جريمة الرشوة فى القانون المصري
جريمة الرشوة فى القانون المصري
تعريف الرشوة :
الرشوة هي طلب أو أخذ أو قبول لوعد أو عطية يصدر من موظف عام أو من في حكمه للقيام بعمل أو امتناع أو إخلال بواجبات وظيفته.
أطراف الرشوة :
تظهر على مسرح جريمة الرشوة ثلاث شخصيات : الشخصية الرئيسية هي الموظف العام. أما الشخصية الأخرى فهي الراشي . بالإضافة إلى كلتا الشخصيتين تظهر أحيانا شخصيات ثانوية وهي الوسيط بين الاثنين والمستفيد من الرشوة .
المصلحة محل الحماية في جريمة الرشوة :
يحمي المشرع بتجريمه للرشوة المصلحة عامة بشكل مباشر ، فجريمة الرشوة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة . هذه المصلحة هي حسن سير الوظيفة العامة . هذه الوظيفة يتعرض أداؤها اليومي للأخطار إن لم يكن للأضرار إذا لجأ الموظف إلى الاتجار بعمله للحصول على فائدة معينة . ذلك أن هذا يدفعه إلى الامتناع عن القيام بعمله مادام أنه لم يحصل على الفائدة التي قدّرها لكي يقوم بواجبه . بل إن الموظف – في بعض الحالات – قد يقدم على مخالفة واجبات وظيفته طمعا في مغنم معين يجنيه من صاحب الحاجة .
أولاً:الشروط المسبقة (المفترضة) في جريمة الرشوة
المقصود بالشرط المفترض في جريمة الرشوة :
لا تقع جريمة رشوة الموظفين العموميين بالمادة 103 عقوبات إلاّ من موظف عام مختص. فالمرتشي في جريمة الرشوة هو موظف عام وتوافر فيه شرط الاختصاص . ومعنى هذا أن جريمة الرشوة يلزم لوقوعها توافر الشرطين الآتيين في الفاعل:
1 – أن يكون الفاعل موظفا عاما
2 – أن يكون هذا الفاعل مختصا بالعمل المطلوب
صفة الموظف العام
كشرط مفترض في جريمة الرشوة
مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة :
ينطوي مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة على طائفتين : الطائفة الأولى وتتضمن الموظفين العموميين بالمعنى المحدد به في القانون الإداري ، والطائفة الثانية وتتضمن أشخاصا يعتبرهم قانون العقوبات في حكم الموظفين العموميين في أحكام جريمة الرشوة على وجه الخصوص .
الطائفة الأولى : الموظفون العموميون في القانون الإداري
يخاطب كل موظف عام في القانون الإداري بأحكام الرشوة . وبالتالي فإنه إذا صدر عنه النشاط المعاقب عليه في جريمة الرشوة فإنه يسأل عن ذلك من الناحية الجنائية. وبناء عليه فإنه يُرجع إلى القانون الإداري في تعريفه لمفهوم الموظف العام ، ذلك أن الأمر يتعلق بشرط مفترض في وقوع الجريمة. ويتكفل القانون الإداري بتحديد هذا المفهوم وبيان شروط توافره ، وذلك على النحو التالي :
أولا – الإحالة إلى القانون الإداري لتعريف الموظف العام :
لم يضع قانون العقوبات تعريفا موحدا للموظف العام يسري على كافة الجرائم التي تقع منه كفاعل وعليه كمجني عليه . والأمر عندئذ يدور بين أمرين إما أن يحدد قانون العقوبات المقصود بالموظف العام بصدد جريمة معينة أو مجموعة جرائم كجريمة الرشوة أو جرائم العدوان على المال العام (الاختلاس – الاستيلاء ) أو أنه يورد تعبير الموظف العام دون أن يضع له مفهوما محددا ، كما حدث في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية ، وكما هو الحال في قانون الإجراءات الجنائية ( وخاصة المادة 63 / 3 ).
والقاعدة أنه إذا لم يحدد قانون العقوبات المقصود بالموظف العام بصدد الجريمة ، فإن الأصل هو الإحالة إلى القانون الإداري . هذا الأخير هو الذي يختص بمعالجة أحكام الوظيفة العامة . ويلاحظ أن المشرع حدد المقصود بالموظف العام في صدد تجريمه للرشوة بحيث يشمل المعنى المقرر في القانون الإداري وزاد عليه طوائف أخرى جعلهم في حكمه .
والموظف العام – وفقا لتعريف المحكمة الإدارية العليا – هو الشخص الذي ” يعين بصفة مستمرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الحكومة المركزية أو السلطات الإدارية اللامركزية بالطريق المباشر.
ثانيا – شروط الموظف العام :
يتضح من التعريف السابق للموظف العام وفقا للقانون الإداري ضرورة توافر شروط ثلاثة :
الشرط الأول – التعيين
الشرط الثاني – في خدمة مرفق عام يدار بالإدارة المباشرة
الشرط الثالث – دائمية العمل
الطائفة الثانية : من هم في حكم الموظف العام
المفهوم الموسع للموظف العام في قانون العقوبات :
على الرغم من أن الرشوة هي أصلا جريمة الموظف العام وأن القانون الإداري هو الذي يتكفل بوضع مفهوم محدد للموظف العام ، فإن المادة 111 عقوبات قد وسعت مجال انطباق جريمة الرشوة . فقد نصت المادة السابقة على عدة طوائف من العاملين ليسوا أصلا من الموظفين العموميين وجعلتهم مخاطبين بأحكام الرشوة .
ومعنى هذا أن مفهوم الموظف العام في جريمة الرشوة هو أكبر اتساعا من مفهوم الموظف العام في القانون الإداري . وقد توسع المشرع أيضا في مفهوم الموظف العام بصدد جرائم المال العام بمقتضى نص المادة 119 مكررا من قانون العقوبات .
ويدخل في حكم الموظف العام الطوائف التالية:
1- المستخدمين في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها
2 – أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية ، سواء أكانوا منتخبين أو معينين.
3 – المحكمين أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفين والحراس القضائيين .
4 – المكلفين بخدمة عامة
5 – العامين في شركات القطاع العام وفي الشركات ذات الاقتصاد المختلط
– العاملون بالقطاع العام
– المكلفون بخدمة عامة
شرط الاختصاص
المقصود بالاختصاص :
لم تحدد النصوص حالات الاختصاص ولكن أحكاما عديدة تعرضت لهذا الموضوع بالشرح والتحليل ، فأبانت مفهومه وتوسعت فيه على ما سيلي بيانه.
مصدر الاختصاص :
قد يستمد الموظف اختصاصه من الدستور مباشرة كما هو الحال بالنسبة لكبار رجال الدولة كرئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب ورجال القضاء . وقد يستمد الموظف اختصاصه من قانون تشريعي كما هو الحال بالنسبة للوزراء. وقد يستمدها من قرار إداري كقرار التعيين.
حالات الاختصاص الحقيقي :
يكون الموظف مختصا بالعمل المطلوب لقاء مبلغ الرشوة في الفروض التالية :
(أ) الاختصاص الكلي :
ينتمي هذا الفرض إلى حالات السلطة التقديرية أو المقيدة للموظف . فإذا كان الموظف يجب عليه وفقا للقانون أن يصدر قرارا معينا في ظروف معينة، وكان يملك إصدار هذا القرار وحده ، فإن شرط الاختصاص يتوافر ولا شك في هذه الحالة .
(ب) الاختصاص الجزئي :
كما يتحقق الاختصاص بانفراد الموظف بالعمل فإنه يكفي أن يكون الموظف عضوا في لجنة هي التي تتخذ القرار . فإذا طلب الموظف مقابلا من صاحب الحاجة لاستصدار قرار معين من اللجنة فإن جريمة الرشوة تقع لتوافر شرط الاختصاص .
ومن تطبيقات ذلك أن يقبل أحد أعضاء لجنة التعيينات وعدا بمقابل للموافقة على تعيين شخص بجهة العمل أو أن يكون الموظف المرتشي ضمن لجنة البت في مزايدة أو مناقصة يريد صاحب المصلحة أن يساعده في رسو العطاء عليه .
ويلاحظ أن رئيس المحكمة عضو ضمن أعضاء المحكمة الذين يصدرون الحكم وبالتالي فإن الاختصاص ينعقد له فيما يخص القضايا المعروضة أمام المحكمة . وقد قضت محكمة النقض بذلك ورفضت دفاع المتهم بعرض رشوة على رئيس إحدى المحاكم بقولها ” أما القول بأن رئيس المحكمة بعد أن جالس المتهم المعروض قضيته عليه قد ف قد صلاحيته وانقطعت صلته بالدعوى فهو قول يتضمن مغالطة كبيرة ، إذ إن المتهمين وهما يعرضان عليه الرشوة كانا يعلمان بأنه القاضي الذي سيفصل في الاستئناف المرفوع من المتهم “.
3 – الرأي الاستشاري :
يتوافر الاختصاص كشرط في جريمة الرشوة حتى ولو لم يكن للموظف رأي حاسم في إصدار القرار ، بل كان له رأي استشاري .
من تطبيقات ذلك أن تأخذ الجهة العامة رأي مهندس الصيانة في مدى كفاءة معدات معينة يراد شراؤها ، فيصبح دور هذا الموظف أن يبدي رأيا حول هذه المعدات تاركا للجهة العامة أن يقرر شراؤها أو عدم شرائها . فعلى الرغم من أن المهندس لا يقرر الشراء أو لم ينصح بهذا الشراء ، إلاّ أن تقاضيه مقابلا لإبداء رأي معين حول صلاحية هذه المعدات من الناحية الفنية يكفي لتوافر الاختصاص كشرط في جريمة الرشوة . ذلك أنه يبدي رأيا استشاريا في الشراء بطريق غير مباشر ، عندما يبدي رأيا لصالح هذه المعدات من الناحية الفنية . وتقع هذه الجريمة إذا طلب أو أخذ أو قبل هذا المهندس مقابلا لإبداء رأي معين في مدى صلاحية هذه المعدات . فلا يشترط في الرشوة تحقق ضرر معين للجهة العامة من جراء الرشوة ، إذ إن جريمة الرشوة جريمة خطر وليست جريمة ضرر .
إثبات شرط الاختصاص :
يعتبر توافر أو عدم توافر شرط الاختصاص من الأمور التي يترك تقديرها لمحكمة الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق.
الخروج على شرط الاختصاص
(الزعم بالاختصاص والاعتقاد الخاطئ به )
تقضي القاعدة العامة بعدم وقوع الرشوة إلاّ إذا كان الموظف مختصا بالعمل المطلوب في مقابل الفائدة . ومع ذلك فإن المشرع خرج على هذه القاعدة ونص على وقوع الرشوة في حالتين على الرغم من عدم اختصاص الموظف بالعمل المطلوب . هاتان الحالتان هما :
1 – حالة الزعم بالاختصاص
2 – حالة الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص
الزعم بالاختصاص
المقصود بالزعم بالاختصاص :
الزعم هو كذب يصدر من الموظف وادعاؤه أن عمله يمكنه من قضاء حاجة صاحب الحاجة ، بينما هو غير مختص أصلا بقضاء تلك الحاجة وبالتالي فإنه غير قادر على تلبية طلب الراشي .
فلم يعد قانون العقوبات يشترط أن يكون الموظف في جريمة الرشوة مختصا بالعمل أو الامتناع المطلوب منذ سنة 1953 . وأصبحت المادة 103 مكررا عقوبات تنص صراحة على سريان أحكام الرشوة بالنسبة إلى الموظف الذي يزعم أن العمل أو الامتناع من اختصاصه .
أما إذا لم يزعم الموظف أنه مختص بالعمل المطلوب وكان صاحب الشان يعلم أن الموظف غير مختص وقدم له مبلغ الرشوة لكي يقوم بخدمة مستفيدا من تسهيلات معينة تسمح بها وظيفته ، فإن جريمة الرشوة تقوم رغم ذلك ، استنادا إلى مخالفة الموظف لواجبات وظيفته. وبناء عليه فإن شرط الاختصاص يعتبر متوافرا استنادا إلى تفسير أحكام القضاء لمفهوم الاختصاص على النحو الذي سبق بيانه . من أمثلة ذلك أن يقوم الساعي بختم مستندات بخاتم المصلحة بدون وجه حق في غيبة أو في غفلة من الموظف المختص . ويُعد الساعي في هذا الفرض مختصا بالعمل وليس زاعما الاختصاص ، ذلك أنه ملتزم باحترام قواعد العمل ونظمه ومسلكه في هذا الشأن يمثل مخالفة لواجبات وظيفته .
شكل الزعم بالاختصاص :
الزعم سلوك إيجابي :
يلزم أن يُنسب إلى الفاعل سلوك إيجابي يتمثل في الكذب ، عندما يزعم أنه يستطيع أن يؤدى العمل الذي يطلبه منه الراشي من خلال ممارسته لوظيفته. فلا يكفي أن يعتقد صاحب الحاجة بطريق الخطأ ودون ادعاء من المتهم أنه الموظف المختص .
الزعم سلوك صريح أو ضمني :
لا يشترط في الزعم أن يكون صريحا . فقد يكون ضمنيا ، كما لو طلب منه صاحب الحاجة أن يقوم بهذا العمل لقاء فائدة أو هدية فقبل الهدية ، ذلك أن معناه أنه يزعم أنه قادر على القيام بهذا العمل من خلال عمله الوظيفي . تطبيقا لذلك قُضي بأن ” الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح الموظف صراحة ، بل يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه ، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمنا زعمه بذلك الاختصاص. وتقدير توافر الزعم ضمنيا أو صريحا هو مسألة واقع لا تخضع لرقابة محكمة النقض طالما كان ذلك قائما على أسباب كافية وسائغة.
شروط الزعم بالاختصاص في الرشوة :
1 – أن يكون المتهم زاعم الاختصاص موظفا بنفس بالجهة التي يتوجه إليها صاحب الحاجة طلبا للخدمة التي يريدها .
2 – أن يكون الزعم بالاختصاص محل تصديق وفقا لمعيار الرجل العادي .
ثانيا – الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص
أضاف المشرع في سنة 1962 حالة الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص بحيث تصبح الرشوة ممكنة الوقوع ليس فقط من الموظف المختص بالعمل أو الذي يزعم الاختصاص ، بل من الموظف الذي يعتقد خطأ أنه مختص به. من ذلك أن يكون رئيس الموظف في العمل قد اعتاد أن يعهد إليه بأعمال معينة ثم غير تلك العادة واستمر الموظف معتقدا باستمرار اختصاصه بشأنها.
الرشوة جريمة خطر :
ليست الرشوة جريمة ضرر، لأن الإضرار بسير الوظيفة العامة ليس ركنا لازما لوقوع تلك الجريمة . بل تقع الرشوة بمجرد الأخذ أو الطلب أو القبول من جانب الموظف للفائدة . عندئذ تقع الجريمة متكاملة الأركان . ولا يلزم الانتظار حتى يؤدي الموظف العمل الذي تقاضى مبلغ الرشوة من أجله ز فتقع الجريمة حتى ولو كان الموظف منتويا عدم القيام بالعمل المطلوب من أجل الرشوة .
النتائج المترتبة على اعتبار الرشوة من جرائم الخطر :
يترتب على اعتبار الرشوة من جرائم الخطر النتائج التالية :
1 – تبنى المشرع مفهوما موسعا للموظف العام عن ذلك الذي اعتنقه القانون الإداري. فلا يلزم أن يكون الفاعل موظفا عاما بالمعنى المعرّف به في القانون الإداري . وقد سبق بيان أن المشرع – في المادة 111 عقوبات – قد ألحق بطائفة الموظفين في القانون الإداري طوائف أخرى جعلها في حكم الموظفين العموميين
2 – لا يشترط أن يكون الموظف العام مختصا بالعمل المطلوب ، بل يكفي أن يكون زاعما الاختصاص أو معتقدا خطأ بأنه مختص .
3 – لا يشترط في الاختصاص أن يكون العمل المطلوب داخلا في أعمال وظيفة الفاعل، بل يكفي أن يكون له صلة وظيفية بهذا العمل المطلوب .
4 – تقع الجريمة بمجرد الطلب أو القبول من الموظف ، فلا يلزم أن يؤدي الموظف العمل المطلوب.
5 – لا يلزم أن تنصرف نية الموظف إلى أداء الخدمة المطلوبة منه. فتقع الجريمة حتى ولو كان الموظف المرتشي منتويا عدم القيام بهذا العمل .
6 – تقع جريمة الرشوة حتى ولو لم يتسلم الموظف المرتشي الفائدة التي اتفق عليها .
7 – يستوي في جريمة الرشوة أن يطلب الموظف أو يقبل فائدة لنفسه أو لغيره. فالرشوة تكتمل أركانها حتى ولو لم يستفد الموظف شيئا لنفسه ، فيكفي أن ينصرف قصده إلى مساعدة زميله في الاتجار بأعمال الوظيفة حتى يعتبر فاعلا أصليا في الجريمة وليس شريكا فيها.
8 – يستوي لوقوع جريمة الرشوة أن تكون الفائدة مادية أو معنوية.
عناصر الركن المادي في الرشوة :
يقوم الركن المادي في جريمة الرشوة على العناصر الآتية :
1 – نشاط متمثل في : أخذ أو طلب أو قبول
2 – محل النشاط : وهو الفائدة
3 – وقت النشاط الذي يميز بين الرشوة في صورتها العادية والرشوة اللاحقة والمكافأة اللاحقة .
صور النشاط في جريمة الرشوة
( الأخذ – القبول – الطلب )
أولا – الأخذ :
الأخذ هو حصول الموظف على الجعل أو الفائدة التي تمثل المقابل في الرشوة . ولا عبرة بطريقة حصوله عليها . فقد يكون ذلك بحصوله شخصيا عليها . وقد يتم ذلك بحصول المستفيد الذي عينه الموظف للرشوة سواء كان قريبا للموظف أو غير قريب . وقد يتناول الموظف هذا المقابل وقد يتم وضع مقابل الرشوة تحت تصرفه كما لو وضع مبلغ الرشوة في حسابه الخاص في أحد البنوك.
ثانيا – القبــول :
على خلاف الأخذ الذي يحصل فيه الموظف على مقابل الرشوة فورا ، يتم القبول بالموافقة على وعد الرشوة . أما إذا كان هناك إعطاء للفائدة فقبلها المرتشي ، فإن الأمر يتخذ عندئذ صورة الأخذ ، وهي الصورة الأولى للرشوة .
وعلى هذا فإن الحصول على الفائدة ليس ركنا في الجريمة . فالرشوة تقع بمجرد قبول وعد بالرشوة . بل إن الجريمة تقع حتى ولو كان الجاني ينوي الوفاء بالتزامه إزاء الراشي، أي كان منتويا عدم القيام المطلوب . ذلك أن تنفذ هذا العمل ليس ركنا في الجريمة .
ثالثا – الطلب :
المقصود بالطلب هنا هو الإيجاب الذي يصدر من الموظف والذي يصل صاحب الحاجة في شكل عرض لأداء خدمات تتعلق بوظيفته في مقابل معين .
ويعد الطلب أخطر صور الارتشاء ، ذلك أن الموظف وصل به الأمر إلى أن يطلب بنفسه المقابل لأداء عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بأعمال تلك الوظيفة .
وتقع الجريمة بمجرد هذا الطلب حتى قبل أن يحصل الموظف على الفائدة. في ذلك قضت محكمة النقض بأن جريمة الرشوة تتم بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف وأن تسلم المبلغ بعد ذلك ليس إلاّ نتيجة لما تم الاتفاق عله بينهما. وتقع جريمة الرشوة حتى قبل أن يوافق صاحب الحاجة على هذا العرض من جانب الموظف ، ولا يحول دون وقوع الجريمة أن يرفض صاحب الحاجة إعطاء المقابل المطلوب بعد أن صدر الطلب من جانب الموظف.
أنواع الطلب :
يمكن أن يتخذ الطلب صورتين :
– الصورة الأول : الموظف يطلب لنفسه
– الصورة الثانية : الموظف يطلب لغيره
ساوى القانون بين أن يطلب الموظف المرتشي لنفسه المقابل أو أن يطلب لغيره . هذا الغير قد يكون زميلا له في العمل ، وقد يكون المستفيد من الرشوة شخصا غير موظف . هذا المستفيد ربما يكون ابن الموظف أو زوجته أو صديقا له أو أي شخص آخر يهم الموظف أمره ، ولذلك طلب أن يصله المقابل في الرشوة
طريقة الطلب :
قد يتم الطلب بطريقة مباشرة وقد يتم بأسلوب غير مباشر ، أي أنه قد يتم مباشرة أو عن طريق وسيط .
(أ) الطلب المباشر :
يتفق الطلب المباشر عندما يتصل الموظف بصاحب الحاجة . لا يهم بعد ذلك أن يكون الموظف هو الذي بادر بالاتصال بصاحب الحاجة أو أن هذا الأخير هو الذي أخذ بزمام المبادة في الاتصال طالبا قضاء حاجته فطلب الموظف منه مقابلا .
(ب) الطلب عن طريق وسيط :
يستعين الموظف – في هذا الفرض – بوسيط للاتصال بصاحب الحاجة ليعرض عليه طلباته في إتمام العمل المطلوب له في مقابل مبلغ الرشوة .
ولا تقع جريمة الرشوة عن طريق وسيط إلاّ إذا اتصل الوسيط بصاحب الحاجة عارضا عليه طلب الموظف . هذا الوسيط يُعد في واقع الأمر وكيلا عن الموظف . وبالتالي فإنه يلزم أن يتم هذا الاتصال لتتم الجريمة . ولا يحول دون وقوع الجريمة أن يرفض صاحب الحاجة هذا العرض الذي وصله عن طريق الوسيط . فالجريمة تقع ويُعد الموظف فاعلا أصليا في جريمة الرشوة . أما الوسيط فإنه شريك بالمساعدة مع الموظف إلاّ إذا كان هذا الوسيط هو موظف زميل للموظف المرتشي ، فإنه يُعد عندئذ فاعلا أصليا في جريمة الرشوة أيضا .
محل النشاط
( الفائدة )
لا رشوة بلا اتفاق على فائدة :
قد يتفق الموظف مع صاحب الحاجة على القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن هذا العمل أو مخالفة واجبات وظيفته ، ومع ذلك فإن هذا لا تقع به جريمة الرشوة. فقد يوافق الموظف على أداء تلك الخدمة لصاحب الحاجة من واقع القرابة أو بسبب المجاملة. عندئذ لا يشكل فعله جريمة الرشوة على الرغم مما يصدر من الموظف من إخلال بواجبات وظيفته. هذا الإخلال يمكن أن يعرضه للمساءلة التأديبية دون المساءلة الجنائية. وبالتالي فإنه لا رشوة بلا اتفاق على فائدة . ذلك أن المشرع يقصد من تجريمه العقاب على اتجار الموظف بأعمال وظيفته وليس مجرد الإخلال بواجبات هذه الوظيفة. ولا يتحقق هذا الاتجار إلاّ بوجود اتفاق على تقاضي فائدة في مقابل قيام الموظف بعمل معين يتعلق بوظيفته.
المقصود بالفائدة أو العطية :
نصت المادة 107 عقوبات على أن يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي أو الشخص الذي عينه لذلك ، سواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية .
1 – قد تكون الفائدة صريحة أو مستترة :
من صور الفائدة الصريحة أن يعطي الراشي مبلغا من النقود أو هدية للموظف المرتشي ويتحدثان عن عمل من أعمال الوظيفة أو امتناع أو إخلال بها . ومن الفائدة ما يتخذ شكلا مستترا كما لو نباع الراشي إلى المرتشي عقارا أو منقولا بثمن بخس أو يشتري الراشي من المرتشي مالا بثمن باهظ إذا كان الغرض منها حث الموظف على القيام بعمل أو امتناع عن عمل أو الإخلال بواجبات الوظيفة .
2- لا يشترط أن تكون الفائدة مادية :
قد تكون الفائدة غير مادية في صورة خدمة تؤدى للموظف المرتشي لحثه على العمل أو الامتناع أو الإخلال المطلوب . ومن أمثلة تلك الخدمات أن يقزم المرتشي بأداء خدمة لصالح المرتشي أو تعيين أحد أقاربه أو من يهمه في وظيفته. وقد حكم تطبيقا لذلك بعقوبة الرشوة على شخصين اتجرا بأعمال وظيفتهما مقابل ما كانا يحصلان عليه من ملذات ومتع شخصية ، كالعلاقات الجنسية أو قضاء السهرات في الملاهي.
– لا يشترط التناسب بين مقدار الفائدة وأهمية العمل المطلوب :
لا يشترط مقدار معين لمبلغ الرشوة . فالفائدة قليلة القيمة تقع بها جريمة الرشوة . فلا يحول دون انطباق وصف الرشوة إعطاء عسكري المرور مبلغ خمسة أو عشرة قروش حتى لا يحرر مخالفة مرور . وعلى خلاف ذلك لا يعد رشوة ما درجت عليه التقاليد من تقديم سيجارة أو مشروبا للموظف .
– تسليم الفائدة بعد تمام العمل :
لا يحول دون وقوع الجريمة أن يتم تسليم الفائدة بعد تمام العمل المطلوب ، مادام هناك اتفاق على تلك الفائدة قبل القيام بذلك العمل . تطبيقا لذلك قُضي بأنه ” لا يؤثر على ذلك( على وقوع الرشوة ) أن يكون العطاء لاحقا مادام أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة كانت قائمة منذ البداية “
– أن يتسلمها المتهم أو لا يتسلمها :
ليس من أركان جريمة الرشوة أن يتسلمها المتهم بالفعل الفائدة المتفق عليها . فتقوم الجريمة ولو لم يوف الراشي بوعده ولم يتسلم المتهم تلك الفائدة . وبالتالي تقوم الجريمة اكتفاء بالتفاهم على الفائدة ولو لم يتم تحديد تفاصيل مكان وزمان تسليمها أو تحديد شخص المستفيد منها .
ما يشترط في الفائدة :
يشترط في الفائدة ما يلي :
1 – أن تكون ذات قيمة :
إذا كان المقابل معدوم القيمة فلا يصح اعتباره مقابلا في الرشوة . وقد قُضي بأن تقديم شيك بدون رصيد تقوم به جريمة الرشوة ، لأنه وإن كان الموظف لا يستطيع صرفه من البنك ، إلاّ أنه يولد حقوقا في مواجهة الساحب. ويستوي بعد ذلك أن تكون الفائدة مادية أو معنوية على ما سلف.
2 – أن تكون غير مستحقة :
إذا كان المقابل مما يستوجب القانون دفعه للموظف بصفة رسوم فإن جريمة الرشوة لا تقع . غير أنه إذا اختلس الموظف هذه الرسوم لنفسه فإن جريمة أخرى تقع هي اختلاس الأموال الأميرية .
3 – أن يعلم بها الموظف ويقبلها :
قد يرسل صاحب الحاجة مبلغ الرشوة إلى منزل الموظف فيقبلها مع علمه بغرض الراشي ، عندئذ تقع الجريمة .
أما إذا تظاهر الموظف بقبول الفائدة لكي يتم ضبط الراشي متلبسا ، فإن جريمة الرشوة لا تقع ولكن تقع جريمة عرض الرشوة .
طريقة تسليم الفائدة :
قد يحصل الموظف على الفائدة بإحدى طريقتين :
الأولى : أن يتسلمها الموظف بنفسه .
الثانية : أن يحصل عليها شخص آخر من أقاربه كزوجته أو ابنه .
النتيجة في جريمة الرشوة
الرشوة جريمة خطر لا جريمة ضرر :
لا يتطلب القانون في الرشوة تحقق نتيجة مادية معينة . فهي جريمة سلوك أي إن الجريمة تقع بمجرد طلب الفائدة أو قبول الوعد بها . فلا يشترط أن يحصل الموظف عليها بالفعل .
ومن ناحية أخرى لا يشترط لوقوع جريمة الرشوة أن يقوم الموظف بالخدمة ( عمل – امتناع – إخلال ) مقابل الرشوة التي تقاضاها . فتقع جريمة الرشوة حتى ولو كان الموظف منتويا عدم القيام بالخدمة المطلوبة ( عمل – امتناع – إخلال).
الشروع في الرشوة :
إذا كانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب ، فهل معنى هذا أن الشروع غير متصور في هذه الجريمة ؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب إيضاح أن الجريمة تقع تامة في حالة الطلب بوصول هذا الطلب إلى صاحب المصلحة . فإذا كلف الموظف وسيطا يطلب رشوة من صاحب الحاجة في مقابل أداء العمل المطلوب . لكن الوسيط بلّغ عن الجريمة وبالتالي لم يتم وصول هذا الطلب إلى صاحب الحاجة ، فإن الجريمة تقع عند حد الشروع . وبديهي أنه يشترط أن يكون هذا الوسيط غير معين قبل ذلك من جانب صاحب الحاجة للاتفاق مع الموظف على مقدار بالرشوة وطريقة الحصول عليها .
كما يمكن أن تقف الرشوة عند حد الشروع إذا أرسل الموظف خطابا إلى صاحب الحاجة يعرض فيه القيام بخدمات تتعلق بالوظيفة نظير فائدة يحددها أو يتم تحديدها فيما بعد وتم ضبط الخطاب قبل وصوله إلى صاحب الحاجة .
أما في حالة الأخذ أو القبول فإن الشروع غير متصور .
والرسوم التوضيحية الآتية تبين حالات استعانة الموظف وصاحب الحاجة بوسيط في نشاطهما :
أولا : الموظف يستعين بوسيط
الفرض الأول :
في هذا الفرض الموظف يطلب من وسيط أن يتصل بصاحب الحاجة ولكن الوسيط يرفض أن يقوم بهذا الدور . الموظف يصبح فاعلا في شروع في رشوة .
الفرض الثاني :
الموظف يستعين بوسيط ولكن الوسيط لا يتصل بصاحب الحاجة ويبلغ الجهات القضائية. الموظف يصبح فاعلا في شروع في رشوة
الفرض الثالث :
في هذا الفرض الموظف يرسل الوسيط الذي يتصل بصاحب الحاجة. هذا الأخير يرفض إعطاء الرشوة . الموظف يصبح فاعلا في رشوة والوسيط شريك فيها .
ثانيا : صاحب الحاجة يستعين بوسيط :
الفرض الأول :
في هذا الفرض يطلب صاحب الحاجة من وسيط الاتصال بالموظف ولكن الوسيط يرفض القيام بهذا الدور . صاحب الحاجة يصبح فاعلا في شروع في عرض رشوة .
الفرض الثاني :
في هذا الفرض يرسل صاحب الحاجة وسيطا ، لكن الوسيط لا يتصل بالموظف ويقوم بالتبليغ إلى الجهات الإدارية . صاحب الحاجة يصبح فاعلا في شروع في عرض رشوة .
الفرض الثالث :
في هذا الفرض يرسل صاحب الحاجة الوسيط الذي يتصل بالموظف . هذا الأخير يرفض عرض الرشوة . صاحب الحاجة يصبح فاعلا في عرض رشوة والوسيط شريك فيها .
الفرض الرابع :
في هذا الفرض يرسل صاحب الحاجة الوسيط الذي يتصل بالموظف. هذا الأخير يوافق على العرض . الموظف يصبح فاعلا في رشوة وصاحب الحاجة والوسيط شركاء فيها . الموظف يصبح فاعلا في رشوة وصاحب الحاجة والوسيط شركاء فيها .
لحظة وقوع الجريمة وعلاقتها بإجراءات التحقيق :
تحديد لحظة وقوع جريمة الرشوة له علاقة وثيقة بإجراءات التحقيق ، وذلك للحكم على سلامتها أو بطلانها ، ومن ذلك ما يلي :
– بالنسبة للإذن بالقبض والتفتيش والتسجيل :
لا يجوز النعي على الإذن الصادر بالقبض على المتهم وتفتيش أو تسجيل المحادثات بين الراشي والمرتشي أو بين الوسيط والمرتشي لحظة طلب الرشوة أو أخذها بأنه قد صدر عن جريمة مستقبلة . فهذا مردود عليه بأن جريمة الرشوة تقع بطلب الرشوة ، وقد تم الطلب قبل ذلك .. فلا يجوز النعي على هذا الإذن بأنه صدر عن جريمة مستقبلة بمقولة أن جريمة الرشوة لم تكن قد وقعت بالفعل.
فإذا كان صدور الإذن عن جريمة مستقبلة يبطله ، ذلك أنه يشترط في الإذن أن يصدر بخصوص جريمة قد وقعت فعلا ، فإن ذلك ينطبق أيضا على جريمة الرشوة والتي صدر بخصوصها الإذن بالقبض أو التفتيش أو تسجيل المحادثات في أثناء أخذ مبلغ الرشوة . والجدير بالذكر أن الدفع ببطلان إذن الضبط والتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة من الدفوع الجوهرية التي يتعين أن ترد عليها المحكمة ، وإلاّ كان حكمها معيبا بالقصور مما يستوجب نقضه والإحالة.
وجدير بالذكر أنه لا يشترط صدور الإذن بتسجيل المحادثات التي جرت في مكان عام من القاضي الجزئي . بل إنه يجوز للنيابة العامة على سبيل الاستثناء في بعض الجرائم منها جريمة الرشوة إصدار الإذن بتسجيل المحادثات التي تجري في مكان خاص ، وذلك تطبيقا لقانون محاكم أمن الدولة رقم 105 لسنة 1980.
ثالثاً:الركن المعنوي في جريمة الرشوة
الرشوة جريمة عمدية :
يترتب على أن الرشوة جريمة عمدية أنه يلزم توافر العلم والإرادة لدى الفاعل لوقوع الجريمة .
أولا – العـــلم
يلزم أن يكون الفاعل عالما بالواقعة ، أي أن هناك فائدة مقدمة له بغرض القيام بعمل أو امتناع أو إخلال بواجبات وظيفته . فإذا كان الفاعل يجهل أن مبلغا من المال قد قُدم إليه في ثناينا الأوراق ، دون أن يراه ، فإن ذلك ينفي العلم وبالتالي ينفي القصد الجنائي .
وبالإضافة إلى ذلك يلزم توافر العلم بكافة العناصر المكونة للجريمة ، ومن بينها صفة الموظف العام . فإذا كان الراشي معتقدا أن الشخص ليس موظفا عاما في مفهوم المادة 111 عقوبات أو كان يعتقد أنه غير مختص بالعمل ، فإن جريمة عرض الرشوة لا تقوم . وكذلك لا تقوم جريمة الرشوة نفسها إذا كان الفاعل يجهل أن أمرا إداريا صدر بندبه للقيام بهذا العمل ، أي كان يعتقد على غير الحقيقة أنه غير مختص .
ثانيا – الإرادة
يلزم بالإضافة إلى العلم توافر الإرادة ، أي أن يكون الفاعل قاصدا الاستيلاء على مبلغ أو هدية من صاحب المصلحة مقابلا لأعمال تتعلق بوظيفته. فإذا كان قاصدا الإيقاع بالراشي بعد أن قام بالتبليغ عن محاولة إرشائه فإن هذا الأخذ أو القبول لا يتوافر فيه القصد الجنائي . فلا جريمة رشوة تقع وإنما جريمة عرض للرشوة .
العلاقة بين الفائدة والنشاط :
يشترط أن يكون سبب الارتشاء حث الموظف على القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة .
ولا يشترط أن يقوم الراشي فعلا بالعمل أو الامتناع أو الإخلال المطلوب. بل تقع الجريمة تامة بالأخذ أو القبول أو الطلب وقبل أداء العمل المطلوب . وأكثر من ذلك فإن جريمة الرشوة تقوم حتى ولو لم يكن الموظف منتويا القيام بالعمل المطلوب منه ، وذلك بصريح نص المادة 104 مكررا عقوبات.
صور العمل المطلوب :
يلزم أن يكون غرض تقديم الفائدة تحقيق عمل من الأعمال التالية :
الصور الأولى : القيام بعمل من أعمال الوظيفة
تقع جريمة الرشوة حتى ولو أدى الموظف واجبه الوظيفي على الوجه الوظيفي المعتاد، ذلك أنه من الضروري إلاّ يتقاضى مقابلا من أحد للقيام بواجبه. فقد قدّر المشرع خطورة أن يؤدي الموظف عمله بناء على فائدة حصل عليها من صاحب المصلحة لأن معنى ذلك أنه لن يقوم بواجبه الوظيفي إلاّ إذا تقاضى مقابلا لذلك من الجمهور .
وتقوم جريمة الرشوة بالأخذ أو القبول أو الطلب للفائدة ، طالما كان ذلك مرتبطا بعمل من أعمال الوظيفة . فتقع جريمة الرشوة من موظف الجمارك الذي يقوم بالتخليص على الأوراق وختمها بعد المواعيد الرسمية للعمل حتى تنتهي إجراءات الإفراج عن البضاعة المستوردة في الجمارك ، الأمر الذي يسمح لصاحب الشأن بتفادي التأخير في الاستلام وتحمل إيجار أماكن البضاعة أو غرامات أو فروق تغيير العملة ، طالما كان اجتهاد الموظف في العمل غير مبرر إلاّ بالحصول على هدية من صاحب الشأن .
الصور الثانية : الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة
في هذه الصورة يمتنع الموظف متعمدا أن يؤدي واجبه الوظيفي نظير الحصول على فائدة . مثال ذلك أن يمتنع عسكري المرور عن تحرير مخالفة للسائق الذي لا يحمل رخصة قيادة نظير الحصول على خمسة أو عشرة قروش. هذه الصورة من صور السلوك السلبي يسهل إثباتها ، إذ إن واجبات الموظف محددة قانونا . فإذا كان عدم أدائها على علاقة سببية بالفائدة ، فإن الجريمة تقع.
ويعتبر تأخير الموظف في القيام بعمل من أعمال وظيفته وتأجيله القيام به من يوم لآخر من قبيل الامتناع السابق ذكره . وتطبيقا لذلك قُضي بأنه ” إذا كان عمل المتهم هو تلقي الخطابات الواردة وتوزيعها على الأقسام المختصة وأن الشكوى التي دارت عليها الواقعة قد سلمت إليه بسبب وظيفته فاستبقاها لديه وحملها إلى التاجر المشكو وطلب منه الرشوة نظير أتلاف هذه الشكوى ، فإنه يرتكب جريمة الرشوة.
الصورة الثالثة : الإخلال بواجبات الوظيفة
من صور هذا الإخلال :
– إصدار قرار معيب من الناحية الإدارية لمخالفة القانون أو للتعسف في استعمال السلطة (ركن الغاية) .
– القيام بعمل مادي مخالف للقوانين أو اللوائح أو القرارات أو التعليمات.
ومن مظاهر هذه الأعمال المادية خروج الموظف على حدود اختصاصه، فيقوم بعمل من اختصاص زميل له مدفوعا في ذلك بدافع الحصول على مبلغ الرشوة.
رابعاً: عقوبة الرشوة
تقرر المادة 103 عقوبات ” عقوبة الموظف المرتشي والتي تتمثل في الأشغال الشاقة والغرامة النسبية ، كما تقرر المادة 107 مكررا عقوبات أن الراشي أو الوسيط يعاقب بالعقوبة المقررة للمرتشي في نفس الوقت الذي تقرر فيه عذرا معفيا من العقاب لهما إذا أخبرا السلطات بالجريمة أو اعترفا بها .
عقوبة الموظف المرتشي :
تحدد المادة 103 عقوبات عقوبة الموظف المرتشي وهي :
الأشغال الشاقة المؤبدة كعقوبة أصلية والغرامة النسبية والمصادرة كعقوبة تكميلية.
العقوبة الأصلية :
العقوبة الأصلية للموظف هي الأشغال الشاقة المؤبدة . والمعروف أن المحكوم عليه يتم الإفراج الشرطي عنه في حالة الأشغال الشاقة المؤبدة بمضي عشرين عاما بشرط حسن السير والسلوك في أثناء تنفيذه للعقوبة .
ومن ناحية أخرى يمكن للمحكمة أن تأخذ المتهم بالرأفة فتخفض الأشغال الشاقة المؤبدة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة التي تبدأ من 3 سنوات إلى خمس عشرة سنة . بل يمكن أن يصل التخفيض بمقتضى المادة (17 ) عقوبات إلى عقوبة السجن الذي يتراوح بين 3 سنوات وخمس عشر سنة .
العقوبة التكميلية :
يُضاف إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة عقوبة أخرى تكميلية أي تنطق بها المحكمة مع العقوبة السابقة . وهذه العقوبة التكميلية تتمثل في الغرامة النسبية والمصادرة . هذا بالإضافة إلى العقوبة التبعية التي تتضمنها المادة (25) عقوبات.
الغرامة النسبية :
نصت المادة 103 عقوبات على عقوبة الغرامة النسبية بقولها ” وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على أعطي أو وعد به ” . والمقصود بالغرامة النسبية أن مقدارها يتوقف على عامل خارجي غير محدد في النص . فقد يكون الضرر المترتب على الجريمة وهو هنا في جريمة الرشوة الفائدة التي حصل أو ينتظر الموظف أن يحصل عليها . وعلى كل حال ، إذا كانت الغرامة النسبية غير محددة في النص فيجب على المحكمة أن تحدد مقدارها وألاّ تنطق الحكم بالغرامة وتحيل في تحديد مقدارها إلى ما هو ثابت بقرار الاتهام لأن الحكم يجب أن يكون مستقلا بذاته وكافيا لتحديد مقدار الغرامة .
ويلاحظ أن الغرامة النسبية هنا هي في حدها الأقصى دون حدها الأدنى، إذ إن المادة 103 عقوبات تحدد مقدارها بألاّ تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به .
ويترتب على اعتبار الغرامة هنا من النوع النسبي النتائج الاتية :
– أن المحكمة لا ينبغي أن تحدد عقوبة الغرامة لكل موظف مرتش إذا تعدد هؤلاء . فالعقوبة واحدة لكافة الفاعلين الأصليين . وهنا تقف الغرامة النسبية على طرف النقيض مع الغرامة العادية التي يجب على المحكمة أن تحدد مقدارها لكل مساهم في الجريمة . وفي هذا الصدد تنص المادة (44) من قانون العقوبات على أن “إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلون كانوا أو شركاء ، فالغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراد ، خلافا للغرامة النسبية فكلهم يكونوا متضمنين في الالتزام بها ما لم يُنص في الحكم على خلاف ذلك “.
– الفاعلون الأصليون في حالة وجود أكثر من موظف مرتش متضامنون في الوفاء بالغرامة النسبية إذا لم يحدد الحكم نصيب كل منهم فيها . ومعنى ذلك أنه يجوز الرجوع على أحدهم بمقدار الغرامة بالكامل للوفاء عن نفسه وعن الفاعلين معه عن نصيبهم في الغرامة وله في هذه الحالة الرجوع عليهم لاسترداد ما دفعه عنهم .
المصادرة :
العقوبة التكميلية الثانية التي يتعين على المحكمة أن تحكم بها على الموظف المرتشي هي عقوبة المصادرة . إذ تنص المادة 110 عقوبات على أن “يحُكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقا للمواد السابقة ) .
ويُلاحظ أن النص على المصادرة الوجوبية هنا يمثل أيضا خروجا على القواعد العامة التي تقضي بأن المصادرة تكون وجوبية فقط إذا وجدت أشياء تحصلت من الجريمة أو استعملت فيها مما يُعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في حد ذاته . وهو ما لايتوافر في حالة الفائدة في الرشوة إذا كانت نقودا أو هدية مما يتوافر فيها الشرط السابق .. فالوصف الطبيعي للأمور أن تكون المصادرة جوازية استنادا إلى المادة 30 من قانون العقوبات ” يجوز للقاضي إذا حكم بعقوبة الجناية أو لجنحة أن يحكم بمصارة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة . وكذلك الأسلحة والآلات المضبوطة التي من شأنها أن تستعمل فيها ، وهذا كله بدون إخلال بحقوق الغير حسن النية “.
كما أردفت المادة (30) عقوبات بقولها ” وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يُعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في حد ذاته وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن تلك الأشياء ملكا للمتهم.
وبهذا فإن النص على عقوبة المصادرة بشكل وجوبي في جريمة الرشوة يمثل خروجا على القواعد العامة في المصادرة .
وجدير بالذكر أن الحكم بمصادرة الفائدة ( مبلغ أو هدية ) يقتضي أن تكون قدتم تقديمها بالفعل . أما إذا توقف الأمر عند الوعد بها أو طلبها ، فإنه لا يمكن في هذه الحالة مصادرتها ، لأنه لم يتم ضبطها . كما أن لهذا الضبط أهمية من ناحية الغرامة النسبية والتي تحدد بمقدار ما تبلغ هذه الفائدة في حدها الأقصى.
الحرمان من الحقوق والمزايا :
الحرمان من الحقوق والمزايا هي عقوبة تبعية أي أنه ليس من الضروري أن تحكم بها المحكمة . فهي أثر يرتبه القانون على الحكم نفسه إذا كان يقضي بعقوبة جناية ن أي أن العبرة ليست بارتكاب جناية ولكن العبرة هي بالحكم بعقوبة الجناية . ومعنى هذا أنه إذا ارتكب الفاعل جناية ولكن القاضي أخذه بالتخفيف (طبقا للمادة 17 عقوبات) فإنه يحكم عليه بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم به عليه (مادة 27 من قانون العقوبات) . وجدير بالملاحظة أن تنزيل عقوبة الرشوة طبقا للمادة 17 لا يجوز أن يصل إلى احبس إلاّ في بعض الجرائم الملحقة بالرشوة والمعاقب عليها بالسجن مثل المكافأة اللاحقة .
وفي هذا تنص المادة 25 عقوبات على أن ” كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حرمان المحكوم عليه من الحقوق والمزايا الآتية :
– القبول في أي خدمة في الحكومة مباشرة أو بصفة متعهد أو ملتزم أيا كانت أهمية الخدمة .
– التحلي برتبة أو نيشان
– الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلاّ على سبيل الاستدلال .
– إدارة أشغاله الخاصة بأمواله وأملاكه مدة اعتقاله ويعين قيما لهذه الإدارة تقرره المحكمة ..
وعلى هذا فإن العقوبة التبعية ليست عقوبة خاصة بالرشوة ولكن الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة ( أو المؤقتة أو السجن إذا اختار القاضي التخفيف طبقا للمادة 17 عقوبات) يستتبع توقيع هذه العقوبة. ولا حاجة لأن ينطق بها القاضي، فهي أثر يرتبه القانون على الحكم بعقوبة الجناية .
ويلاحظ أنه إذا حكم القاضي بعزل الموظف مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه ، فإن انقضاء تلك المدة يعني بالضرورة عودة الموظف إلى العمل الوظيفي رغم أن الرابطة الوظيفية قد انقضت بعزله .
مسئولية الراشي :
إذا كانت المادة 103 عقوبات تخاطب المرتشي وتحدد عقابه ، فلأنها تتطلب صفة في الفاعل الأصلي أن يكون موظف عاما . أما الراشي فيسري في حقه القواعد العامة التي تقضي بعقاب الشريك بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي ( من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها : مادة 41 عقوبات ) . فلا شك أن الراشي شريك بالتحريض في الجريمة سواء أكان هو الذي بدأت بعرض الفائدة أو أن الموظف هو الذي طلب ذلك .
وتقضي القواعد العامة أيضا بأنه لا شروع في الاشتراك أي أنه إذا قدم الراشي فائدة أو هدية للموظف نظير قيامه بعمله أو الامتناع عنه أو الإخلال به ورفض الموظف هذا الجعل فإن العرض من جانب صاحب الحاجة ما كان ليقع تحت طائلة التجريم بوصفه اشتراكا ، لأن الاشتراك في جريمة يفترض أن تقع هذه الجريمة ، لولا أن المشرع أفرد نصا خاصا للعقاب عن هذا النشاط بوصفه عرضا للرشوة ( مادة 109 مكررا ) نظرا لخطورة هذا الفعل .
وعلى هذا فإن جريمة عرض الرشوة تتطلب أن يقوم صاحب الحاجة بتقديم العطية أو الوعد بتقديمها نظير العمل أو الامتناع الوظيفي وأن يقابل هذا العرض بالرفض من جانب الموظف ، لأنه لو قبله لوقعت جريمة الرشوة ولأصبح صاحب الحاجة شريكا في هذه الجريمة .
مسئولية الوسيط :
الوسيط في الرشوة شريك بالتحريض في جريمة الرشوة . ومن ثم فإنه ينطبق عليه ما تقضي به القواعد العامة في الاشتراك من أنه من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ( مادة 41 عقوبات ) . وهذا يفترض أن تقع جريمة الرشوة، فلا شروع في الاشتراك . هذا وإن كان المشرع قد أفرد نصا خاصا على غرار عرض الرشوة للعقاب على عرض الوساطة وقبولها ( مادة 109 مكررا – ثانيا).
تشديد عقوبة الرشوة :
تشدد عقوبة الرشوة في حالتين :
الحالة الأولى :
إذا كان موضوع الرشوة هو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها . في هذه الحالة يسري التشديد على عقوبة الغرامة التي يصبح حدها الأدنى ألفي جنيه . أما حدها الأقصى فإنه لا يزيد على ضعف ما أعطي أو وعد به ( مادة 104 عقوبات ).
ويعالج هذا الفرض حالة الإخلال بواجبات الوظيفة بناء على الرشوة، وبالتالي فإن التشديد لا يسري إذا كان بغرض قيام الموظف بأداء أعمال وظيفته بشكل طبيعي .
ويسري نفس التشديد على حالة الرشوة اللاحقة والتي تتمثل في تفاهم سابق على الامتناع عن العمل أو الإخلال ثم طلب أو أخذ أو قبول مبلغ الرشوة ( مادة 104 عقوبات) .
الحالة الثانية :
إذا كان الغرض من الرشوة هو ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة أي أن يكون الغرض من الرشوة هو ارتكاب جريمة أخرى معاقب عليها الإعدام توقع هذه العقوبة الأخيرة .
ويلاحظ أن في ذلك خروجا على القواعد العامة ف تعدد الجرائم من ناحية أن التشديد هنا لا يتطلب ارتكاب الجريمة الأشد ز فيكفي أن يكون الغرض من الرشوة هو ارتكاب هذه الجريمة ، كما لو كان الغرض من الرشوة هو إفشاء أسرار الدولة العسكرية إلى دولة أجنبية ( مادة 80 عقوبات) .
ويعني ذلك أن المشرع يعتد هنا بالباعث ويحاسب المساهمين في ارتكاب الرشوة عند وجود ذلك الباعث . يستوي بعد ذلك أن تكون الجريمة الأشد قد وقعت أو لم تقع . هذا ما لا يتمشى مع المبادئ العامة في القانون والتي تقضي بعدم العقاب على النوايا غير المقرونة بأعمال تنفيذية . فمما لا شك فيه أن الاتفاق على القيام بالجريمة الأشد هو من الأعمال التحضيرية التي لا ترقى إلى البدء في التنفيذ وبالتالي فإنها لا تخضع للعقاب حسب القواعد العامة . هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى يلاحظ أنه إذا تم ارتكاب الجريمة الأشد ، فإن القواعد العامة في تعدد الجرائم تقضي بتطبيق العقوبة الأشد ، حيث إن هناك ارتباطا لا يقبل التجزئة ( مادة 32 عقوبات ). وهنا نتواجد أمام جريمتين ؛ جريمة الرشوة المشددة والجريمة الأخرى التي تمت . ويلاحظ أن جريمة الرشوة المشددة هي دائما الجريمة الأشد . ذلك أن المادة 108 عقوبات تقضي بتوقيع عقوبة الجريمة الأخرى المتفق عليها إذا كانت هي الأشد ، بالإضافة إلى الغرامة النسبية للرشوة.
الإعفاء من العقوبة :
قررت المادة 107 عقوبات سببا للإعفاء من العقوبة بقولها : ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها “.
وعلى هذا فإن الإعفاء لا يسري في خصوص الموظف المرتشي وإنما قصره المشرع على الراشي والوسيط للتوصل إلى كشف جريمة الرشوة وتضييق الخناق على الموظف العام . وهذا لا يمنع المحكمة أن تأخذ في اعتبارها تخفيف عقوبة الموظف المرتشي الذي يقوم بالتبليغ عن الجريمة بعد أن تورط فيها .
ويسري الإعفاء بالنسبة للراشي أو الوسيط في حالتين :
الحالة الأولى – التبليغ بوقوع الجريمة
المقصود بها إخبار السلطات بجريمة الرشوة ، يستوي أن يكون التبليغ للسلطات الإدارية أو القضائية أو مساعدي القضاء ( البوليس والنيابة ) .
وإذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة ، فإن الراشي أو الوسيط يعفي من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقا للمادة 48 عقوبات . هذه المادة الأخيرة تقرر الإعفاء لكل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة . فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلا إلى ضبط الجناة.
الحالة الثانية – الاعتــراف
فتح المشرع باب الإعفاء على مصراعيه أمام الراشي والوسيط إذا اعترفا بالجريمة لكي يبقى الموظف وحيدا في مواجهة كافة الأدلة التي تتآزر في مواجهته. ومعنى ذلك من الناحية العملية أن الموظف هو المسئول الوحيد عن جريمة الرشوة . فلا يجدي نفعا أن يبلغ هو عن وقوع الجريمة أو أن يعترف بها، اللهم إلاّ من ناحية إمكانية تخفيف العقاب . وهذا متروك للسلطة التقديرية للمحكمة.
وجدير بالملاحظة أن الإعفاء من العقاب لا يسري إلاّ في حالة جريمة الرشوة أو الشروع في رشوة ، فلا يسري بالنسبة لجريمة عرض الرشوة ، أي إن الإعفاء يسري إذا قبل الموظف الرشوة . أما إذا رفضها فإن صاحب الحاجة والوسيط لا يستفيدان من هذا الإعفاء ، إذ هما مسئولان عن جريمة عرض الرشوة التي لا يسري في خصوصها ذلك الإعفاء .
ويشترط في الإعفاء الذي يعفي الراشي والوسيط من العقوبة :
1 – أن يكون كاملا ، أي متضمنا لكافة التفاصيل عن الجريمة.
2 – أن يكون صادقا ، أي متضمنا ما يعلمه المعترف من معلومات صادقة . فلا يصلح سببا للإعفاء الاعتراف الذي يضلل العدالة .
3 – أن يتمسك به المتهم أمام المحكمة حتى قفل باب المرافعة .
وقد قُضي بأن “الاعتراف المنصوص عليه في المادة 93 عقوبات لم يحدد له النص زمنا ولا جهة حكومية خاصة يؤدي لديها ، فهو بهذا الإطلاق يكون في أي زمن ولدى أية جهة إدارية أو قضائية. ولكن قضاء النقض يذهب إلى أنه رغم إطلاق النص يجب أن يكون هذا الاعتراف حاصلا أمام المحكمة حتى تتحقق فائدته وينتج أثره .
كما يتعين أن يتمسك المتهم (الراشي أو الوسيط ) بذلك الاعتراف حتى قفل بال المرافعة ، فلا يعدل عنه . هذا العدول من شأنه أن يحول دون الاستفادة من ذلك الإعفاء.
ولا يشترط في الاعتراف أن يكون هو الدليل الوحيد في الإدانة ، بل إن العلة من الإعفاء هي مساعدة العدالة وذلك يتحقق باجتماع الأدلة وتساندها في المواد الجنائية.
ويلاحظ أنه إذا كان الغرض من الرشوة هو ارتكاب جريمة أشد من الرشوة ، فإن العقوبة واجبة التطبيق هي هذه العقوبة . والإعفاء في هذه الحالة تعالجه المادة 108 عقوبات التي تنص على أنه ” إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة يعاقب الراشي والمرتشي والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوة . ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقا لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون”.
وجدير بالذكر أن المادة 48 عقوبات تنص على الإعفاء بقولها “ويُعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة . فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلا إلى ضبط الجناة الآخرين.
وواضح أن الإعفاء ينطبق في حالة عدم وقوع الجريمة الأشد ، إذ يلزم أن يتم إخبار السلطات القضائية أو الإدارية بوجود هذا الاتفاق قبل البحث والتفتيش . أما بعد فإنه يتعين أن يؤدي تعاون الراشي والوسيط إلى ضبط الجناة الآخرين .