تسقط إلا بصدور حكم قضائي من المحكمة المختصة ببطلانها أو تزويرها.
وفي هذا السياق فقد استقر قضاء محكمة النقض على أن شهادة الميلاد بمفردها ليست حجة في إثبات النسب، وإن كانت تعد قرينة عليه، إذ لم يقصد بها ثبوته وإنما جاء ذكره فيها تبعا لما قصد منها ووضعت له، ولأن القيد بالدفاتر لا يشترط فيه أن يكون بناء علي طلب الأب أو وكيله، بل يصح بالإملاء من القابلة أو الأم.
(حكم محكمة النقض في الطعن رقم 155 لسنة 58 ق – أحوال شخصية – جلسة 30/5/1989).
وإذا كان المشرع في قانون الطفل المشار إليه قد كفل للزوج الحق في قيد طفله في سجلات مصلحة الأحوال المدنية دون تعليق ذلك على تقديمه عقد زواج رسمي أو عرفي مكتفيا بإقراره بواقعة الميلاد ونسبة المولود إليه، وقرر في ذات الوقت حق الأم في قيد طفلها في تلك السجلات عند تقديمها عقد الزواج الرسمي، كما منح الأم الحق في قيد مولودها حتى ولو لم يكن بيدها ما يفيد ثبوت العلاقة الزوجية على إطلاقها رسميا أو عرفيا وعهد في هذه الحالة بمسئول القيد بتسمية الأب في وثيقة الميلاد، ألا انه في المقابل قد سكت عن بيان حق الأم في قيد طفلها بموجب عقد الزواج العرفي وضوابط ممارسة هذا الحق، ألا أن ذلك لا يعني إهدار حق الزوجة في عقد الزواج العرفي في قيد طفلها منسوبا إلى أبيه في ذلك العقد بحسبان أن حقها في ذلك من الحقوق وثيقة الصلة بحريتها الشخصية والتي لا توجدها القوانين في الأصل، وهذا الحق تباشره تحت رقابة قضاء المشروعية والذي يجسد الرقابة القضائية الفعالة التي تكفل للناس حقوقهم الطبيعية وحرياتهم العامة في أطار من الضوابط والقواعد التي يستنبطها من المبادئ التي تنطق بها نصوص الدستور بحسبانه القانون الأعلى الذي يسمو على جميع القوانين بما يكفل في النهاية تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة وهو ما ينصرف بأثره إلى تكريس مبدأ العدالة في ربوع المجتمع، والقضاء الإداري بذلك لا يعتدي على السلطة التشريعية فهو لا يضع قانونا ولا يتعدى كذلك على جهة القضاء المختصة بالفصل في منازعات الأحوال الشخصية، وغاية الأمر انه يوازن بين ممارسة الحقوق لكل من المرأة والرجل في عقد الزواج العرفي في قيد طفلهما ثمرة هذا الزواج
وكذا حق الطفل ذاته في الحصول على اسم يميزه ويضمن عدم امتهان كرامته الإنسانية، وبيان أيا من تلك الحقوق أولى بالرعاية في نظر الدستور القائم وبمراعاة القواعد الإنسانية التي استقرت في وجدان المجتمع لا يحدها في ذلك ألا تحقيق الصالح العام، وقضاء المحكمة في هذا الشأن هو قضاء كاشف مقصور على المنازعة محل الدعوى ذاتها فى ضوء تقديرها لوقائع المنازعة المطروحة عليه وأدلتها، دون أن تتقيد محكمة أخرى بهذا القضاء، بل ودون أن تتقيد هي نفسها به في قضية أخرى تنظرها بعد ذلك.
#ومن حيث أن التصاق الطفل بأمه هو التعبير الصادق عن العلاقة الربانية بين كائنين متصلين حسيا احدهما في قيد الحياة والأخر في الأحشاء, وذلك الاندماج الوجداني والجسدي هو الذي جعل المشرع الدستوري يلزم الدولة بتوفير الحماية والرعاية للأمومة والطفولة, وليس ذلك تقليلا من الأب ولكن تعظيما لشأن الأم ودورها الحيوي والجوهري في تنشئة الأطفال ورعايتهم, وليس أدل على ذلك من أن المشرع منح الأم الأفضلية في الحضانة على الأب والزم الأخير بتوفير مسكن الحضانة الملائم للام وأطفالها، كما منح الأم الأفضلية في التبليغ عن طفلها عن جميع أهل الزوج إذا قدمت الزوجة ما يثبت انعقاد العلاقة الزوجية رسميا، وإذا كان انعقاد تلك العلاقة شرعيا هو أمر منفصل عن توثيق عقد الزواج ذاته، فلا يلزم لشرعية الزواج أن يكون موثقا رسميا بل يكفي أن يكون زواجا عرفيا على النحو السالف بيانه، ومن ثم فان مقتضى ذلك أن تتساوي الزوجة مع زوجها بموجب هذا العقد في حق الإبلاغ عن طفلها والحصول على شهادة ميلاد مثبته لشخصيته ونسبته إلى والده في عقد زواجها العرفي منه، والقول بغير ذلك يهدم كل معاني المساواة في الحقوق المدنية والاجتماعية بين الرجل والمرأة التي حرص الدستور على تأكيدها بالمادة (11) منه،
وإذا كان المشرع الدستوري قد ألزم الدولة بكافة أجهزتها الإدارية والتنفيذية والتشريعية تغليب مصلحة الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتخذ حياله، والتي يأتي على قمتها حقه أن يكون له الاسم الدال على شخصيته القانونية، وذلك تقديرا منه أن الاسم ليس مجرد بطاقة شخصية أو رقم قيد، وإنما هو علامة مميزة للمولود تعطيه مظهرا من مظاهر الوجود والحياة, وبهذه المثابة فان حرمان الأم المتزوجة عرفيا من ان يكون لطفلها وثيقة ميلاد بموجب عقد زواجها العرفي يعد نوعا من الإيذاء البدني والنفسي للام وعدوانا على اخص ما منحه لها الدستور من حقوق، كما أن حرمان الطفل من حمل شهادة ميلاد تثبت فيها البيانات الخاصة به، دون ان يرد بها ما يحقر من شأنه أو يتسبب له في المهانة على المستوى الشخصي والاجتماعي، هو أعظم هدراً لحقوقه المصونة دستورياً، ومن ثم فانه لا يجوز الاحتجاج بعدم وجود عقد زواج موثق رسميا لحرمان الأم التي التصق بها طفلها من حقها الطبيعي في رعاية طفلها بل وحرمان طفلها من حقه الدستوري في تمتعه بأدلته الثبوتية لشخصيته,
حتى ولو كان هذا الزواج العرفي موضوع لخلافات بين الزوجين من حيث انعقاده، فلا يجب أن يتخذ من ذلك سبيلا لحرمان الطفل في أن يكون له وثيقة ميلاد دالة على إنسانيته وتضمن له ممارسة حياته الطبيعية في المجتمع, طالما لم يثبت بدليل قاطع عكس ما تدعيه والدته من نسبته لأبيه في عقد زواجها العرفي وذلك بموجب حكم نهائي صادر من المحكمة المختصة بحسبان أن قيد الطفل المولود في ذاته ومنحه شهادة الميلاد الدالة على ذلك لا يعد في ذاته حجة في أثبات النسب وإنما مجرد قرينة بسيطة عليه قابلة لإثبات العكس على النحو السالف بيانه .
مؤسسة حورس للمحاماه
01129230200